1 ـ يتساقط الشهداء في غزة وسائر انحاء فلسطين، يومياً، ويشيعهم رفاقهم متعجلين، ليعودوا إلى مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي بصدورهم العارية وبعض الحجارة والإطارات المشتعلة لنشر الدخان الكثيف في وجه عدوهم الوطني والقومي والإنساني..
وقد ينظر سائر العرب إلى هذه المشاهد بشيء من الأسى وقد يتعاطفون، للحظة، وقد يُظهرون شيئاً من الحزن، ثم يواصلون حياتهم اليومية كالمعتاد، مسلِّمين بهذا الواقع كإحدى نتائج عصر الهزيمة الذي يعيشونه.
2 ـ تتواصل حرب الإبادة ضد اليمنيين، تدمر مدن التاريخ، تنتشر الكوليرا حتى لتكاد تقضي على اطفالهم، ويتابع سائر العرب أخبار الغارات على صنعاء وتعز والحديدة وعدن وكلها تصب قنابل القتل والتهديم وكأنها تجري في بلاد غير بلادهم، وضد شعب غير شعب اليمن الذي فتح بعض مقاتليه الاندلس بعماماتهم التي اعادت توحيد صفوف المجاهدين بعدما فوجئوا بكمائن مواجهيهم حيث لم يتوقعوا.
3 ـ تكاد تختفي ليبيا عن خريطة العالم في ظل الصراع المفتوح بين قادة العشائر والقبائل وانقسامات اهل الشرق (بنغازي) عن أهل الشمال (طرابلس) عن أهل الجنوب (سبها)، في حين تتزاحم دول عربية عدة على وراثة عرش معمر القذافي، بينها امارات ومشيخات مثل قطر لا يعادل مجموع سكانها أهالي مدينة بنغازي او طرابلس.
4 ـ اختفت عن مسرح التأثير والقرار العربي دولة عربية كانت غنية بجيشها وبشعبها وارث امبراطورية هارون الرشيد، فضلاً عن ثرواتها النفطية التي يتوزعها الآن النهابون، في ظل وجود عسكري استعماري ظاهره اميركي وان استبطن بريطانيا وفرنسا، هذا فضلاً عن إعادة إثارة موضوع “الانفصال الكردي” في الشمال الذي أرجئ استكماله للتعذر، وان ظل “الوضع الخاص” للأكراد موضع تفاوض دولي. وهكذا تم تغييب العراق عن موقع القرار.
5 ـ تستمر الحرب في سوريا وعليها وتكاد تتحول إلى حرب دولية، خصوصاً وقد اتسعت ارضها الفسيحة للروس بقواعدهم عند الشاطئ، والاميركيين في الجزيرة (دير الزور والرقة) والاتراك (في الشمال من عفرين حتى منبج مع تطلع إلى ادلب..) والفرنسيين الذين يحاولون أن يحجزوا لهم مكاناً في هذه الدولة التي كانت شريكاً اساسياً في كل القرارات المتصلة بالقرار العربي الجامع، من الوحدة (سنة 1958) إلى حرب حزيران / يونيه 1967 مع مصر فإلى حرب اكتوبر ـ تشرين الاول 1973 ـ إلى الحرب الدولية على العراق عام 1992 فضلاً عن دورها الحاسم في وقف الحرب الاهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) بمراحلها المختلفة، ومن ضمنها الاحتلال الاسرائيلي للبنان في العام 1982.
6 ـ يعيش لبنان وضعاً قلقاً، مع التدخل الاجنبي المتواصل والذي يستغل تنوعه الطوائفي، فضلاً عن آثار الحرب الاهلية الطويلة فيه، وغياب “الحكم” السوري الذي شكل مع السعودي ـ قبل الخلاف بين الدولتين ـ “ضابط الايقاع” في الحياة السياسية، والمرجع الامني المطاع من الصديق والخصم على حد سواء..
فأما الدول العربية الأخرى فبعضها قد أغلق حدوده مع الاشقاء العرب وانشغل بذاته عنهم (مصر، الجزائر، فضلاً عن المغرب) وبالمقابل فان بعضها الآخر الأغنى، كالسعودية وسائر امارات الخليج (ما عدا سلطنة عُمان)، قد اسلم قياده إلى الولايات المتحدة الاميركية، وبشروطها، وابتعد عن “اخوته الفقراء”، وذهب بثرواتها جميعاً ملبيا طلب الرئيس الاميركي دونالد ترامب، برغم قسوته الجارحة إلى حد الاهانة، ومفاده أن الله اعطى من لا يستحق فوق ما يستطيع او يحتاج، ولذا فهو يطلب من دول النفط والغاز أن تدفع للولايات المتحدة مبلغ ثلاثين مليار دولار، هو فائض ثروتها.. المضيعة! برغم أن هذه الدول قد دفعت وتدفع سنويا مليارات الدولارات ثمناً لسلاح لن تستخدمه أو كلفة لقواعد عسكرية جوية او بحرية او برية لن تحتاجها، الا اذا هي قررت شن الحرب على ايران..
