هو “السيد”.
لم نعرف مثله احداً. لا يشبه احداً قبله.
وجوده ممتلئ وحقيقي. متأصل في تربة القضية. منها تولد المعاني.
مفرط في ايمانه، موغل في العبارة وأداء القول.
سليل الآيات ومسرى النبوَّة.
له سحر التواضع في انجاز المستحيل وريادة الصعب. ثلاثة انتصارات في سنوات؟ لم يحمل تاريخ العرب الحديث مثل هذه المعجزات: واحد في الالفين، واخير في الجرود العاصية، وبينهما، صد عدوان تموز الدولي على المقاومة ولبنان.
لا. لم نعرف مثله أحد. لا يشبه احداً قبله.
هو المنقذ من الانكسارات والخسائر. يراهن ويربح. يقول للمستقبل تعال، فيطيعه، كأنه رهن اشارة من اصبعه. أنقذنا مراراً من إدمان الهزائم. لقد نكبتنا القيادات المزورة بالخسائر. هزيمة تليها كارثة. اورثنا هؤلاء قرنا عربيا من العار. سلّمونا إلى مصير الزوال. تركوا لنا أمة محطمة: فلسطين سليبة، بلاد تتمزق، شعوب تفتك بذاتها، سلطات مخيفة لشعوبها، يرتاح لها الاعداء.
لا. ليس كمثله أحد. هو “السيد” ولا يشبه احداً قبله. مع انه بشري مثلنا ومنا وأقرب الينا من أرواحنا. فلماذا هو كذلك؟
أول الايمان انتماء وتجسيد. يصنع للآية جسداً.
هناك وقت للصلاة ومواعيد. وهناك اوقات للعقل بلا كلل. يبث في من حوله سحر الولاء وفضل العطاء. قلة في صراطه. ما لا يقوله ابلغ مما ينطق به. الافعال مصداق للأقوال.
فليس “كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات”، على ما جاء في الانجيل. هو صاحب الوزنات التي تزن بلاداً وشعباً وأمة، وما فرّط بذرة من تراب وما بخل بعرق او دم… ايمانه فعل. صلاته انجاز، صمته تصميم، اطلالته عيد:
“لم آتكم بالمعجزات بل بما هو أبدع. آتيكم بما صنعت أياديكم”. ما أبلغ الآية عندما تسير على قدميها برفقة المناضلين.
أول الافعال، صنع الانتصار، يوما بعد يوم استعداداً للإنجاز. حزبه “الالهي” من بشر مثلنا. بشر من طينة التضحية. يؤلفون صفوفا مرصوصة تتقدم بصلابة، تتقن فن الكر والفر بفرح الشهادة. يطيعون بلا اوامر. يسخون عطاءً بلا منَّة. يرتقون إلى مرتبة الاستشهاد بفرح الاعراس.
…يقال: “من مثلهم؟”. يصعب الجواب.
“للسيد” حزب واحد بأعداد غفيرة، تؤمه طوعاً واختياراً وشوقا. شيء من الجاذب الطبيعي، أن يكون الحزبي طوع ايمانه وتصديقه، بأن “السيد” على وعد وأنه صادق… هؤلاء فتية يصنعون ما يدهش العالم. كل ما عدا ذلك، عندنا، لا يدهش احداً. هؤلاء حمم نص “السيد”. يتقن التبليغ باسمهم، فيؤمن به كثيرون وتنكره قلة من المكابرين والمستكبرين.
هو فلسطيني اولاً، وهو لبناني اولاً، وهو عربي أولاً، وهو مؤمن اولاً، يجمع ما لا يجمع ولا يُجمع عليه أهل فتنة. يقاوم، ويريدونه خاسراً. مهما أتاهم من برهنة وفعل، ينكرونه. هم كذلك. يؤذيهم حضوره. يكثرون عليه وجوده اعداء الداخل أصعب من اعداء الخارج.
لمقاومته سحر التقليد، ويعصى على الكثيرين .
عرفنا جمهوريات عاتية، وكان اقوى منها.
