من الظلم تلخيص حكاية العماد إميل بستاني، القائد الأسبق للجيش اللبناني، بأنه الرجل الذي وقّع »اتفاق القاهرة« مع المقاومة الفلسطينية في خريف العام 1969، والذي كان منطلقه محاولة »تنظيم« الدخول الفلسطيني المسلح إلى بعض الأرض اللبنانية في الجنوب (فتح لاند) لمتابعة عملها الفدائي من أجل التحرير.
ومن التبسيط المخلّ ان يُتهم الرجل الذي كان يبدو كأنه محصن ضد الشيخوخة ومن ثم ضد الموت، بأنه »قد باع لبنان لجمال عبد الناصر وأقطع الفلسطينيين بعض أرضه« لكي يقفز من موقعه في قيادة الجيش الى رئاسة الجمهورية.
فحكاية »اتفاق القاهرة« أكثر تعقيدا من ان تكون »خدعة« نجح في إتمامها جنرال بتمريرها على رئيس الجمهورية (المرحوم شارل حلو) ورئيس الحكومة (الشهيد رشيد كرامي) والحكومة، والمجلس النيابي (الذي أقرّ الاتفاق من دون أن يُتلى علناً عليه).
ولقد كتبت روايات كثيرة عن ولهذا الاتفاق الذي طالما اعتبر بين مفجّرات الحرب الأهلية في لبنان في ما بعد (1975)… لكن أدق تلك الروايات ربما كانت تلك التي قدمها السفير الراحل حليم أبو عز الدين، الذي من موقعه كسفير للبنان في قاهرة جمال عبد الناصر كان »الشاهد العدل« على مجريات ذلك الحدث الذي تنصّل منه في ما بعد معظم »أبطاله الأصليين«، لا سيما أولئك الذين أفادوا منه في حكم البلاد والعباد.
بعيدا عن اتفاق القاهرة، لا بد من الشهادة لهذا العسكري اللبناني العريق بأنه كان عصاميا فذاً، بنى نفسه بنفسه، وبأنه كان يعبد النظام ويلتزم بالانضباط الشديد ويُلزم به غيره، وأنه كان دقيقا بطريقة غير مألوفة، وكانت ذاكرته مذهلة في طاقتها على الحفظ وعلى استعادة الوقائع بتفاصيلها حتى لو كانت تعود الى خمسين أو سبعين سنة مضت.
من الصعب الحكم على الرجال والأحداث بمفعول رجعي، أو بناءً على وقائع استجدت بعد زمن من وقوع الحدث شهد تغييرات في الأحوال وفي السياسات وانقلاباً في المفاهيم أو في التحالفات فضلاً عن التكتيك.
مع رجل مثل إميل البستاني من الأفضل ترك الحكم للتاريخ.. فلا يحاكم حدث استثنائي خارق كاتفاق القاهرة، ومن سعى إليه أو ارتضى به حلاً لأزمة خطيرة، من خارج الظروف التي أحاطت بذلك الحدث وبررته، بل ولعلها فرضته.
فإلى ذمة التاريخ هذا العسكري الذي خسر الحرب في السياسة.