ليست الذاكرة مستودعاً أو براداً، وليست مجرد مخزن لحفظ الأيام المختارة من أعمارنا.
ليست الذاكرة دائرة مغلقة ملساء، وليست محايدة باردة، تتلقى ما يراد استبقاؤه لاستعادته ذات يوم، ذات ساعة، ذات لحظة.
للذاكرة حياتها الخاصة وديناميتها الخاصة. فيها المختبر والمفاعل الكيميائي ولها قدرتها على الاختيار، وهي قد تتدخل بالحذف والاضافة، فتسقط من لا تستسيغ وجوده، او تعدل فيه مستبقية المساحة للأغلى والأعز من الناس والوقائع والأمكنة والتفاصيل الحميمة.
…………..
المكان هو المكان، لكنك لست الرجل الذي كان، وليس للماضي ظل يعانقك الآن او يداريك عن الناس.
تخفف من وطء قدميك حتى لا تستحق الأثر المسموح لليوم الغائر في ثنايا الحلم القديم.
تحاول ان تستعيد الصدى… لكن، كيف يجيء الصدى من خارج الصوت؟
والصمت رمس عميق الغور يختفي في طياته كل اولئك الذين صنعوا لك وللآخرين أزمانهم الجميلة.
الجزيرة هي الجزيرة، الليل هو الليل، والنيل قيثارة الحياة، يواصل شدوه المهموس المجلل بالمهابة، لكن الفرح يعشعش الآن في صدور اخرى غير صدرك، والحب يتسامق عبر ارتعاشات الدمع في عيون غير عينيك.
الأطلال…
لم تعد أغنية تهزج بها جنبات المدينة المزروعة الضفتين بالعشاق الفقراء.
كان الشجر يغني، النهر يغني، أضواء الأندية والمقاهي والكازينوهات تغني، وصمت الليل يغني.
وكان للغناء صوت وجيب القلب المسكون بالشجن.
بالكاد سمعنا الغناء من خارجنا، بالكاد انتبهنا الى الآخرين من حولنا. كان الموكب موكبنا و”الست” تغني لنا بالذات، فليسعد الخلق بحبك منثورًا عليهم طرباً.