هذا ما كتبته في حزيران سنة 2005 ولتاريخه لا يزال المجرور منساباً أمام المنتجعات.
أطلّ الصيفُ
ومن شرفة مطعم (Eau de Vie) في فندق فينيسيا الذي لا يحتاج إلى تعريف، تطل على مربع باطوني ضخم اتشح بالسواد، طامساً ما كان يعرف بفندق سان جورج العريق.
تسرح بالنظر بعيداً، فترى أمامك بحراً أزرقاً لا ينتهي، يغسل العينين وينعش الفؤاد، ولكن إذا ما بحّرت في الشاطىء، رأيت بقعاً مائية، تتماوج ألوانها بين أخضر مسود ورمادي بني، ويتلاعب في ما بينها ما تيسّر من أكياس بلاستيكية وصناديق خشبية، تطل عبرها من وقت لآخر قنينة مرطبات أو تنكة بيرة، يكثر عددها أو يقل، حسب رواج الدعاية وقوة الاستهلاك.
تتساءل ما سبب الفرق في اللون بين البعيد والقريب؟
فلا تجد جواباً إلا هذه القاذورات، عرفت أنك لا تعرف إن أهل المعرفة لايريدون منك أن تعرف، إذ إنه ليس من حقك حق المعرفة.
لا يريدون منك أن تعرف أن بيروت درّة النور قد ربحت الجائزة الأولى في عدد المجارير التي تنبع من الجبال، وتخترق الوديان، وتتجمع في المدن والبلدات، لتصب في البحر الأبيض المتوسط، المثقل بحضارات أجدادنا وثقافاتهم، وبنفايات حاضرنا…
لا يريدون منك أن تعرف سبب نقاوة لون البحر كلما ابتعد عنا ورجع الى نفسه.
لا يريدون منك أن تعرف أن عظمة المشروع السياحي المنشأ على شواطئنا، مرتبط بحجم المجرور الملاصق له.
فللسان جورج مجروره، وللريفييرا كذلك، غير أن للموفنبيك مجاريره، ورغم كل الإعتراضات الجمالية، أصرّ مطعم البلاج، أسوة بسواه إلا أن يكون على المجرور.
وللمساواة بين الأغنياء والفقراء، صبّ في الرملة البيضاء (أو السان بلاش) نهر من المياه الآسنة، يغطس فيه الفقراء صباحاً، لتستقبلهم المستوصفات الشعبية مساءً، تعطيهم ما توفر لديها من علاجات مضادة للحك والقيء والإسهال.
ورغم كل ذلك، نُكثر الكلام عن السياحة ونواصل المحاضرات عن البيئة، ونردد المواعظ ونصر على تسمية بيروت المدينة الممتازة وندعو الناس للتمتع بالسباحة والسياحة عندنا، ونوهم الزوار أن تبدل لون البحر عندنا ما هو إلا إنعكاس لتعدد الحضارات.
جر الفرنسيون المياه الآسنة إلى الشاطىء آملين أن نتمم العمل، ونأخذ بها إلى عمق البحر.
ترك الفرنسيون شواطئنا منذ ستين عاماً ولا يزال المجرور قابعاً على الشواطىء، ينتظر من يبعده عن الناس..
هذا والكل يتنافس على مقعد في الوزارة.