عن «السفير»: أربعون سنة صحافة في قلب الاستحالة
انها السنة الأربعون، هذه التي ودعتها «السفير» قبل أيام، متوغلة في عالم جديد لم نكن قادرين على تصوره حتى في أحلامنا.
انها السنة الأربعون، لكنها تكاد تكون أربعين عمراً أو يزيد.
لا أحد حيث كان، لا شيء حيث يجب أن يكون، بمعايير البداية التي تصورناها، بل عشناها اختراقاً للمستحيل.
والسؤال الذي يطاردنا بسياطه الملتهبة: هل تستطيع «السفير» ان تكون، بعد، جريدة اليوم… والأخطر: هل تستطيع أن تكون جريدة الغد؟!
اننا في عصر الدقائق، بل الثواني. سقطت وحدات الزمن القديم: اليوم، قبل الظهر، بعد الظهر، المغرب، ثم الليل الذي يمد جناحه طويلاً حتى الفجر البعيد.
والغد الذي كان يأتي متمهلاً بعد أربع وعشرين ساعة، يقتحمك مائة مرة في اليوم.
اننا نعيش في عالم صغير. ليلك موصول بنهارات الآخرين في الجهات البعيدة، فإذا الزمن مفتوح، يباغتك بجديد في كل لحظة، يطاردك بامتداد نهارك وليلك، تغادره فلا يغادرك. يلحق بك إلى السرير، يهيل عليك التطورات بأخبارها المباغتة بلا توقف. يلغي احتمال الادعاء انك لم تعرف. تقتحم الأخبار والتحليلات والتداعيات عليك مخدعك. تجبرك ان تبقى متنبهاً حتى لا تشطبك فتخرجك من العصر بوصفك متخلفاً.
تصاغر العالم فبات في قبضة يدك مسقطاً منها القلم، متجاوزاً تخيلاتك وتقديراتك التي ما ان تباشر ترتيبها تمهيداً لتحليلها حتى يتجاوز كل ما فكرت فيه فارضاً عليك تحديات لم تكن قد أعددت نفسك لمواجهتها.
اختلفت وحدة قياس الزمن. سحبت «السنة» من التداول. سحب معها الشهر والأسبوع وحتى اليوم. صار الزمن تكتكات في هاتفك الخلوي تنقل إليك التطورات في أربع رياح الأرض: في السياسة، في الاقتصاد، في التقدم العلمي، في التجارة والصناعة وحركة المال والذهب أصفر وأسود، في الاكتشافات العلمية وأحوال الطقس بنهارات غيرك التي لا تنام في لياليك والتحولات في سياسات الدول التي تباغتك قبل ان تستعد لها فترتجل موقفك منها بالقياس على ما درست وقرأت وتابعت من أحداث «الماضي» ـ الذي يكون قبل يوم أو بعض يوم ـ ولكنه صار بعيداً في الخلف وصار عليك ان تقرأه وكأنه وقع في عصر آخر.
لكنها أربعون سنة حافلة. بل انها تكاد تكون أربعين عمراً أو يزيد.
تمر في ذهنك ذكرياتك كأطياف جميلة آتية من زمن سحيق البعد عن لحظة احتفالك الذي تكاد ان تكون فيه وحدك من عاشه بعد ان غادره الآخرون أو غادرهم. تنتبه إلى قلة من رفاق السلاح أبرزهم ياسر نعمة ويوسف برجاوي يحتفلون معك في حين ان مئات قد عاشوا في «السفير» بعض عمرهم ثم غادروها وحفظتهم واحداً واحداً.
تنظر إلى القاعة التي يزغرد فيها الفرح، فتبتهج لمشهد الزملاء والزميلات وقد أخذتهم النشوة بالإنجاز إلى حلقة الرقص فازدحموا فيها يحيون عيدهم.
الكل هنا واحد. لا رئيس ولا مرؤوس. انها «الأسرة».. وثمة شيء من الزهو في عيونهم، انهم قد اعطوا «الناس» ما استطاعوا ان يعطوه. و«الناس» يستحقون أكثر. هم يعرفون، وهم مستعدون لأن يعطوا أكثر. ليس أشرف وأمتع من الشعور بأنك أعطيت «الناس» ـ أهلك ـ ما تقدر عليه.
