طلال سلمان

هوامش

خداع لبناني للعرب المتلهفين إلى ديموقراطية… شوهاء!
لا جديد في المشهد، ولا اختلاف في التفاصيل: لكأنك تستعيد تفاصيل شريط ديموقراطي عتيق!
قوافل الأوتوبيسات والسيارات من مختلف الأحجام والأنواع تتزاحم فوق الطريق ذات الأخاديد فترش المارة بمياه البرك التي كان يفترض ان تروي العطاش لكن الإهمال جعلها تذهب هدراً فتفسد الاسفلت.
مكبرات الصوت تدوي بخطب قديمة وشعارات مفخمة العبارات تأتيك من الجهات الأربع فيمتنع عليك السمع.
فتية وفتيان يجوبون الحي حاملين رايات مزركشة وعلى وجوههم ابتسامة فرح بهذه الاجازات لاستعراض حيويتهم واغتنام المناسبة لكي يسيروا متقاربين، فيهمس مراهق لمن يفترض انها تحبه، او تلامس عاشقة وجه صبيها او ذراعه بذريعة رفع الراية، قبل ان ينفجرا ضحكا لسبب لا يعرفه غيرهما.
مواكب تترى آتية من البعيد، حاملة أقارب غابوا طويلاً حتى لم يعودوا يعرفون من بقي من ذوي أرحامهم ومن غادر دنيانا من دون إرث.
سيارات مطهّمة لمسؤولين تتقدمها سيارات فيها مرافقون مستنفرون يستعرضون قدرات لم يشكك فيها أحد ولا ينوي ان يمتحنها أحد، يجوبون الطرق لتأكيد هيبة مؤكدة في محيط لا خصم فيه ولا منافس، بل ولا حتى شريك.
عناصر من قوى الأمن والجيش يقفون باسترخاء، فيهم من احتمى من الشمس بالظل في بوابة منزل انيق، وفيهم من أخذه الفضول إلى استكشاف النسب من خلال الوجوه ذات الملامح القاسية التي سرعان ما تسترخي اذا ما اطمأنت إلى شبهة القرابة مع الذي لم يبدله الزي الرسمي، هم يعرفون ان مهمتهم هنا لغيرهم، وانهم مجرد شهود حال لن تطلب شهادتهم في أي حال.
ازدحام في الباحات، امام أبواب الاقلام الانتخابية.. لكنه ازدحام بلا حماسة. يقف الناس طوابير، يتحركون ببطء وسط ضجرهم. المقيم يتفرج على الوافد، وربما تساءل في سره: ترى كم كلف قدوم هذا الذي لم تعد جذوره هنا ولا يعرف أحداً منا؟ وربما اندفع مع تساؤلاته أبعد فأبعد ليصل الى استنتاج منطقي خلاصته: ماذا يعنيه من همومنا المحلية في بلدة لا بيت له فيها ولا أهل؟! قد ينزعج من الطريق التي مشى فوقها لمرة، لكن أمر الكهرباء لا يعنيه.. وما دخله في ان تكون البلدية في مستوى المأمول أو المطلوب منها ام لم تكن؟ ان همومه حيث يقيم، أما همومنا فمقيمة معنا هنا! هو زائر يأتينا مرة كل أربع سنوات، ثم يمضي ليغرق في مشكلات حياته اليومية التي ـ بالمقابل ـ لا تهـمنا. ترى: هل تجمعنا الديموقراطية!
اكتمال في الشكل…
الرايات التي تملأ الأفق متعددة الألوان: حمراء، صفراء، خضراء، بيضاء، وبعضها يختلط فيه اكثر من لون… ترى هل هذه هي الديموقراطية؟
داخل القلم يجلس الموظفون الرسميون كل أمام صندوقة، في الجهة المقابلة يجلس المندوبون، وفي زاوية من الغرفة الستار العازل.
الشكل ممتاز: يتقدم «الناخب» من رئيس القلم، يقدم بطاقته، يقرأ الاسم بصوت عال، يدقق المندوبون في القوائم، يهزون رؤوسهم موافقين، يتحرك الناخب ليقف خلف الستارة التي لا لزوم لها. لماذا تخفي انتماءك حيث لا منافس؟! ادخل للحظة، تصنّع انك تضع الورقة في المظروف وانك تقفله بعناية لتحفظ الديموقراطية في داخله، تقدم إلى الصندوق بثقة وضع رأيك فيه. لا تخف، لن يختنق الرأي. مرّغ إبهامك بالأزرق الغامق. هذه هي الشهادة بالديموقراطية. لقد نجحت، اذهب متباهيا بأنك قد نصرت الديموقراطية، وهذا إبهامك يشهد لك ولها!
يتلاقى الناس من حول شكليات اللعبة الديموقراطية.
