سيصبح لبنان بلداً نفطياً. أحلام الثروة تراود المراهنين. الديون الفائقة ستتضاءل. العمالة ستجد حلاً… اللبنانيون على موعد مع الرخاء.
كذب كل هذا. الضمانات النصية والقوانين المنتقاة والاجراءات التنفيذية، لا تضمن سلامة السلعة. كل ما قيل عن الشفافية والحوكمة والصندوق السيادي، حتى شركة النفط الوطنية المزمع انشاؤها قسراً، لا تطمئن اللبناني على حرمة ثروته وصيانتها.
الادعاءات كثيرة والوقائع السالفة تكذب الوعود. لا تطمئنوا أيها اللبنانيون، النفط والغاز نعمة لأولياء الامر، ونقمة لأولياء الفقر. وكي لا نُتهم بالسلبية وبالتشاؤم، هاكم البراهين.
اثبتت الدراسات العلمية، أن النفط في الدول الديموقراطية، ليس مصاباً بنسبة فساد كبيرة، بينما الثروة النفطية في الدول غير الديموقراطية، فهو مجلبة للفقر. الثروة في معظم الدول الافريقية منهوبة. نيجيريا نموذجاً. الدول العربية النفطية نموذج آخر. يزداد الاثرياء توحشاً، ويزداد الفقراء عوزاً. حيث لا ديمقراطية، لا مساءلة ولا محاكمة، ولا عدالة. الثروات كلها مغتصبة من قبل قبائل المال الحرام. الشاطئ اللبناني ثروة لبنانية منتهكة. الكهرباء حق لكل المواطنين. والكهرباء التي كانت تدر اموالاً في صناديق الدولة، تستنزف الموازنة لتتخم الطبقة الفاسدة، راعية التسيب وحامية مافيات المولدات. الاموال التي حولها اللبنانيون من الخارج، تتخطى المئة مليار دولار خلال عشرين عاماً، ومع ذلك، فقد ذهبت سدى. امتلأت صناديق المصارف وضمرت جيوب اللبنانيين. تحويلات اللبنانيين تكاد تساوي حصة لبنان من عائدات النفط ذهبت إلى من ينهب الدولة.
ولسنا بحاجة إلى تسمية عصابة النهب المشترك. اللبنانيون يحفظون أسماء الفاسدين ويكرجونهم كرجاً. لا يستثنون الا قلة من الأنقياء الصامتين على ما يدور حولهم وامام اعينهم.
يحدث ذلك، ونحن دولة “ديمقراطية”. ايضاً، هذا كذب. لبنان ليس بلداً ديمقراطياً. الديمقراطية والطائفية ليستا متساويتين في القوة.
الطائفية اقوى من الديموقراطية. غلبتها باستمرار. لذا، ستكون الطائفية هي المرجعية السياسية والقانونية للنفط. الهيئة المولجة بإدارة الملف النفطي مؤلفة من اعضاء يمثلون طوائفهم، لكل طائفة مندوب. ورئاسة الهيئة تكون مداورة بين الاعضاء كل سنة. ومرجعية المندوبين هي الزعامة الطائفية التي من حقها تسمية مندوبها او ترشيحه المبرم.
القوانين اللبنانية لا تشرع السرقة والنصب والغصب والاحتيال والتذاكي والسلبطة. لدينا قوانين صارمة وقضاء رخو وسياسيون على دين جيوبهم. لم تنفع القوانين اللبنانية في مواجهة الفساد. لم تمنع الهدر، لم تكشف السمسرة، لم يسمح لها بدخول المغاور المالية في الوزارات والادارات والمؤسسات المحتلة من “تراست” الطوائف. الفساد دين الدولة، والممارسون لعبادة الفساد، هم من النخب الطائفية المدعومة بشرعية صناديق الاقتراع، حيث يتولى الطائفيون تطويب قياداتهم في مراكز المسؤولية ومناصب السلطة.
مصير النفط، كمصير الثروة المائية، وثروة الاتصالات، التي قيل فيها يوم دخولها لبنان: انها نفط اللبنانيين. ملفات الاتصالات وصلت إلى حدود السرقة في وضح النهار. القضاء مقضي عليه، بإرادة الطوائفية، وبخوف الكثير من القضاة من عقوبة الابعاد والتبخيس، او، لسوء الحظ، أن بعض القضاة مشارك في الفساد والإفساد… فالفساد والطائفية توأمان.
لبنان. بكل اسف. سينضم إلى نادي الدول المنتجة للنفط. قبل أن يصبح دولة وقبل أن تستقيم فيه الديموقراطية بلا طائفية، وقبل تنظيف الادارة، وقبل تبييض صفحة القضاء، وقبل أن تسود المساءلة، وقبل أن تفتح الملفات المليارية، وقبل فتح ابواب السجون، لمن ارتكب ونهب ونصب الدولة والثروة والوطن.
اللبنانيون يستحقون نفطهم. الفاسدون سيمنعون هذا الحق عنهم. ليته يظل في البحر، لأنه سيكون ثروة للهدر. فهذا هو لبنان.