عملية الانتخاب، فعل ارتكاب، مشاركة بالاستسلام، ندم بعد فوات الاوان. الفائزون فيها، أصحاب رهان: لا شيء سيتغير في لبنان. الذين كانوا من زمان، هم الآن مستقبل البلد. تتغير الروزنامة فقط، يتم التعديل في الأسماء. الأركان باقية. ثلة من حراس النظام. وما تبقى خدم على طاولة السلطان.
كلام كهذا يحتاج إلى برهان. الانتخاب عملية تمديد لا عملية تجديد.
الاركان هم. لا يتبدلون ولا يتغيرون. تختلف الأوزان فقط، وكلهم رابحون، بمن يصِّوت بحماسة، تشبه غضبه، عندما يشتم ويلعن “الطبقة الحاكمة” من زمان.
تَلفِت آذاننا من سماع النقيق اللبناني. من يصدق صراخهم، ينتظر أن يترجموا صراخهم بأصوات معترضة. عبث. انهم يطربون يومياً، من الآن حتى 6 أيار، على سماع الكذب، وهو يلقى بنبرة جازمة، تؤكد النفاق المستدام. يلعنون الطائفية، ولا ينامون الا في فراشها عراة من كل صدقية.
يشتمون الفساد ويدلون على الفاسدين بالعشرة. وغدا، يمضون ليبصموا بصوتهم “الضامن” لمسيرة الإفساد. يُضربون من اجل الكهرباء والراتب والمدرسة والجامعة والنفايات والعدالة المعتلة، و… عندما يعزف القادة على الوتر الطائفي، تصيح الاكثرية: “يا غيرة الدين”، وتُغتال القضايا.
لدى اللبنانيين عادة “الوفاء”، وهم بهذا يبرهنون على ضحالة سياسية توازي النفاق. اللبناني وفي جداً لطائفته، لزعيم مذهبه او لزعيمي مذهبه. للعائلة السياسية “العريقة”. أوفياء هم اللبنانيون لمن يؤاجرهم، لمن يسهل لهم معاملاتهم، لمن يسمسر لهم وظيفة ركيكة. بيَّاعون هؤلاء. اجدادهم فينيقيون، مع فارق بسيط. اولئك اولاد حرف وحرفة. أما أولائنا، فأولاد من فراش مستعار.
طبعاً، بين هؤلاء اللبنانيين مدنيون جداً. درسوا جيداً فروض الديمقراطية والحرية والمساءلة والتنمية. يعرفون ويحاضرون في بنية النظام وهيكليته والدستور وموجباته، وهم، فوق كل ذلك، تعرفوا على عفن السياسة والساسة. انما وللأسف الشديد، يتميزون بالشللية. صدقيتهم، ليست كلماتهم، بل في مواقفهم وقدرتهم على التنازل المشترك، لخوض معركة تخيف الطبقة السياسية. اليوم، بالكاد تزكزك اقدام القيادات المطمئنة إلى صناديق الاقتراع، مع رغبتها بأن يمثل المجتمع المدني بدون كيشوت، او أكثر قليلاً. فقط كتشكيلة.
في المشهد المتوقع، “المستقبل” هو ماضيه الحديث. علاقة حثيثة مع “التيار” تحت سقف التسوية الرئاسية. رئيس “المستقبل” هو مستقبل لن يبدأ، الا بتفاهم مع زعيم “امل” وتعاون مع زعيم فوق النيابة، وليد جنبلاط، وزواج بالإكراه مع “زعيم القوات” وتسووياً مع “المستقبل”. تحالفات متناقضة في الظاهر، متصلة المصالح في الواقع. “امل” ـ “حزب الله”، لا جديد. التوأمة حاصلة بكل مفاعليها. ولا حرج على “حزب الله” في أن تكون له رجل في بور “التيار” ورجل في فلاحة “امل”. افلاس الناس، تجارة رابحة لدى اهل السياسة.
ماذا بعد؟
البيوتات السياسية حدث ولا حرج.
هذه المشاهد تتكرر، ولو بقانون انتخابي يكذب نسبياً، ويصدق طائفياً، ويطبق بالتقسيط القانون الأرثوذوكسي، سيء السمعة. يعرفون من اين تؤكل الكتف. يتصالحون في دائرة ويتخاصمون في أخرى ويسمون هذا الزنى المفضوح، ديموقراطية. والله عيب. عيب يدعو إلى تحمل درجة لا تطاق من الكذب والغثيان. عيب. تشعر أن لبنانيتك عيب عليك. ترغب أن تكون لا مبالياً، امام مرحلة مصيرية، تهدد العيش لطبقة وسطى تعيش تحت سقف دين تسعين مليار دولار وعليها واجب سداده. الاغنياء والاثرياء، يغتنون أكثر في ازمنة افلاس الدولة الوشيك. عسى أن لا.
من زمان، تمرست في اليأس البنّاء. يأس كامل ومبرم من هذه الطبقة الموروثة والهاتكة والمتهتكة، والفاسدة والمفسدة. قطيعة مبرمة معها ومع نظامها وسياساتها. قطيعة تامة مع انتخابات تعيد تجديد خصوبتها الشبقة. قطيعة نهائية مع ثقافتها وسياساتها، وقطيعة مؤلمة مع من يجدد لها البيعة، وتسمي البيعة انتخاباً…
المجتمع المدني مدعو لأن يتعلم من اعدائه الحقيقيين، كيف يتحدون برغم كل خلافاتهم. التعدد في المجتمع المدني مفيد بشرطين، أن يكون تحت سقف برنامج سياسي، ثقافي، لبناني واحد. وان تكون الديموقراطية هي الحكم تحت هذا السقف. حتى الآن، الحالة يرثى لها. وهذا معيب جداً. ويدعو إلى اليأس، إن طالت الخلافات واستعرت.
لكل هذه الاسباب، أعلن يأسي البنَّاء. هو يأس مؤسس لحالة القطيعة التامة مع هذا النظام وتركيبته ومن يركب فيه وعليه. لا اعوَّل على السادس من ايار. السابع من ايار هو اليوم الذي يشبه ما مر علينا من ايام منذ 28 عاماً.