أخيراً، ومن دون ترتيب او إعداد مسبق، اكتشف اللبنانيون أن الاملاك العامة، أي تلك التي تخصهم جميعاً، والتي هي في عهدة الدولة بحكوماتها المتعاقبة، قد تحولت إلى املاك خاصة..
الشاطئ مُستباح، وقد أقيمت على امتداده من اقصى الشمال إلى ادنى الجنوب “مدن” سياحية، تتضمن ـ أحيانا ـ فنادق ومنتجعات ومسابح بتراخيص وهمية، او بمخالفات فاضحة كزيادة حقوق الاستثمار، او الاستئجار بمبالغ تافهة، او تزوير المساحات المستأجرة تمهيداً لوضع اليد على ما يجاورها بحق الشفعة او بقوة “السلبطة” او بتغطية مدفوعة من اصحاب النفوذ التي تصل إلى حد الشراكة المموهة.
لقد انشئت مجموعة من الشركات او التروستات او الشبكات من اصحاب رؤوس الاموال او وكلائهم للاستيلاء على الاملاك العامة في البر والبحر والجو بسندات مزورة تغطيها بطاقات توصية من “اصحاب الدولة” (الذين يتصرفون فعلياً وبمعزل عن اللقب السامي انهم اصحابها فعلاً..)
منع المواطن ليس فقط من الاستفادة (ولو بالنظر) الى هذه الاملاك التي تخصه، ولو معنويا، بل سُلبت منه بغير وجه حق، وبات عليه أن يدفع ثمن الدخول وكلفة الجلوس والرسم المفروض على حق النظر!
وما التظاهرات واللقاءات والمطالب التي ارتفعت بها اصوات الاحتجاج عند ساحل طرابلس او بامتداد الساحل في جبيل وكسروان وصولاً إلى خلده والناعمة والدامور والجية وبعض ساحل الجنوب ما قبل صور وحتى الناقورة، فضلاً عن شاطئ بيروت (عين المريسة وصولاً إلى الاوزاعي) الا صرخات تنبيه إلى ضرورة حماية هذه المرافق التي يملكها ـ من حيث المبدأ ـ الناس، أي اهالي المناطق المعنية عبر البلديات..
من جانب آخر: أن خطوط السكك الحديدية التي كانت تربط، مصر بسوريا ولبنان عبر فلسطين، قد صودرت بالاحتلال الاسرائيلي فعزلت مصر عن سائر المشرق.. لكن ـ قضبان ـ السكة الحديد في بعض مناطق لبنان (الساحل على امتداد المسافة بين فلسطين وسوريا) قد خلعت فنهبت، ووضعت الايادي القذرة على مساحة امتدادها فصادرتها وبنت فوقها واستثمرتها والغت السكة والقطار، في اعتداء واضح على المواطن بحرمانه من شريان للتواصل أرخص كلفة، ثم انه كالشرايين التي تضخ الدم، عبر القلب، إلى مختلف انحاء الوطن، بسعر مقبول جداً.
للمناسبة، وللتوكيد على العدائية التي تكنها الطبقة السياسية لهذا الشعب الذي يهمل او يتناسى حقوقه الطبيعية على دولته وحكوماتها، لا بد من التذكير بالترامواي.. الشهيد!
كان ذلك القطار الشعبي الذي يعمل بالكهرباء، وله سككه الخاصة التي تربط بين الضواحي والاحياء البعيدة بقلب العاصمة، وبكلفة لا تُذكر، يسهل على المواطنين حركتهم وتنقلهم بين جنبات العاصمة وضواحيها..
فجأة، وبمنطق اغنياء المصادفة، وفي لفتة تكبر وتجبر واحتقار “للشعب”، والطبقات المتوسطة والفقيرة، وتزوير الهوية الاجتماعية للناس ودفعهم إلى التنكر واقتباس السلوك من اغنياء المصادفة ووجهاء النفاق…
فجأة، وبقرار همايوني الغي الترامواي، أوتوبيس الفقراء، والرابط بين احياء المدينة الواحدة، والجامع بين الاهالي حيث يكتشفون انهم اقارب في واقعهم الاجتماعي، وفي تطلعاتهم السياسية.
فجأة وبقراره همايوني مكشوف الاهداف السياسية، قطعت الاوصال الجامعة بين احياء المدينة وضواحيها القريبة، والغي قطار الفقراء، او الترامواي لإعادة فرز الناس اجتماعياً.. وإطلاق الشهية وشبق التمثل بالأغنياء من دون قدراتهم.
..وهذا سبب إضافي لإغراق الناس في مزيد من الضياع عن واقعهم!