يطلق «هادي» أهازيجه التي تفرض على «الجمهور» ان يندفع إلى حلقة الدبكة، والمستجد يحاول تقليد العتيق، وتمتد النشوة إلى أطراف القاعة فيعقد بعض المخضرمين حلقاتهم الخلفية، بل هي تشمل تلك المجموعة من الشباب التي تخدم «الزبائن» المختلفين نوعاً عما ألفوا، فتراهم يكادون يطيرون وهم يتنقلون بين الطاولات وفي عيونهم ذلك النوع من الفرح الهادئ نتيجة إحساسهم بأنهم انما «يخدمون» أخوة لهم، لا يستكبرون عليهم ولا يستخدمون لهجة الأمر.
… فإذا ما فرضت «هدنة العشاء» إخلاء الحلبة، جلس الجميع متحفزين، يستعجلون وصول «حلب»، حتى إذا ما أطل محمد خيري ارتفعت الهتافات وقد خالطت الجموع زغردات الفرح: ها قد دخلنا دنيا الطرب الأصيل.
[ [ [
تنهال عليك ذكريات العدد الأول، وعذابه الطويل… ثم تتوالى الأيام بمرارتها وفرح الإنجاز. لقد تفجرت البلاد بالحرب الأهلية و«السفير» لما تكمل سنتها الأولى. وبدأ عصر الوجع مع اغتيال معروف سعد في صيدا، ليكون الإنذار الأول. مباشرة بعد «العيد الأول» فجرت حروب العنصريات بوسطة عين الرمانة في 13 نيسان 1975. وسيكون مقدراً على الشعب، ومعه «السفير»، ان يعيش محنة دموية استطالت لعامين، قبل ان تفرض «هدنة» لم تعمر طويلاً، فتجددت الحرب الأهلية وقد توسعت جبهاتها حتى شملت كل لبنان تقريباً، وكان دخول «قوات الردع العربية».
مع هذا الدخول فرضت الرقابة. وقبل الرقابة جاء «احتلال» المكاتب وتعطيل «السفير»، و«اختطاف» الزميلين محمد مشموشي وتوفيق صرداوي، لا لتهمة محددة، وانما للضغط على «السفير» التي احتلت مكاتبها ثلة من القوات الخاصة وبقيت فيها لمدة تسعة عشر يوماً، بالتمام.
ولقد حاولنا التذاكي فطلبنا من تلفزيون لبنان، وكان الوحيد آنذاك، بث اعلان بشعارات «السفير» الأساسية: جريدة لبنان في الوطن العربي، جريدة الوطن العربي في لبنان ـ «السفير» صوت الذين لا صوت لهم.
بعد إذاعة هذا الاعلان تلقى المسؤول في تلفزيون لبنان مكالمة لطيفة تسأله: «شو هاد صوت ال ما لو صوت؟» وكان ذلك كفيلا بوقف الاعلان واحتجاب المسؤول عن بثه!
^ وفي 16 آذار 1977 ضرب لبنان زلزال مدمر: تم اغتيال الزعيم كمال جنبلاط، وهو في الطريق إلى المختارة. وكان الحدث الخطير نقطة تحول في سياق الحرب الأهلية كان من نتائجها ان شرخت ـ مرة أخرى ـ وحدة اللبنانيين، وانقسموا ـ مرة أخرى ـ حول الوجود العسكري السوري.
لم تطل «الهدنة الفاصلة بين حربين» لأكثر من سنة وبعض السنة، فتجددت الاشتباكات، وهذه المرة مع قوات الردع العربية التي كانت أكثريتها الساحقة من الجنود السوريين.
^ في العام 1978 دخل العدو الإسرائيلي بقواته فاحتل الجنوب حتى مصب نهر الليطاني في القاسمية، تمهيداً لأن ينشئ «جيشاً» عميلاً بقيادة ضابط صغير في الجيش اللبناني. وبدأت مرحلة جديدة من العمل في ظروف قاسية: فثمة اشتباكات في الداخل، وربع البلاد تحت الاحتلال الإسرائيلي، و«الدولة» قد تهاوت… والمقاومة الفلسطينية قد خسرت معظم رصيدها، خصوصا وانها كانت طرفا في الاشتباك.
