أنا أكذب. أنت ايضاً. نحن كذلك. أنتم شرحو. أنتن تكذبن. كلنا نكذب. شعب برمته، كذاب. والأفدح انه يشتم الكذب ويغضب منه ويطالب بالصدق.
الكذب في السياسة مشروع، ولكن أن يكون الكذب هو المرجعية الشرعية للمقامات والوزارات والنيابة والمؤسسات والادارات والبلديات وأجهزة القضاء ودهاليز الأمن وصفقات المال. فهذا اكيد، اختصاص لبناني، ويشكل سنداً شرعياً لدين الفساد.
كل يوم كذبة. حبل الكذب اطول من خط الاستواء. كذب، يكذب، يكذبون، فعل تام ومبرم. ولذلك فقد الصواب صوابه. لا يعرف طريقه الينا. يكفي أن يقول الشعب الذي اتقن الكذب والكذب المضاد، من نصدق؟ لا أحد نصدقه على الاطلاق، ولو صلى وصام وبصم بالعشرة على يمين الحلفان.
الذي يحصل على صعيد الاستعداد للانتخابات تخطى الكذب العادي. صار طعنا بالظهر. الزاحفون غدا إلى صناديق الاقتراع، عليهم أن يخفوا ملامحهم. فقط لأنهم يمارسون فعل كذب في الصندوقة واللائحة والصوت التفضيلي. انهم ينتخبون نخبة، شعارها: اكذب كثيرا يصدقوك أكثر.
الذي يحصل على صعيد الكهرباء فضيحة من الكذب. كل وزراء الطاقة حلفوا بالعشرة أن الكهرباء اتية في شهور، وعلى الاكثر بعد فصول. وحتى الآن لم تأت ولن. مراؤون وكذابون، لا مجنون بينهم ليقول إن اصلاح الكهرباء ممنوع، لألف كذبة وكذبة. انعدام الكهرباء يدر فائضاً من الحلال المالي الذي ينتزعه الكذب من موازنات تعرج على كذب الارقام. قطع الحساب من قطع الاعناق. ولا أحد من جيش الكذابين المظفر يتبرع بأن يضع عنقه تحت مقصلة التساؤل. أكذب كثيراً تنجح أكثر. اسرق كثيراً تصبح مرجعاً كبيراً.
لا قيامة لبلد قوامه الكذب.
مرت علينا حالات كثيرة كان الكذب فيها متباهيا في ظهوره وسفوره. والسؤال الذي يطرحه اللبناني المعتاد على سماع المسؤولين وأعوانهم وعيونهم وآذانهم، هو من نصدِّق.
لا يوجد في لبنان مرجعية، مرجعيتها الصدق. لذلك، يُصدق الناس من يكون على هواهم الطائفي او العائلي او العشائري او “الحزبي” او “التياري” او صاحب الكاريزما الذي يعامل وكأن لا شبهة تأتيه من أي جهة. كل لبنان، يعاني من الكذب في الظاهر، يصدق من يكون على هواه ومصلحته وحزبه وتياره… في ساعات فراغهم، يتبارى اللبنانيون في الجعجعة. يلعنون الدولة، يسبون المسؤولين، يشهرون بالفاسدين ويسمونهم بأسمائهم، لا يتركون احداً من دون أن يركبوا له تهمة، كاذبة او صحيحة، سيَّان.
من نصدق؟
بالكاد نصدق رجال الدين، لكثرة تدخلهم في السياسة والطوائف والمذاهب والمصالح والمؤسسات والاجهزة، ولشدة اتصالهم بالمرجعيات المرعية الاجراء. هل نصدق الذين يعدون بالتغيير وهم يسيرون مع العقارب حذو النعل بالنعل؟ هل نصدق وسائل اعلام تتبارى في تصغير الكبير وتضخيم الضئيل. هي وسائل لبنانية، إن سمعتها او قرأتها، خرجت منها إلى برج بابل. هل نصدق آباءنا وامهاتنا وأولادنا؟ هؤلاء جرت لهم عملية غسيل دماغ واخلاق، وباتوا في كل واد يهيمون: هل نصدق الجماعات المدنية؟ يا ليت. في هذه الانتخابات القادمة، هم كثرة قليلة بسبب نعرفه ولا نعلنه، كي يبقى لنا وعندنا رجاء ما، وسط معمعة الكذب.
أفضل ما نختم به هذه المقالة، أغنية زياد الرحباني:
تلفن عيَّاش… كذَّب عياش. فلتكن نشيدنا الذي يليق بنا.
فليعش هذا الكذب العيَّاش، لأكثر من اربعة ملايين لبناني… ينتمون إلى سلالة الكذب.
سؤال: أين الصدق في مسألة زياد عيتاني؟
“يا عيب الشوم”