كان الصحافي الكبير الراحل سعيد فريحة شخصية مميزة بالظرف فضلاً عن رصيده العظيم من الصداقات مع كبار من أهل السياسة والثقافة والفن أحدهم الروائي المميز توفيق يوسف عواد الذي أبدع رواية “الرغيف” فضلاً عن عدد آخر من الروايات، إلى جانب مقالاته في الأدب كما في السياسة …
ذات يوم فوجئ سعيد فريحة، قبيل الساعة السابعة صباحاً، بهاتفه يرن بإلحاح، ولما رفع السماعة جاءه الصوت معاتباً:
– ولو يا سعيد … أهذه مكانتي عندك بعد كل هذا العمر من الصداقة والزمالة ورفقة الليل؟ قيمتي عندك، حين أموت خبر من بضعة سطور، وفي الصفحة الثانية بلا صورة، وبلا مشيعين، وبلا رثاء بقلمك الساحر، حتى بلا زيارة وداعية إلى جانب نعشي …
ورد سعيد فريحة مذهولاً:.. ومن أين تتكلم، يا توفيق..
قال توفيق يوسف عواد: من القبر يا سعيد..ولو! راجع جريدتك “الأنوار”، عدد اليوم، الصفحة الثانية في الكعب ..
حاول سعيد فريحة أن يعتذر لكن توفيق يوسف عواد كان قد اقفل الخط مغضباً.
وأخذ سعيد فريحة يسأل عمن كتب خبر النعي، فعرف انه الزميل الراحل سامي غميقة.. فأخذ كل عشر دقائق يتفقد حضوره فيقال أنه لم يحضر بعد.
أخيراً، وبعد الظهر بقليل دخل عليه سامي غميقة ومعه شقيق زوجة سعيد فريحة فؤاد متري وكلاهما غاطس في لباس اسود ..
سأل “الأستاذ” بهدوء يخفي غضبه العارم: أين كنتما؟
رد سامي: في بكفيا، حيث شاركنا في تشييع صديقك الروائي الكبير توفيق يوسف عواد،
كان سعيد فريحة قد تمكن من الإمساك بمنفضة ضخمة من البلور، واستمر يهز راسه مستمعا، حتى كاد سامي ينهي كلامه بينما فؤاد متري يؤمن بحركاته على كلام غميقــة، وعــندها رمى “الأستاذ” الزميلين العائدين من المأتم الوهمي بالمنفضة، وظل يطاردهما حتى الباب بلعناته وشتائمه وهو يقول:
– لعنة الله عليكم أيها الكذابان … الآن فقط أنهى توفيق يوسف عواد مكالمتــه مــعي، من قبره، يشكرني على “الحفاوة” التي أحطنا بها جنازته. أغربا عن وجهي، قاتلكما الله!
ثمّ عكف سعيد فريحة على كتابة رسالة اعتذار عما لا يمكن الاعتذار عنــه، وقد باشـــرها بكلمتي: صديقي العزيز الذي قتلته مرتين، لا أعرف كيف أرثي نفسي عبــرك، ولكننــي أتمنى، وقد عدت إلى الحياة، رغم أنوف كارهيك، أن تغفر لي هذه الخطيئة المميتة، التي أرجو أن تسجل عند الله سبحانه وتعالى فيغفر لك مقابلها كل ما ارتكبته من خطايا في الخيال أو في النص أو في الغرف الملفقة!