عرفنا ملكيات صارمة، وكان ندّاً لها. عرفنا انظمة شتى، وكان على موعد ضدها. لا حدود لفعله وتأثيره. ضيقة حدود البلاد عليه. قضاياه على امتداد بصره اللبناني، الفلسطيني، العربي، العالمي. حيث يكون الظلم يكون. من حقهم أن يخشوه كثيراً. أن يعلنوا الروب عليه. حرب واحدة لا تسد شبقهم للثأر. من حظنا انهم فشلوا. هذا رجل على ايمان بما يشبه المعجزات: “يقول لهذا الجبل انتقل من هنا…فيطيعه”. وإلا، كيف نفسر هزائمهم وكيف نسرح الانتصارات؟
يسبقه الامل فبل اطلالاته. انهم يصدقونه. الذين يرفضونه غير مقتنعين. يقولون ثم يختفي كلامهم في غبار اللغة. الذين ضده، ليسوا من صنفه. عاديون جداً. انهم نسخ متبدلة. غدهم ليس كأمسهم ولا كيومهم. يتلونون فقط، ويجيدون تمثيل الادوار سيئة السمعة.. اعداؤه، يصدقونه جداً. عرفوه في امتحانات المصير ومواجهات النزال. منذ العام 1993 ومقاومته تنجز، تمتحن، تفوز اعداؤه يلوذون بالتفسير. لا يقنعون الا امثالهم.
ويقال بلا خجل: ليست المقاومة في لبنان لبنانية. صح. ما هو لبناني سائد، ليس ذا سمعة حسنة.
الفساد لبناني. الانقسام لبناني. الحكومة لبنانية (انعم وأكرم) البرلمان لبناني. المؤسسات لبنانية. تعيش على الرشوة والاستتباع والزبائنية… لبنانية لبنان اليوم، رثة جداً… لبنانية الحلم والانجاز والحرية والانسان، تشبه المقاومة التي ابرمت وثيقة الدم مع قائدها، أن لا تطمع بمكسب، غير الانتصار. لبنان الجديد، هو لبنان الوطن، لا لبنان المزرعة المهينة. اللبنانيون يستحقون مكاناً ومكانة تحت الشمس. لبنانية لبنان الوطن، هي التي تشبه اللبنانيين الذين يقفون على الضفة النقيض لأهل السلطة واتباعهم. هؤلاء، لبنانيون صُرحاء، انقياء القلوب، ويصبون إلى لبنان الحياة الكريمة، إلى الوطن العزيز، إلى الكيان القوي، إلى الحكم العادل، إلى المساواة في الحقوق والواجبات.
…أكثرية اللبنانيين. تريد هذا اللبنان. ويقفون مع المقاومة. حرام ان يستقبل كإنجاز للمقاومة بتبخيس رجالاتها وقضاياهم. من هم اعداء المقاومة في لبنان، هم اعداء لبنان الغد الجميل. غد الحرية والعدالة والديمقراطية والتحرير.
…ويقال، بجدية متهافتة تدعو إلى السخرية. “السيد” اخذ لبنان اسيراً. صادر قرار السلطة، انتقص من السيادة، اغتصب قرار السلم والحرب,
وبكل اسف: هناك من يصدق ذلك، وهو كاذب في الاصل.
من صاحب عقل سليم ويفهم كيف يوضع مصير الأمرة بيد هؤلاء الذين يصدقون مرة كل دهر. افي مثل هذه الحكومات المتعاقبة من زمان، ثقة بشيء؟ ثقة في تدبر امر النفايات وساعات الكهرباء وحفظ الاملاك البحرية؟ افي مثل من حكموا وتحكموا يوضع مصير وطن وقضية.. لنضحك قليلاً بمرارة كثيرة. هؤلاء لا يؤتمنون على تعيين حاجب. لمثل هؤلاء تفتح السجون ويحاكمون، كي يستعيد البلد ما أخذ منه عنوة وتلفيقاً ولصوصية. هؤلاء، حكام يأخذون.
المقاومة تعطي ولا تأخذ.
شتان ما بين نقيضين.
من حظ المؤمنين بقضية الحرية والعدالة والانسان، بالوطن وسلامته، بالأمة ومصيرها، بالعالم وانسانيته، انهم عاشوا في حقبة شهدوا فيها سقوط السياسات الرخيصة، وشاهدوا بأم العين وملء الحواس وكفاية العقل انجاز المقاومة التي تنتمي إلى السياسات النظيفة.
…ويسبقنا الامل اليه.
…ويسبقنا الخوف عليه.
…ونطمئن إلى مسيرة امامها مسافات كثيرة لتقطعها.
المستقبل لمن تكافؤ التحرير مع التغيير والتغيير يأتيه من شعبه لا من زعمائه. من نخبة لا من الاتباع. لبنان الجديد، هو لبنان المقاوم، ولبنان الديموقراطي المدني، الذي يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
واليوم، وبعد انتصار الجرود على التكفيريين،
اقول، أن خُيرتُ بين الانتماء إلى اللبنانية الهزيلة المنهكة والمعيبة وبين الانتماء إلى المقاومة أقول:
لبيك يا سيد.