^ فجر الأول من تشرين الثاني 1980 هز انفجار ضخم منطقة الحمرا، فقالت لي زوجتي على الفور: عوضنا سلامتك. طارت المطبعة.
ارتدينا ما تيسر من ثياب وجئنا إلى «السفير» من منزلنا القريب فطالعتنا ألسنة النار وهي تلتهم المطابع وبعض المكاتب والاحلام فضلاً عن الآمال.
^ في أوائل الخريف من العام 1981 وضعت سيارة مفخخة امام منزلي القريب من مكاتب «السفير». وتدخل القدر فانفجر الصاعق من دون ان تنفجر الشحنة الناسفة. وفي منتصف كانون الأول تكررت المحاولة عبر نصب مجموعة صواريخ على سطح بناية مجاورة، ولم ينقذ المبنى الذي نشغل شقة فيه إلا تدخل عابر سبيل كان مقاتلاً تطوع لتعطيل التفجير قبيل لحظات من توقيته.
وفي اوائل حزيران 1982 دخل الجيش الإسرائيلي محتلاً معظم لبنان وصولاً إلى عاصمته الأميرة بيروت التي «احترقت ولم ترفع الأعلام البيضاء»، كما عنونت «السفير» يومها… وهي قد استمرت في الصدور وحدها برغم حصار الاحتلال، وانعدام شبكة التوزيع لمدة اربعة أيام، قبل ان تعود سائر الصحف إلى ايدي الباعة مراعية واقع انها في بلد تحت الاحتلال.
ولقد أبدع اخطر رسامي الكاريكاتور السياسي على امتداد السبعينيات والثمانينيات ناجي العلي، المناضل بريشته، فأحدث انقلابا في هذا الفن ووظفه لخدمة قضية فلسطين وسائر قضايا الإنسان في مشارق الأرض ومغاربها فأنتج «مجلداً» من رسومه اليومية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والشوفينية اللبنانية والعنصرية في كل مكان.
وقد ارتأى المدير العام في «السفير» آنذاك والوزير حاليا محمد المشنوق ان يرحل الأسرة إلى باريس حرصا على سلامتها… ولاقيتها من حيث كنت مسافراً، بأمل ان تعود مع نهاية السنة المدرسية في اوائل حزيران… لكن الوحش الإسرائيلي شارون سبقنا فاجتاح لبنان وصولاً إلى بيروت العاصمة الأميرة التي احترقت ولم ترفع الأعلام البيضاء.
وهكذا قدر ان أبقى بعيدا عن الأسرة المنفية لمدة ست سنوات… تلتها سنة في القاهرة في فترة حربَي «التحرير» ثم «الإلغاء».
^ على هامش الاجتياح تم تدبير مجزرة صبرا وشاتيلا «لتأديب» الفلسطينيين ومن يتعاطف معهم ويساندهم من اللبنانيين. ومن أسف فقد شارك في ارتكاب هذه المذبحة، بعض العنصريين اللبنانيين ممن ارتبط مشروعهم السياسي بالعدو الإسرائيلي. ولقد فاقت المذبحة في وحشية مرتكبيها سائر الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في فلسطين، والتي تذكر بالنازيين وسائر المستعمرين حتى لا ننسى فرنسا في الجزائر والبيض مع الهنود الحمر في أميركا، بعض اللبنانيين.
… وحين توسطنا لقدوم محامية فرنسية عجوز لاستكمال تحقيق تجريه لحساب مؤسسة برتراند راسل، تصرف الأمن العام بعنصرية فظة، فرحلها بعد أيام خلسة… وكنا قد أعددنا لها غرفة في «السفير» تتابع منها التواصل مع «شهود الحال» لتوثيق المجزرة بأبطالها الإسرائيليين واللبنانيين الذين لم يردعهم وازع من دين أو أخوة أو اخلاق.