مع الاشارة إلى أن العدو الاسرائيلي لم يعد يصنف هذه الدول في خانة الاعداء، اعداء الأمة والدين، والاتصالات معه تجاوزت السرية إلى العلن، وشركة الطيران الاسرائيلية باتت تعبر بأمان فوق السعودية متجهة إلى الهند، كما أن مسؤولين اسرائيليين يتحدثون علناً وبأسمائهم الصريحة إلى بعض وسائل الاعلام السعودية (ايلاف).
*****
انه عصر الهزيمة، فعلاً..
لقد انفض عقد العرب وتبعثروا، بل ولقد غدا بعضهم أعداء للبعض الآخر، وها هي ادارة ترامب تطلب فيستجيب بعض قادة دول النفط لإرسال جنودها للحلول محل القوات الاميركية التي تحتل بعض شرقي سوريا (الرقة ومحيط دير الزور) وتمكن الاكراد فيها من السيطرة على آبار النفط في الشرق السوري.. وفي طليعة المتبرعين بهذا الدور السعودية والامارات بجيوشها الجرارة الفائضة عن مشاركتها في الحرب على اليمن..
كذلك فان قوات من المرتزقة تمولها الامارات وقطر تقاتل حالياً في ليبيا، لأسباب لا تتصل لا بوحدة هذه الدولة الغنية بنفطها ولا بمستقبل شعبها فيها.
بالمقابل فان بعض دول الخليج تحظر على لبنان الابقاء على علاقاته الطبيعية مع سوريا، ولو انها ملكت قراره لحرضته على اقفال حدوده معها..
وفي حين يتساقط الشهداء يومياً على أرض فلسطين، في مواجهة جنود الاحتلال الإسرائيلي ووحوش المستوطنين، فان الدول العربية، عموماً، لا تقدم أي دعم لهؤلاء المجاهدين، حفظة كرامة الامة وشرف شهدائها على ارض فلسطين او في الطريق اليها..
بل أن العدو الاسرائيلي يغتال بعض المجاهدين الفلسطينيين في أقصى الارض، ثم تحاول حكومة الاحتلال منع نقل جثمانه ليدفن في ارضها المباركة… لولا أن مصر قد وضعت ثقلها لإدخاله إلى غزه..
لقد هان العرب على انفسهم، فاختلفوا في ما بينهم إلى حد القطيعة، تحاشيا للاشتباك المباشر.. بل أن بعضهم يقاتل النظام السوري إلى جانب “داعش” والقوات التركية والقوات الاميركية (وهي قوات محتلة)، من دون أن يرف له جفن.. وبعضهم يتواطأ على العراق، بحجة منع “النفوذ الايراني” من التغلغل فيه، بل أن بعض دول النفط والغاز يمنعون رعاياهم من القدوم إلى لبنان، للاصطياف في منازلهم الفخمة فيه، او للسياحة في ارجائه الجميلة.
بالمقابل فان وفداً رسمياً من البحرين، اختير لرئاسته ـ بالقصد ـ رجل دين شيعي معمم، زار مؤخراً الكيان الصهيوني، وأبدى اعجابه بالتسامح الاسرائيلي الذي سمح لهم بالصلاة في المسجد الاقصى..
كما أن وفداً مغربياً قد زار الكيان الصهيوني مؤخراً، تدليلاً على استمرا “العلاقات الطبيعية” مع اسرائيل التي جاءها من المغرب مئات الالوف من يهودها.. ليقاتلوا اهلها وسائر اشقائهم العرب.
وأما قطر فان علاقاتها ممتازة مع اسرائيل، وتجارتها معها ناشطة، وعُذر اميرها أن تل ابيب هي باب واشنطن والبيت الابيض فيها.
وها هو البوندستاغ الالماني يُقر بيهودية دولة اسرائيل ويلتزم التزاماً تاريخياً بأمنها وعبريتها.. وإن كان قد استدرك فأشار إلى احتمال قيام دولة فلسطينية.. على بعض بعض الارض من المباركة فلسطين.
إن صورة الواقع العربي قاتمة: لقد انفض جمع العرب فغدا بعضهم خصوماً، وفي بعض الحالات اعداء لبعضهم الآخر..
فمن يتذكر، الآن فلسطين؟
تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية