من حق المكلف اللبناني أن يستريب، وأن يشكّك في أمانة الحكم، بل وفي الذمة المالية لكبار المسؤولين.
إنه يسمع ويقرأ عن صفقات بمئات ملايين الدولارات من المال العام يتوزعها النافذون والمحظوظون، بينما هو يعاني ضائقة حادة في معاشه، ويهدّه القلق على »ليرته« وعلى مستقبل أبنائه المرهون لخدمة الديون السابقة والجديدة، وهي بالمليارات وسوف تستهلك جيلاً أو جيلين لسدادها إذا توقف النهب المنظم للمال العام.
إن كلمات من نوع »خصخصة« و»تسنيد« و»تلزيم بالتراضي« أو »إدارة مرفق عام بعقد تشغيل .د.ش.«، ترعبه، إذ تُشعره بأن صفقات منظمة جديدة ستلتهم المزيد من الأملاك العامة أو من المنشآت والمؤسسات العامة التي أقيمت بتعب العمر لتوفر له الخدمات الطبيعية في مجتمع معاصر، فلا هي وفرتها ولا هو استعاد رأس المال المدفوع لإقامتها.
ثم إن تعبيراً من نوع »وحدة الحكم« يزيد من مخاوفه التي راكمتها النتائج الملموسة »للانشقاق في رأس الحكم«… فوحدة الحكم تعني أن »الصفقة« قد تمت (وعلى حسابه)، أما الانشقاق فمعناه أن الدولة قد أصيبت بالشلل، وأن الجمود سيتفاقم بحيث يتوقف الإنتاج تماماً، وتتزايد الإفلاسات، وتنعدم فرص العمل، ويتزاحم الشباب على السفارات متوسلين تأشيرة الخروج من هذه الجنة التي اسمها لبنان.
مؤخراً، وعبر الحل السحري لأزمة الهاتف الخلوي واستثماره، تبدَّى وكأن وحدة الحكم قد تأكدت ولو عبر صفقة جديدة تنسف ما كان تمّ تصويره كإنجاز باهر قبل أربعة أشهر، عندما وضعت الدولة يدها على هذا المرفق الذهبي..
لكن الحل السحري سرعان ما تبخر، واستطاع »تحفُّظ« لوزير واحد من أصل ثلاثين أن يُسقط أو يعطّل الصفقة الجديدة.
.. لكن الوزراء ليسوا الحكومة، والحكومة ليست حاصل جمع التسعة وعشرين وزيراً مع رئيسهم.
فرئيس المجلس النيابي الممثَّل بقوة في الحكومة اعتبرها بحكم »الميتة« وأن تغييرها واجب، وخلال شهرين على الأكثر، وهو قد اتخذ من موقعه الحزبي قراراً تأديبياً بحق وزيري »أمل« مما يستوجب تبديلهما باعتبارهما ممثّلين للتنظيم.
ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الممثَّل بثلاثة وزراء »نعى« الحكومة علناً، وطالب بدفنها بسرعة رحمة بالأحياء..
ثم إن وزير المواصلات، المفترَض أنه »يمثل« رئيس الجمهورية، يتصرف وكأنه مكلَّف بنسف الحكومة من داخلها، أو هكدا يفسّر مسلكه هواة التفسير البوليسي لحكومات الصفقات..
هذا من دون أن ننسى أن نائب رئيس الحكومة قد وجد عذراً صحياً للنأي بنفسه عن هذه النهاية الفضائحية لحكومة افترض أنه يستطيع أن يكون فيها »إضافة نوعية«.
ومن دون أن ننسى ما قاله وزير الصحة حين سُئل عن الجو الفضائحي المرافق لصفقة الخلوي، من أن »في فمه ماء«، مؤكداً بصيغة ما أن الحكومة قد أدت قسطها للعلى، ويفضل أن يرى نفسه في »الحكومة الجديدة«.
مع ذلك، فإن مجلس النواب لم يجد في كل ما يُقال علناً ويهمس به سراً حول صفقة الخلوي ما يستوجب مناقشة الحكومة فيه ومساءلتها حوله، مع أن بعض جوانب الصفقة أو
اللغط حولها قد يؤثر سلباً على العلاقات مع فرنسا راعية باريس 2 ومسهّلة القروض الجديدة.
بالمقابل، فالحملة السياسية على القضاء مستمرة، من داخل الحكم بمحاولة توظيفه لأغراض لا علاقة فعلية له بها، ومن خارج الحكم باتخاذ التكليفات السياسية للقضاء منفذاً للهجوم عليه، كمؤسسة وكدور وكمرجعية أخيرة.
ومن باب استذكار محاسن موتانا لا بد من الإشارة إلى أن المجلس الدستوري قد سقط بالسكتة الانتخابية القاتلة، قبل أسابيع معدودة.
هكذا إذاً، الديموقراطية: رئاسة الجمهورية ليست فوق شبهة التحريض على مشروع يريده رئيس الحكومة بأي ثمن، وبأسرع وقت، ولأسباب تتصل بمكانته ورصيده الدولي وصدقيته أكثر منها بالفائدة المباشرة للخزينة.
.. ورئيس الحكومة الذي تناوله اللغطُ دائماً ووصل الى حد الاتهام المباشر، قبل شهور، متخذاً من مساندته لبعض أنسبائه سبباً وجيهاً، تشتد عليه الحملة بوصفه قد ضغط فعطل ما كان اتخذ من إجراءات لاستعادة الدولة هذا المرفق وعائداته المحترمة (وبالدولار).
والمجلس النيابي معطل الدور، إن لم نقل إنه في موضوع الصفقات عموماً شاهد زور أو »شاهد ما شفش حاجة« إذا ما نحن اتهمناه بالغفلة وبالتالي بالبراءة.
قد يكون وزير المواصلات على حق في كل ما قاله وعمل به وتصرف فيه، حتى بدا جباراً عنيداً..
لكن هذا لا يستحضر الدولة، ولا يحفظ المال العام، ولا يُطمئن المواطن الى يومه المثقل بهمّ الديون ولا الى غده المرهون للغير.
ولا يستحضر الدولة أن يرد خصوم الوزير باتهامه بالتواطؤ مع رئيس الجمهورية على ال
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان