غزة ـ حلمي موسى
في اليوم الأربعين بعد المئة على العدوان على غزّة، يزداد الأمل بأننا نقترب من يوم شروق شمس حريتنا، يوم يرى شعبنا بشائر انتصاره وثمار تضحياته. وسوف نرى هذا اليوم قريبا.
***
مع إعلان حكومة العدو عن “موافقتها”، بعد امتناع، على إرسال وفد إلى اجتماع يعقد في باريس حول صفقة التبادل، “يشارك في التفاوض ولا يكتفي بالاستماع”، عرض رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وثيقة عنوانها “اليوم التالي لحماس”، هي في الواقع وصفة دقيقة لحرب لا تنتهي، ولاحتلال بشع، ولتحكم إسرائيلي دائم بقطاع غزة وفصله عن الضفة الغربية. وتُعدّ هذه الوثيقة هي بمثابة بصقة في وجوه العرب كلهم أساسا، كما الأسرة الدولية، والولايات المتحدة.
إلى ذلك، انتقد أمس مسؤول كبير سابق في الاستخبارات العسكرية سياسة نتنياهو في غزّة، معترضا على نية إعادة احتلال القطاع المهدم لأن كلفة بنائه باهظة ويتعين على دول الخليج تسديديها!
وقد ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن نتنياهو قدم أمس للمجلس الوزاري الأمني المصغر “وثيقة مبادئ” تتعلق بسياسة “اليوم التالي” لانتهاء الحرب على غزة، تشمل بند إغلاق وكالة الأونروا واستبدالها بوكالات إغاثية دولية أخرى، وإقامة منطقة أمنية في قطاع غزة متاخمة للمستوطنات الإسرائيلية.
كما تنص الوثيقة على الإبقاء على الإغلاق الجنوبي عند الحدود بين غزة ومصر. (تفاصيل خطة نتنياهو منشورة على الموقع)
من جهة ثانية، حمل الجنرال المتقاعد عاموس جلعاد، الذي خدم كرئيس للطاقم لسياسي الأمني في وزارة الدفاع بعدما كان رئيسا لوحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، على نتنياهو واتهمه بأنه “يقسّم البلاد”.
وقال في حديث إذاعي أنه ” إذا لم تكن هناك استراتيجية للخروج، فنحن محكومون بالتدهور والخسائر الفادحة” محذّرا من أنّه “إذا لم نناقش قضية “اليوم التالي”، فسيتعين علينا السيطرة على غزة”.
وفي لقاء يوم أمس عبر “إذاعة 103 إف إم”، انتقد جلعاد نتنياهو وسلوكه طوال الحرب بشدة. وأوضح “إذا لم ننضم إلى الإجابة على سؤال من سيحكم غزة في اليوم التالي، فسوف ننجر إلى حكمها، بسكانها البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة. إنها منطقة تعاني من ضائقة رهيبة تتطلب إعادة إعمار ضخمة، ونحن لا نملك هذه الموارد على الإطلاق وسيكون من العار إهدارها. من يستطيع أن يقدّم هذه الموارد هي السعودية والإمارات ودول مثلهما، لكنها لن تستسلم إذا لم يكن هناك محور استراتيجي مثل المحور الذي تعرضه علينا الولايات المتحدة”.
وبحسب جلعاد، فإنه “ليس أمام رئيس الحكومة من خيار سوى تبني استراتيجية للأمن القومي على حساب استراتيجيته الشخصية، وهو ما يعني الاتصال بالرئيس الأميركي جو بايدن وبدلا من الجدال معه، يجب أن تقول له “أنا” انضم للمبادرة، أريد تحالفاً استراتيجياً مع السعودية والولايات المتحدة بثمن التطبيع، محوراً استراتيجياً، محوراً اقتصادياً مثل الجسر البري. هل تريد دولة فلسطينية؟ حسنًا، فلنبدأ المناقشات حول ماهية هذه الدولة بالضبط.”
أضاف أنه “في الوضع القائم اليوم، سيتطلب الأمر سنوات عدة، لكنه سيسمح لنا أيضًا بحرية التنفس في غزة نفسها، لأنه في غزة نفسها يتعين على الجيش الإسرائيلي إكمال المهمة. وإذا لم يفعل نتنياهو ذلك للحفاظ على ائتلافه، فسوف يقسم البلاد”.
وفي وقت لاحق من المقابلة، أشار جلعاد أيضا إلى التوترات في الضفة الغربية والخوف من اندلاع جبهة إضافية، معتبرا أن “رئيس الحكومة يجره وزراء متطرفون يريدون تحقيق رؤى تعاليم مسيحانية، والوضع في المجتمع اليهودي يغلي والاستقرار يتزعزع طوال الوقت”.
وأضاف أن “السلطة الفلسطينية تضعف، ولكن ليس لها بديل، معتبرا أن “البديل الوحيد في النهاية سيكون الجيش الإسرائيلي الذي سيحتل المناطق (الضفة) أيضا بشكل مباشر. لقد تم بالفعل اتخاذ خطوات مثل هذه، والشيء الوحيد الذي ينجح هو وجود استراتيجية محددة للإجراءات المضادة في الشاباك والجيش الإسرائيلي، لكن لا يمكنك أن تبني كل شيء على التدابير العسكرية، عليك أن تفعل أشياء مدنية أيضًا.”
وضمن هذه الأجواء والآراء الداخلية الإسرائيلية، من المقرر أن يعقد في العاصمة الفرنسية اجتماع لإحياء الاتصالات بشأن إبرام صفقة لتبادل الأسرى وفق مقترح باريس الأصلي، على أن تتبعها مفاوضات لتثبيت وقف النار وإتمام المرحلتين الثانية والثالية من المقترح.
وكان مجلس الحرب الإسرائيلي قد قرر الموافقة على إرسال وفد إلى اجتماع باريس، يضم رئيس الموساد ديفيد بارنيع ورئيس الشاباك رونان بار ورئيس طاقم ملف الأسرى في الجيش الجنرال نيتسان ألون. ومن المقرر أن يجتمع هذا الوفد إلى كل من رؤساء المخابرات المركزية الأميركية والمخابرات العامة المصرية والحكومة القطرية، بعدما تم الإعلان عن حلحلة في مواقف كل من حماس وإسرائيل.
وكان إرسال الوفد الإسرائيلي إلى كل من القاهرة وباريس للمشاركة في إحياء المفاوضات موضع خلاف كبير داخل الحكومة الإسرائيلية، وكاد يفجر خلافات بين القيادتين السياسية والعسكرية.
وكان نتنياهو قد أرسل وفدا إلى القاهرة من دون أي تفويض على أن يكتفي “بالاستماع”، وذلك من أجل إرضاء شركائه المتطرفين في الحكومة مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، و”الضغط” على “حماس” والوسطاء للحصول على اقتراحات جديدة.
ورأى كثيرون أن مواقف نتنياهو هذه تؤكد ميله إلى صف المتطرفين داخل حكومته الذين رفضوا من حيث المبدأ مقترح باريس ولا يريدون أي صفقة تبادل. ومعروف أن وزير المالية سموتريتش فجر جدالا في إسرائيل مؤخرا عندما أعلن أن إعادة الأسرى ليست الهدف الأول لحكومته وأنه لا يقبل الإفراج عنهم بأي ثمن.
وقد ضغطت الإدارة الأميركية على نتنياهو وحكومته لإرسال الوفد إلى باريس، وكان آخر هذه الضغوط عبر مبعوث بايدن وكبير مستشاريه، بريت ماكغورك، الذي زار مصر والكيان الصهيوني حاثا الأخير على إرسال وفد بتفويض جدي لإتمام المفاوضات.
وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنها تؤمن بوجود حالة ملحة للتوصل إلى اتفاق يحرر الأسرى الإسرائيليين من جهة، ويساعد في إيصال المساعدات للقطاع وخصوصا لشماله من جهة أخرى. كما أن إدارة بايدن تعتقد أن استمرار الحرب في رمضان قد يزعزع استقرار أنظمة عربية ويضرب الاستقرار في المنطقة.
وبحسب موقع “والا” قال ماكغورك، خلال محادثاته المسؤولين الإسرائيليين أمس (الخميس)، إنه تم إحراز تقدم في المفاوضات بين الوسطاء القطريين والمصريين وحركة حماس بشأن صفقة تبادل محتملة، وبالتالي من المهم أن ترسل إسرائيل وفداً إلى محادثات باريس وتجري مفاوضات جادة.
وأكد ماكغورك أن إدارة بايدن ترى أن هناك ضرورة ملحة للتوصل إلى اتفاق للإفراج عن المختطفين في أسرع وقت ممكن، سواء بسبب الوضع الصعب للمختطفين في الأسر أو بسبب اقتراب شهر رمضان.
وحسب “والا” أيضا قال وزير حرب العدو يؤآف غالانت لمكغورك خلال اجتماعهما إن مجلس الحرب سيوسع ولاية فريق التفاوض الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه سيزيد الجيش الإسرائيلي من ضغطه العسكري على حماس – حتى تلين الشروط المحتملة لعودة الأسرى، وفقا لما ذكره مكتب وزير الحرب.
أضاف رجال غالانت أنه تحادث مع ماكغورك حول الشروط التي تسمح بنشاط الجيش الإسرائيلي لتفكيك كتائب حماس في رفح والمعسكرات الوسطى، موضحين أن “وزير الدفاع أعرب عن استعداد إسرائيل لمنع المساس بالمدنيين والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية لمنع المجاعة والأمراض”.
ومن الواضح أن قرار إرسال وفد إسرائيلي إلى باريس يعود إلى واحد من سببين: إما أن حماس لينت موقفها وخففت اشتراطاتها وإما أن الضغط الأميركي كان قويا.
وقد نقلت شبكة “سي إن إن “الأميركية عن “دبلوماسي أميركي رفيع المستوى” قوله أنّه “إذا هاجمت إسرائيل في رفح، فإن ذلك سيضر بفرصة عقد صفقة التبادل”. وينضم هذا التحذير إلى ما نشر في بلومبرغ مؤخرا، من أن الحكومة البريطانية تدرس الحد من بعض صادراتها من الأسلحة إلى إسرائيل إذا شنت الأخيرة هجومًا على رفح أو منعت وصول شاحنات المساعدات إلى غزة.
وقال مسؤولون بريطانيون للوكالة، دون الكشف عن هويتهم، إن المزيد من التصعيد الإسرائيلي في غزة دون بذل جهود لحماية المدنيين يمكن أن يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي.
أضافت الوكالة أن الاستشارة القانونية التي يتلقاها الوزراء البريطانيون في ما يتعلق بمنح تراخيص التصدير قد تتغير في مثل هذا الوضع، مما سيؤثر على بيع بعض الأسلحة والتكنولوجيا البريطانية لإسرائيل، مشيرة إلى أن الخارجية البريطانية رفضت التعليق على ذلك.
وأشارت الوكالة أيضا إلى أن بريطانيا ليست مصدرا رئيسيا للأسلحة إلى إسرائيل، لكن الخطوة المحتملة – التي تناقشها بريطانيا مع حلفائها، بحسب الوكالة – تشير إلى أن الدول الغربية تريد زيادة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لإبداء اهتمام أكبر بالمدنيين.
وكتب كبير المعلقين السياسيين في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم بارنيع، أن “صفقة التبادل ليست في اليد بعد – وهناك محافل مسؤولة تتحدث عن فرصة تصل حتى 50 في المئة – لكن استئناف المفاوضات يبدو قريبا.”
وكان مواقع “واي نت” قد نشر أمس الأول عن تحقق توافق يُفترض أن يسمح باستئناف المحادثات السبت، في باريس هذه المرة، “والانتقال من القاهرة الى باريس هو أكثر من تغيير للمكان. فالفكرة العامة هي العودة الى الوراء، الى مقترح الإطار الذي اتُفّق عليه في باريس في بداية شباط، والمواصلة من الصيغة الأولى.
وكانت “حماس قد أرسلت ردا على مقترح الإطار رفضته إسرائيل.
والإعلان استئناف عن المحادثات في باريس يتيح لكل طرف الادعاء بأنه كان محقا. فنتنياهو سيدّعي بأن نهجه الرافض أدّى إلى مرونة في موقف حماس، وهو مصر على انه انتصر. وسيدّعي آخرون أن الأمر ليس كذلك. المؤكد هو أن التغيير تكتيكي فحسب، وهو هش ومن شأنه ان يتغير.