فجأة ومن دون سابق إنذار، أطلق بعض المقربين من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تعبير “صفقة القرن”، بديلاً من “أزمة الشرق الأوسط” التي ابتدعت، منذ السبعينات، للإشارة الى “القضية الفلسطينية” التي كان لها شيء من القداسة عند العرب، وشيء من الاحترام ـ مع الحزن ـ لدى الشعوب الاسلامية ودول العالم الثالث..
و”صفقة القرن” التي شرحت بإيجاز في البداية، ثم توالت الشروحات والإضافات والتوضيحات، الى أن تبدى المعنى المقصود عبر القرار المباغت الذي اتخذه الرئيس الأميركي ترامب بنقل سفارة بلاده من تل أبيب الى القدس المحتلة، ليحسم ـ بالأمر الواقع ـ اعتبار القدس “العاصمة الأبدية للشعب اليهودي”!
تزامن ذلك مع إعلان رئيس حكومة العدو قراره باعتبار “اسرائيل الوطن القومي ليهود العالم” بينما غارات طيرانه الحربي مستمرة على الأجواء والأرض السورية بذريعة “ضرب القواعد الإيرانية في سوريا”!
ولقد تبرع العديد من المسؤولين الاسرائيليين لتهديد لبنان أيضاً..
بل ان رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو قد حمل معه الى الأمم المتحدة خريطة لما ادعى انها مواقع عسكرية لـ”حزب الله” وبالتالي إيرانية، من حول مطار بيروت الدولي.. مما دفع وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل الى دعوة السفراء العرب والأجانب الى جولة في حرم هذا المطار اليتيم في لبنان، ومن حوله، لكي يثبت لهم ـ بالعين المجردة ـ ان هذا الحرم لا يمكن أن يتسع لمثل تلك القواعد، لا فوق الأرض ولا تحتها..
تثبت السفراء من أن مساحة المدرجات وما يحيط بها لا يمكن أن تتسع لقواعد عسكرية.. خصوصاً وأن تجربة “حزب الله” على امتداد عشرين سنة من المقاومة ومواجهة الحرب الإسرائيلية في صيف العام 2006 تشهد بأنه لم يقترب بقواعده من المدن، لا في الجنوب ولا في بيروت تحديداً.
وهكذا تبدى كذب نتنياهو مكشوفاً بالدليل الحسي الذي لا يدحض.
على ان حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتمهيد لـ”صفقة القرن”، والتي تقضي، حسب مصادر دبلوماسية مطلعة، بأن “تُمنح” الضفة الغربية، والقدس المحتلة ضمناً للكيان الاسرائيلي، مقابل إعادة إعمار “دولة شرقي الأردن” ببناء مدن وبلدات حديثة فيها، بأسواق ومرافق “حضارية”… ثم يقال للفلسطينيين: تفضلوا، هذا هو وطنكم الجديد!
على أن فضيحة نتنياهو والتصريحات المستفزة للرئيس الأميركي بخصوص فلسطين والمخططات التي باتت علنية حول ما يرسم “للمستقبل العربي” لم تحرك ساكناً في وجه أي مسؤول عربي شارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كل ما في الأمر أن ممثلي الدول الخليجية ومسؤوليها الذين تواجدوا في نيويورك قد عقدوا اجتماعاً على هامش انعقاد الجمعية العامة للتباحث في تداعيات الحرب التي تشنها السعودية مع دولة الإمارات العربية المتحدة على اليمن، ومخاطر “التدخل الإيراني” على سلامة الملاحة في البحر الأحمر..
أما خطاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد جاء باهتاً، وان هو عبر عن القلق حول ما يتردد “عن صفقة القرن”، من دون أن يلوم الولايات المتحدة الأميركية على وقف مساهمتها في ميزانية وكالة الغوث الدولية، التي استحدثت أصلاً، قبل عشرات السنين، لتكون مكرسة ـ بالدرجة الأولى ـ لإغاثة الفلسطينيين الذين طردتهم دولة العدو الاسرائيلي من بلادهم، التي ستبقى بلادهم، الى “المنافي” في دول الجوار العربي أو مشردين في أربع رياح العالم.
