في مطلع الشباب عرفت طرابلس، ومن طرابلس ألفت باب التبانة، وفي باب التبانة التقيت رجلاً تسبقه إليك شهرته فتجعله مزيجاً من الحقيقة والحكايات الأسطورية.
كان اسمه: أحمد طبو. وكان من المنية، وكان في طرابلس رجلاً فرداً، وكان في المنية عائلة في فرد.. لكن المهابة تجلل الاسم هنا وهناك.
تسأل عنه فيأتيك توصيف الناس له بما يغني عن الاسم..
إنه فارس باب التبانة. هو أجدع الجدعان (بالجيم المصرية المعطشة).. هو »القبضاي« بالمعنى الأصلي للكلمة، الذي يرد الضيم عن المظلومين ولا يعتدي على أحد.
لم يكن غنياً، بل يعيش بعرق جبينه. ولم تكن له من بساتين البرتقال والليمون في المنية إلا مساحة بسيطة فيها بيت سرعان ما امتلأ بالرجال.
ولأنه لم يكن متعلماً فقد تعب حتى أوفد أخاه محمود طبو إلى القاهرة ليدرس الحقوق فيها، بصحبة أصدقاء له »يعينون بعضهم بعضاً، فيحمل قويهم ضعيفاً حتى التخرج«.
بالتعب، والكد، والسهر المضني، والتحايل على ظروف الحياة، وبتجنب الاستفزاز حتى إذا جد الجد كانت له الذراع التي لا تطوى، وباستشراف التحولات السياسية التي سرعان ما تفجرت حروباً، بنى أحمد طبو أسرته التي أخذت تتكاثر عدداً، ثم تعلو مكانة بعدما دخل »المحامي محمود طبو« المعترك السياسي بحماسته وعمق ارتباطه بالأرض والناس وأصالة فهمه للعلاقة بين لبنان وسوريا وهو الذي قلبه نصفان واحد على كل جانب من »الحدود«.
وصار محمود نائباً، وإن ظل يعتبر أنها فضل من »الحاج« ثم من الناخبين.
قبل يومين رحل الحاج أحمد طبو، وكانت أنوار باب التبانة قد انطفأت، وكانت طرابلس مجرحه، وكان القلب المقسوم بالحدود قد تعب من افتراق الشقيقين التوأم.
رحم الله فارس المنية باب التبانة طرابلس وسائر الشمال حتى ما بعد حمص.