لم يكد أحد يصدق الخبر، ليس اعتراضاً على القدر، وليس لأن الموت قد أخل بمواعيده، بل لأن »جو« كان يبدو محصناً بروحه الطيبة، بحب الناس، بالإقبال على الحياة يشربها حتى الثمالة، وكان يزرع البهجة حيثما حل، ويطرد الأرواح الشريرة التي تنشر الكمد والحسد والحقد من محيطه… فساد اعتقاد أن مثله لا يموت!
كنا نتوقعه دائماً، بغير موعد، فينتشلنا من وهدة الإحساس بالخيبة، ومن متاعب العمل، ومن اليأس الذي تنشره السياسات الفاشلة وانقلاب الطوائف الى حزبيات ومؤسسات للعصبيات تعكس حالة من التردي السياسي العام.
يطل فإذا الكل يبتسم ويستعد لوصلة من »الطرب« للقفشات التي يطلقها بصوته ذي البحة المميزة، للتشنيعات التي يخص بها أصدقاءه قبل خصومه، فإذا اطمأن الى اننا قد استعدنا حيويتنا غادرنا الى غيرنا. مهمته ان ينشر البهجة وأن يُسقط جدار »الإحباط«.
كان في المجلس النيابي صوتاً من طبيعة خاصة، وفي »الشارع« وجهاً محبباً، يقصده »العامة« طلباً لخدمة، ولو من دون سابق معرفة.
وحين فشل في الوصول مجدداً الى الندوة، لم يتبدل في مسلكه حرف واحد، ولم يخفت إقباله على الحياة، ولم تنطفئ شعلة الظرف فيه ولم تنقص خدماته لمن يستطيع أن يخدمهم.
لقد خسر أهل السياسة ظريفاً، وخسر العامة سياسياً قريباً إليهم، وخسرت الحياة العامة في لبنان وجهاً مميزاً لا شبيه له.
سيحزن كثيرون على يوسف حمود، ابن جويا التي لم ينسها أبداً، والتي حملها معه الى المغتربات والى عواصم الرفاه، وحملها في زمن الحرب كما في زمن السلم، وفي زمن النعمة كما في زمن الشقاء.
»ابن الشعب«، كان يقول عن نفسه، وكان يجتهد في أن يظل أميناً لقوله.
رحم الله جو حمود، الرجل الذي جعل للسياسة علاقة بالقلب، وأضحك السياسيين على أنفسهم بقدر ما أضحك العامة على السياسيين.
سنفتقدك يا »جو« في العشيات، وسنتذكر دائماً نكهتك المميزة.