ما أبعد الماضي عن الحاضر وما أشق الرحلة بينهما، والفاصل زمن من الانهيارات والتراجعات وخيبات الأمل وسقوط الرايات الثورية في سوق المزايدات والمناقصات والافتراق بين الناس وآمالهم في التغيير!.
نجاح واكيم هو ابن ذلك الماضي الذي كان جيله يفترض انه خميرة المستقبل وليس زمناً مستقطعاً تستولده الذكريات ثم يذبل بذبولها وينطوي على ذاته مقهوراً!.
إنه ما زال على إيمانه بمبادئه. لم يصدق، لحظة، ان جمال عبد الناصر قد مات، وان نظامه قد انقلب عليه فقتله مرة ثانية، ثم ذهب إلى الحرب ليتخلص من جيش النصر فيقتله مرة ثالثة، قبل ان يتصدى مهاجماً انجازاته ونداءاته بالتغيير وطيفه وصورته ولو بتدمير كل ما يذكر به في القاهرة وكل مصر، وفي فلسطين على وجه التحديد، وفي بيروت التي تختصر العواصم والاحزاب والحركات الثورية واجهزة المخابرات العالمية والأديان والطوائف والمذاهب وأبطال المقاومة وعملاء العدو والعقائد والافكار وإرادة التغيير وحرب الماضي على اليوم والغد..
نجاح واكيم يعرف انه صوت صارخ في برية عصر الردة والانكسار، ولكنه عنيد في إيمانه بالناس وبنفسه، بأهله في بيروت التي اعطته صوتها بدل المرة مرات عديدة، وفاء منها لذاتها وتكريماً لثباته على إيمانها بها هي التي احترقت ولم ترفع الرايات البيضاء للعدو الاسرائيلي حين اجتاح لبنان بعد عشر سنوات من نيابة نجاح واكيم الأولى..
نجاح واكيم يعرف ولكنه يرفض ان يعترف بالهزيمة. يرفض ان يغلق عليه باب بيته مسلّما بأنه ابن عصر آخر طوى اعلامه يأساً وارتضى ان يصير سطوراً في بعض كتب التاريخ.
نجاح واكيم يريد ان يكون شهيد الضمير لمدينة جمعت بين دار الثورة والمنتدى الفكري والمقهى والخمارة والمطبعة وكازينو القمار ومركز المخابرات الكونية وعكاظ الشعر وباريس الموضة وديموقراطية الطوائف والمذاهب والبنوك وشركات الاستثمار وهموم أحيائها بأهلها الطيبين والفقراء الذين تشتد عليهم الحملة علهم ينسون اسماءهم ومعها تاريخ آبائهم ومدينتهم ذات الاشعاع.
نجاح واكيم قرر أن يكون شهيد بيروت، وهو موقع أرفع بما لا يقاس من النيابة، فهنيئاً له.