هم يعرفون، بالتأكيد، انها ليست الديموقراطية التي قرأوا عنها في الكتب، وتفرجوا على طوابير ممارسيها في الغرب، وهم يتقدمون ليسقطوا أحزابا تاريخية، حكمت طويلا حتى استهلكت برامجها وشعاراتها، وليرفعوا الى سدة السلطة احزابا كانت صغيرة فناضلت في الشارع، في الجامعات، في النقابات، في المنتديات، حاملة برامج جديدة تقدم مشاريع حلول مدروسة جيدا للمشكلات التي تنغص على الناس حياتهم.
هم يعرفون ان قانون الانتخابات مسيء إلى كراماتهم الانسانية. لا يعترف بهم كمواطنين. انه يفرض عليهم ان يعودوا رعايا طوائفهم بالأمر المشوه للديموقراطية. انه يتعامل مع عصبياتهم فيجعلها متفجرة. انه يصور الآخرين أعداء. انه يعيدهم الى حيث كانوا قبل مئة عام، في جحور طوائفهم ومذاهبهم. انه يلغي عقولهم، ثقافتهم، استعدادهم للتقدم. انه يقفل امامهم الطريق الى غدهم. انه يحبسهم في نفق من الغرائز المحتدمة القاتلة للقضايا المقدسة التي كانت تجمعهم ويجب ان تصان لكي تحفظ لهم رصيد نضالاتهم، ومن قبلهم نضالات آبائهم وأجدادهم.
… وحيرة أمام المضمون!
كلما تلاقت مجموعة وجد كل منهم ان الآخرين مثله غارقون في الحيرة. يعرفون انهم قد ارتكبوا إثما بحق انفسهم وبحق ابنائهم. يحاولون ان يجدوا المبررات في الآخرين. لكن الآخرين يتخذون منهم تبريراً لأخطائهم بل خطاياهم.
كيف الخروج من هذه الحلقة الجهنمية؟
كيف يعودون بشراً يعيشون في القرن الواحد والعشرين؟
كيف يقبلون لانفسهم حقيقة انهم قبل عشرين او ثلاثين او اربعين سنة كانوا أرقى منهم اليوم؟
انهم يعرفون ان اخوانهم العرب يحسدونهم على هذا المشهد الديموقراطي الذي يتابعونه عبر الشاشات، فيزيد من وجعهم واحساسهم المهين بأنهم ما زالوا قطعانا، لا أحد يسألهم رأيهم في احوالهم ولا احد معني بماذا يفكرون او بماذا يحلمون، وانهم محكومون بأن يظلوا الى الأبد مجرد رعايا بلا وجود فعلي في القرار الذي يشكل حياتهم.
… وهذا سبب إضافي لأن يشعر هذا الذي كان يقترب من صورة «المواطن» وقد أعيد الى موقع «الرعية» بالخجل والمهانة: انه يمارس الآن الخداع مرتين: يخدع نفسه بأنه يمارس الديموقراطية في حين انه يغتالها في بلاده، ثم انه يغش اخوانه الذين يحسدونه بأن يصور لهم فعله المعادي للديموقراطية وكأنه ممارسة للديموقراطية!
انه يقدم لهم الانتقال من الطائفية الى المذهبية وكأنه تقدم في اتجاه الديموقراطية، في حين انه يعي ـ بالتجربة المرة ـ انه انما يندفع نحو الحرب الأهلية!
انه يغريهم بشكليات الديموقراطية، في حين انه يعرف تماماً ان ولعه فيها واستمتاعه بممارستها انما يبعده عنها… وبالتالي فهو يقدم لهم خدمة مسمومة: انه يزور عليهم الحقيقة! انه يقدم امامهم شهادة زور علنية بالألوان! انه يقتل الديموقراطية ويهديهم جثتها المجرحة بسهام الأحقاد المستولدة حديثا من رحم الفتن التي كلما همت بأن تذهب الى النوم وجدت من يوقظها ليلغي بها المستقبل، بعدما ألغى آخرون بها الماضي عبر تشويهه بحيث صار الأبناء يتنكرون لأجدادهم بذريعة انهم لم يتركوا لهم الا إرثا من الكوارث التي التهمت نتاجهم الفكري وانجازاتهم العلمية وكنوزهم الأدبية شعرا ونثرا، وشردتهم في صحراء الجهل وكراهية الذات!
كان يمكن ملاحظة مواكب «الدول» وقد اخترقت الحشود فاستنفرت بعضها على بعض..
لكن للدول مساراتها بحسب مواقع انتشار الطوائف، لذلك فقد ندر وقوع تصادمات، لا سيما ان ذمم الطوائف واسعة بحيث ان كلا منها تستوعب دولة، دولتين، ثلاث دول وأكثر.
والدول مراتب: بعضها يأمر، ديموقراطيا، وبعضها يدفع، ديموقراطيا، وبعضها الآخر يحصي ويقارن «المقبوض» بالمدفوع، ثم يتنفس الصعداء لانتصاره الديموقراطي المجيد.
من هنا فالديموقراطية اللبنانية مزركشة بألوان أعلام الدول الراعية للانتخابات.. الديموقراطية!
ديموقراطية الأنبياء والقديسين
من أين تجيء الديموقراطية وقد ازدحمت الساحات بصور الأنبياء والمرسلين والقديسين المباركين فكاد الجمهور يختنق الى حد الاشتباك؟
من قال ان الطائفية او المذهبية، التي تريد ان تتقدم على الآخر ولو بإلغائه تماما يمكن ان تنتج ديموقراطية؟!
الديموقراطية هي توكيد لذاتك بالآخر المختلف معك وعنك، فإذا ما ألغيت الآخر ألغيت معه الديموقراطية.
الواحد لا يصنع ديموقراطية. المتماثلون لا يصنعون ديموقراطية. وليس على وجه الأرض مجتمع من المتماثلين الى حد التطابق. المتباينون، المختلفون مع القبول بحق اختلاف الآخرين عنهم هم عدة الديموقراطية.
ليس السؤال: من انتخبت؟
الانتخابات فعل اختيار ارادي.. وهذا ما لم يمارسه أي لبناني على الاطلاق… حتى من «اختار» تحكمت بقراره عوامل من خارجه تلغي خياره، وتحوله إلى بعض القطيع.
… ولقد فضحت الشاشات المحلية أساساً، والعربية بحماسة غير مسبوقة، قطعان الرعايا المنتظمين في الصفوف ذات الرايات المتعددة الألوان، والشعارات المتفجرة بالأحقاد، الديموقراطية اللبنانية، فقدمتها بألوانها المزركشة.
كانت تنقصها جملة واحدة، من باب التعريف: احذر هذا النوع من الفوضى الأهلية! انه أقصر الطرق الى الغاء المواطن، واغتيال الديموقراطية، بحماية رجال الدولة المكلفين بمنع اطفاء الحريق حتى يختفي الوطن، ولو كفكرة او كاحتمال، نهائياً!
حكاية/ صديقة اللقاء الأول
قالت بصوت رقيق:
ـ حين التقينا، أول مرة، لم تترك لنا المصادفة مساحة واسعة للتعارف. لم تنتبه لي، ولم تهتم لامري، وأظنك لم تحفظ اسمي، مع انني لمحت في عينيك شيئا من الفضول نسبته الى غرابة زيي.
نظر اليها صامتاً ينتظر ان تكمل حديثها ليعرف قصدها، فأضافت بشيء من التباهي: اليوم سمعت من يقول لصديق معه وهو يشير إليّ: ألم تعرفها؟! انها صديقة فلان، ولقد سماك!
غمرته دهشة يخالطها شيء من الاستفزاز. قال بهدوء: كان اللقاء الأول مصادفة طيبة، لكن الصداقة…
قاطعته: هل تضن علي بصداقتك؟ دعني أتباهَ بها! ألست تعرف ان الغواني يغرّهنّ الثناء!
ارتبك! ماذا أغراها بذكر الغواني؟! وهل صدر عنه ما يوحي بأنه يحب هذا الصنف من النساء.
لم ينقذه الا دخول بعض الاصدقاء، فأقبلوا عليه ثم انتبهوا اليها فسلموا بغير ان ينتبهوا الى اسمها. فعادت تكرره بصوت عال… حتى وجد نفسه يقول: هذه صديقة اللقاء الأول معكم، وأظنها لن تنساكم، حتى لو نسيتم اسمها.
وجاءته المفاجأة: فهي لم تحس بالحرج، بل اندفعت تروي للمجموعة آخر النكات التي يتبادلها الناس بغير ان تخجلهم البذاءة فيها…
وقام لينصرف فقال بعض رفاقه: شكرا على هذه الهدية!
ثم غرقوا في الضحك بعد سماعهم آخر نكتة.. محمولة!
مــن أقــوال نســمة
قال لــي «نســمة» الذي لـم تعرف له مهنة إلا الحب:
ـ اياك ان تخطئ في حق حبيبك، فتقارنه بغيره، ولو افترضت انك تمتدحه.
حبيبك يراك فريداً. لا شبيه لك ولا مثيل. وهذا يرضي غروره قبل غرورك.. وهو يرى انه قد أحبك لأنك لست كسائر الناس،
أنت وحبيبك الدنيا… وسائر الخلق جمهور من الطامحين ليكونوا مثلكما. اترك له هذه المساحة من النرجسية. النرجسية ماء الحياة للحب.

Exit mobile version