اختارت إسرائيل التوقيت المناسب لكي تقتحم »المسألة اللبنانية« مع توقف مؤتمر الحوار أمام »الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان« كما طرحها الأمين العام ل»حزب الله« في الجلسة الأخيرة، والتي سيعود إليها المؤتمرون مناقشين بدءاً من يوم الخميس المقبل.
يمكن أن يقال، بشيء من التسرّع، إن إسرائيل قد زرعت في طريق المؤتمر مجموعة من الشكوك الناسفة للبديهيات، بحيث يسهل على المتعجلين الخلاص من مقاومة الاحتلال كعقيدة وبالتالي من سلاحها، أن يسندوا ادعاءاتهم إلى هذا »المشروع« الذي »كشفته« إسرائيل في الوقت المناسب، بما يجعل الحوار حوله غير ذي موضوع.
بين هذه الشكوك الناسفة للبديهيات، ومن ثم لمضمون الحوار وهدفه، أن إسرائيل تنسب صياغة هذا المشروع ومن ثم تسويقه إلى رئيس الحكومة في لبنان، بالتكافل والتضامن مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى لبنان تيري رود لارسن.
وبينها أن هذا المشروع قد عرض على الرئيس السوري، وكذلك على مسؤولين كبار في كل من لبنان وإسرائيل.
وبينها، أخيراً، أن هذا المشروع الذي كان مرفوضاً في إسرائيل حتى وقت قريب، حظي أخيراً باهتمام »حتى في صفوف كبار القادة العسكريين«.
وحسناً فعل الرئيس فؤاد السنيورة حين سارع إلى فضح هذه »الرواية الملفقة« عن »المبادرة المشبوهة« التي نسبتها إليه إسرائيل، وأعلن أن لا وجود لها »إلا في دهاليز الموساد الإسرائيلي«…
مع ذلك فإن ما تضمنته »المبادرة« المفخخة المزعومة سيوفر »ذخيرة حية« لكل من حاول سابقاً وسيحاول بعزم أمضى الآن حصر المشكلة في المقاومة وسلاحها، وإظهار إسرائيل مظلومة في اتهامها بأنها »دولة حرب واحتلال«، في حين أن سوريا هي هي دولة الحرب والاحتلال، وهي هي التي لا تعترف بلبنانية مزارع شبعا التي سوف تنسحب منها إسرائيل مباشرة بعد هذا الاعتراف!
و»المبادرة« المفخخة من السخاء بحيث يسقط المنطق المقاوم بالضربة القاضية: ستنهي إسرائيل احتلالها وستوقف طلعات طيرانها في أجواء لبنان، وستفرج عن الأسرى والمعتقلين (بمن فيهم عميدهم سمير القنطار)، وستمكّن الجيش من أن ينتشر على طول الحدود، كل ذلك مقابل تعهّد من الحكومة »بتفكيك كل الميليشيات العسكرية في الدولة بما في ذلك الميليشيات الفلسطينية وبالخصوص حزب الله«.
بهذه »المبادرة« المزعومة معززة بدور للوسيط الدولي النزيه والشريف كما امرأة القيصر، السيد تيري رود لارسن، يسقط منطق المقاومة مضرجاً بدمه!
ولا يكون على القائلين بقرع جرس الانصراف للمقاومة إلا »النضال« من أجل أن تنجح هذه »المبادرة« التي تدعمها »الدول« وتحصّنها شارة الأمم المتحدة، ولا يبقى غير أن تصدع لها سوريا فيكون على الأرض السلام.. فإن هي رفضت فضحت نفسها، وإن هي صدعت للأمر كانت مشكلتها مع »حزب الله«، الذي سيضطر في هذه الحالة إلى القتال على جبهات عدة لبنانية وسورية وأممية، بينما إسرائيل تمد قدميها في مزارع شبعا وتمد لسانها لمؤتمر الحوار، وتنقل الصراع إلى داخله وقد تعززت مواقع المستعدين لقبول »عرضها« فيه.
ليست هذه أول خدعة إسرائيلية، ولن تكون الأخيرة، وإن كانت خطيرة في تجرؤها على رئيس الحكومة بالاسم وعلى لبنان، بشعبه جميعاً، وعلى مؤتمر الحوار بطبيعة الحال، الذي نحب أن نفترض أن المشاركين فيه، عموماً، أكثر وعياً من أن تجوز عليهم هذه الخدعة المفخخة الجديدة.