^ ثم كانت المعركة ضد اتفاق العار (7 أيار) مع العدو الإسرائيلي… وهي التي استولدت مؤتمرات الحوار. بداية في جنيف، ثم في لوزان وأخيراً في الطائف، والتي انتجت وثيقة الوفاق الوطني.
وقد جمعت «السفير» التغطيات الصحافية والمحاورات السرية والوثائق في كتاب مرجعي يقدم صورة عن المحاورين وولاءاتهم وتطلعاتهم.
^ في 13 تموز 1984 تناولنا العشاء في منزل سمير فرنجية، زوجتي وأنا مع محسن إبراهيم وصديقين آخرين. وعدنا إلى المنزل عند الواحدة بعد منتصف الليل، فاتصلت بمدير التحرير اطمئن على سير العمل، فإذا بعامل الهاتف «يدخل» على الخط ليبلغني ان «الشيخ رفيق الحريري» قد اتصل مرتين يسأل عني. قلت: الوقت متأخر الآن، سأطلبه صباحاً. بعد لحظات، عاد عامل الهاتف يقول لي: الشيخ رفيق على الخط مجدداً. تبادلنا التحية ثم دعاني للقائه ولم يقبل اعتذاري وطلبي إرجاء اللقاء إلى الصباح. استدعيت سائقي فؤاد وذهبت إليه. لم يكن للقاء موضوع محدد. كان أقرب إلى «النميمة». وعند الثالثة فجراً عدت إلى منزلي، وعند ترجلي من السيارة جاءني الطلق الأول في وجهي، ثم الثاني وقد أصاب فؤاد في صدره، فالثالث وقد توزعت حبيبات البومب اكشن بين فؤاد وبيني في حين طارت شظية من بلاط المدخل لتستقر في عين «الحارس» غير المسلح.
لم يكن ثمة من يبادر إلى إسعافنا، فالناس نيام، ومن سمع اطلاق الرصاص خاف فلم يتدخل، وتحامل فؤاد للوصول إلى البيت في الطابق الثاني وهو ينزف. لم يكن في البيت إلا زوجتي وحماتي. وكانت المشكلة الأولى من ينقلنا إلى المستشفى، إلى أن تطوع جندي تبيّن أنه من مشغرة لنقلنا، وسط استرابتنا به.
كان رد الفعل على المستوى الشعبي رائعاً. ولأيام ظل المستشفى يغص بالزوار وقد غطت الورود باحاته ومداخله… وحين سكن الوجع تبين أن عليَّ أن أبني فمي من جديد عبر 47 جلسة، امتد بعضها لسبع ساعات أو يزيد. لكن الناس، الشعب، كانوا من الكرم معي بحيث أنسُوني وجعي وزودوني بمزيد من العزم من أجل إكمال الرسالة.. خصوصاً وقد بات لي عيد ميلاد جديد احتفل به مع الثورة الفرنسية ومع الثورة الأولى في العراق.
^ وعلى امتداد العشرين سنة الماضية تعرضت «السفير» للقصف بالصواريخ وللعبوات الناسفة مراراً… لكن العزيمة لم تهن، كما ان إيماننا بخطنا ازداد صلابة، من داخل تمسكنا بأصول المهنة التي نتشرف بالانتماء إليها.
ودفاعاً عن شرف هذه المهنة تعرضنا لعدوان سافر في أيار 1993 إذ صدر قرار همايوني بتعطيل «السفير» لمدة أسبوع. لكن الناس وقفوا معنا، وتطوع خمسمائة محام للذهاب معنا إلى المحكمة دفاعاً عن حرية الصحافة. وتراجعت الحكومة، بعد حين، فوافقت على تعديل قانون المطبوعات بما يمنع تعطيل الصحيفة بقرار إداري أو قضائي قبل المحاكمة.
ولسوف تمضي السنون عجافاً… إذ ما كاد اتفاق الطائف يعتمد كأساس لتجديد النظام حتى اغتيل الرئيس المنتخب رينيه معوض في عيد الاستقلال… وعلى امتداد العهود التالية (الهراوي، لحود، ثم سليمان وضمناً الفراغ) حلت بطالة سياسية في ظل الانقسام الذي شرخ اللبناني… وكانت المعضلة: كيف تصدر صحيفة سياسية في بلد معطلة السياسة فيه.
[ [ [
إن إصدار صحيفة في ظل الحرب الأهلية، معلنة أو مضمرة، مغامرة مجنونة قد تنتهي بالانتحار أو بالقتل العمد، أقله معنوياً. فأنت تتوجه إلى «الشعب» في وحدته، لكنه متى انقسم إلى حد الاقتتال فإن المواقف وتعبيراتها والكلمات والرسوم والصور والمساحات المعطاة للأطراف تتخذ دلالات أخرى من داخل الانقسام فتبدو وكأنها تعبير عنه، وتتخذ معياراً لمحاسبتك.
برغم ذلك كله، وبرغم سيادة الإعلام الالكتروني وسقوط الصحافة ضحية الانقسام السياسي الطوائفي، وهو هو مدمر الحريات، فقد احتفلت «السفير» بعيدها الأربعين في عرس شعبي مبهج.
وبرغم ذلك كله، سنستمر في «السفير» صوت الذين لا صوت لهم جريدة لبنان في الوطن العربي، جريدة الوطن العربي في لبنان…
لعل ملحق «الحلم» الذي تصدره «السفير» صباح كل يوم اثنين يكون بشارة خير للأربعين عاماً المقبلة.
وكل عام وأنتم بخير.
تهويمات
÷ أنصرف عن القراءة لأتعلّم الكتابة بالضوء. وحين تعجز عيناي عن تهجئة الكلمات يأتيني صوتكِ فيأخذني إلى الشعر.
.. وها أنا أخط سطوراً متنافرة في الديوان السابع بعد الألف. لا يتسع الديوان الواحد لأكثر من تنهيدتين.
÷ كانت مراهقتي قهراً موصولاً. وكان شبابي بداية الغرق في البحر الذي يغويني فأخاف وأتراجع متهيباً وأنا أكاد أصرخ: أنقذوني!
وذات يوم غفل عني المدرب فاختطفتني اللجة.
صاح بي المدرب: لا تخف. أحِبّ الماء يحبّك!
أخذت أغب الماء فيسقط عنه الملح، ويسقط عني الخوف وقد احتضنتني الجنية!
بعد الغرق الأول تنامت ثقتي بنفسي. لقد نجوت! إذن يمكنني اختراق الصعب.
÷ تتسع نون النسوة لنساء كثيرات.
تضيق حروف الفتى بنزقه، بادعائه أنه شاعر لا ينقصه إلا الجمهور والكلمات التي تُنزف سحرها ولا من يهزه الطرب. أين هن النساء ليكتمل الديوان؟
÷ يضيق صدره بالنساء العابرات إلى غيره.
ويضيق وقته بالآتيات إليه بعد غيره.
وتضيق به المغادرات بلا وداع. وقد رمين عند عتبة الباب المجاملات التي تنحر مشاريع حب تاهت عن عناوينها الأصلية!
÷ أعظم إنجاز لك أن تحفظ الطفل فيك، أن تخبّئ في قلبك أحلامه. ألا تتدخل في إعادة صوغها. أحلامك وأنت كبير فيها ذاتيتك، ومطامحك، طلباتك من دنياك ومن الآخرين. أحلامك وأنت طفل هي المطلق، فاحفظها.
÷ كيف يستطيع أن يدّعي أنه من أبناء الحياة مَن لا يعيش الحب كل يوم، كل ساعة، كل لحظة، كل خفقة قلب، كل فكرة مشعة… ومَن يهجر إيمانه بالإنسان إلى اليأس من ذاته؟!
من أقوال نسمة
قال لي «نسمة» الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
ـ يغيــب حبــيبي فلا يغــيب. يظل معي طــيفه، صدى صــوته، رأيه في كل مــا أرى وأفــعل. أحــس بــه يقيــدني ويحــسب علــيّ أنفاسي.
آه، ما أحلى هذا «القيد»، وما امتع هذا «الحبس»… كفاصل بين لقاءين كلاهما أجمل من الآخر.
من قال إن حبيبي يغيب، انه في أنفاسي، في دمي، في البهجة التي تملأ انتظاري موعده.. ولو عبر الصوت.