*****
الى أين من هنا؟ ومن يهتم بمصير هذا الوطن العربي المهدد بالضياع بين “جنون” ترامب و”رعونة” نتنياهو وغياب الإرادة العربية نتيجة تبعثر الدول العربية وضياعها، بل واستسلام العديد منها لما يقرره “الآخرون” لها، في البعيد… خصوصاً وان عدداً من قادة الدول العربية قد فوضوا إدارة ترامب أن تحسم الأمور بما تراه ضرورياً؟!
في غمرة الحيرة والتمزق العربي خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب على العالم، مرتين، وخلال جولاته الانتخابية، ليكشف مضمون مكالمته المثيرة، والتي تتضمن إهانات جارحة للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
قال ترامب لملك السعودية ما مضمونه: لسنا مضطرين لأن نقدم لكم أي شيء.. بل عليكم أن تدفعوا ثمن حمايتنا لكم، التي لولاها لكان عرشكم قد سقط! انكم تدفعون مليارات المليارات على قصوركم، ثم تتقاعسون عن سداد المتوجب عليكم. عليكم أن تدفعوا.. هل تسمعني؟
لا أحد يقدم مثل خدماتنا، بل وحمايتنا لمملكتكم مجاناً!
ومن أسف فان السعودية لم ترد بكلمة، مع أن الرئيس الأميركي عاد فكرر مضمون مكالمته المستفزة في بعض خطبه في الولايات الأميركية.
وبعد وقت، رد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فأكد ضمناً، ولو بنبرة اعتراضية، ما قاله ترامب.
*****
السياسة الأميركية واضحة إذن، التواطؤ مع العدو الاسرائيلي وامتهان كرامة أغنى ملوك العرب الذي يدفع سنوياً مليارات المليارات من الدولارات كجزية أو ضريبة حماية للولايات المتحدة الأميركية.. ثم لا يدفع ما يمكن أن يطعم اللاجئين الفلسطينيين الخبز!
بالمقابل، كانت ملفتة الزيارة المفاجئة لولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان الى الكويت، والتي قيل ان الهدف منها هو التفاهم على اقتسام الثروة النفطية في “المنطقة المحايدة” التي توافق على اقامتها الاحتلال البريطاني مع مشروع الهيمنة الأميركية في أواخر الخمسينات.
وتروى حكايات كثيرة عن تعثر مشاريع لحظتها خطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الشهيرة باسم “رؤية المملكة 2030″، وبينها مشروع إنشاء منطقة سياحية بفنادق وملاه ومطاعم فخمة عند طرف البحر الأحمر بالقرب من شرم الشيخ المصرية وجزيرة تيران التي تنازلت مصر عنها لحساب المملكة التي باتساع قارة أو يزيد!
*****
الى أين يذهب قادة العرب؟ وهل تراهم يدركون ما يفعلون؟
انهم منقسمون الى حد أن بعضهم لا يتورع عن التآمر على بعض “أشقائه”، بل ويقاتل بعض “أشقائه” كما في اليمن!
ان أهل القمة لا يهتمون، مثلاً، بما أصاب ليبيا ويصيبها في ظل حروب القبائل التي تكاد تدمر العمران فيها،
… ولا هم يهتمون بتطورات الحرب في سوريا وعليها، خصوصاً بعد الغارات الإسرائيلية على بعض مناطقها، والتي تسببت احداها في إسقاط طائرة عسكرية روسية في البحر، قرب قاعدة حميميم السورية.. بينما تحركت روسيا فوراً، وأرسلت مجموعة بطاريات من صواريخ أس ـ 300 الى السواحل السورية لصد الغارات الإسرائيلية، في حين رفض الرئيس الروسي قبول اعتذار نتنياهو.
لا أحد سوف يقاتل دفاعاً عن العرب بدولهم الغنية والفقيرة.. فهل سينتبه قادة العرب… ذات يوم؟
تلك هي المسألة.
تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق