طلال سلمان

هوامش

أقتل خوفك بالفرح وأحبَّ حياتك لتحيا..

… ولقد قررنا أن تكوني لنا العيد، وأن نحتفل، نحن الذين نعيش الحياة بالمصادفة أننا نستحق أن نعيشها بالقرار.
اخترقنا مناخ القتل المتجول في البلاد، كامتداد للحرب على كرامة الإنسان وحقه في الاختيار وعلى قدره الذي فُرض عليه أن يعيش في عصر غير الذي كان يعمل لأن يفتح فيه باب الأمل بأن يصنع حياته بتعبه وعرق جبينه على طريق طموحه المشروع إلى الغد الأفضل.
اخترقنا إقفال العطلة وقررنا أن نأتي بالعيد مخفوراً وبأن نجيء له بمن يخدمه وبمن يعيد إليه ملامح الفرح بالحياة، ونحن أبناء الحياة.
ذهبنا كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء في كوكبة من الراغبين بأن يعيشوا الفرح حتى الثمالة، وان يحتفلوا بعيد ميلاد نجمة الصبح وأن يشربوا من نبع شوقها إلى الحياة، وهي التي امتحنت الحياة فينا وعبرها هذا الشوق مرة أولى ثم مرة ثانية، فلما نجحت أجازت لها أن تكمل سنوات عمرها الذي قرره من له حق القرار حضوراً أو غياباً.
… وحين جاء الصوت الحلبي الفتي، وهو الآتي من قلب المأساة التي تدمي قلب الأمة، مع فرقته التي تحاول تحرير إرادتها من مناخ الموت، اندفعنا نحوه وكأنه المنقذ من مناخ الخوف من الموت الذي يسيطر على المدينة وسائر الجهات التي باتت تتعامل مع السيارات وكأنها مصدر الموت بالعبوات الناسفة المخبوءة في صندوقها أو في أبوابها والتي يفضل مرسلها أن تتفجر بالمجاميع وليس بهذا أو ذاك من «الأهداف» التي يحددها مجهول وينفذها معلوم قد لا يعرف انه سيقتل الآخرين وهو المقتول.
بدأ الحفل رصيناً بما يليق بضرورة تمويه الفرح حتى لا يتهم المحتفلون بأنهم لا يحترمون الضحايا الذين أودت بهم العبوات الناسفة بينما هم يهرقون عرق الجباه لتأكيد حق الشعب جميعاً بحياة كريمة ولائقة بكرامة الإنسان.
ارتفع الصوت فتعالت الآهات التي كان يلجمها الوجع، والتي كان يخالطها شيء من الخوف وبعض الخجل من شهداء الأيام الماضية وبعض الوجل من شهداء الأيام الآتية.
أطلت «الشام» مجللة بنبرة فرح، ثم تهادت نحونا «حلب» في موكب من البهجة، ولم تلبث بغداد أن انضمت إلى الموكب قبل أن تتهادى القاهرة بجلال مكانتها التي تجتهد في أن تستعيدها من براثن الذين يصادرون الحياة باسم الاستعداد لليوم الآخر، فنخسر غدنا من دون أن ننجح في حفظ يومنا الحاضر.
اندفعت ملكة البهجة إلى حلبة الرقص مغادرة أوجاع حزنها، فساد مناخ من الفرح: لقد وصل العيد.
رقصت للمدن المغيّبة التي تعيش في خيالها بعدما جالت فيها فدخلت منازل التاريخ فيها..
استدعت الملكة بعض رعاياها لمشاركتها الحلبة ولما ترددوا اندفع الأحفاد يشاركونها الفرح بوجودها.
علا صوت المغني بالآهات جلابة الشجن.. تنقل بصوته الشجي بين العواصم جميعاً، فغنى فرح الماضي وحزن الحاضر ومخاوف المستقبل، محافظاً على ابتسامة الأمل في عينيه.
هي تحب بيروت المتبدلة المتحولـة الباهرة بجمعها المتناقضات جميعاً، من أحياء يعفّ عن زيارتها الموت إلى ناطحات سحاب، وتعشق القاهرة وتسرقها دمشق ساعية بها إلى ينابيع النشوة في حلب، وتلتحق بها بغداد قبل أن يلتهمها الحريق.
لا يليق الحزن بهذه الدرر الإنسانية. لا يليق الحزن بالعواصم ولادة المجد والعزة.
التاريخ هو المحكمة الإنسانية العليا.
ماذا تراهم سيقولون هؤلاء الذين اغتالوا تراث الأجداد وجهد الشباب في تجديده عبر التقدم، وأحلام الأطفال في أن يكونوا حيث يستحقون أن يكونوا بالاستناد إلى أن أجداد أجدادهم هم هم تراب هذه الأرض.
لم ينتبه أحد إلى العشاء. لقد جاء الجميع إلى الفرح وهم لا يريدون أن يخسروا دقيقة واحدة خارج الحلبة.

[[[

تتحدى الخوف بأن تكمل طريقك إلى هدفك،
تتحدى الموت بان تعيش حياتك،
تتحدى الإرهاب بان تقول إنك الأرض والتاريخ، إنك الأمس واليوم والغد،
تتحدى القتلة بإرادة الصمود لأنك تستحق الحياة التي يحاولون اغتيالها.
لقد أرادوها معركة، حسناً، لست تملك من السلاح إلا إرادتك وإلا حب الحياة،
هم أجبن من أن يواجهوا الشمس والفرح وإرادة الحياة، وأنت تسكن الشمس ويسكنك الفرح وتزهو بك الحياة. لك النصر إذن، فعِش حياتك كما تحب أن تعيشها، إن خفت منهم يعني أنك استسلمت. لن ينفعك الخوف إلا في حرمانك كل ما تقدمه لك الحياة من أسباب الفرح.

[[[

اقتل خوفك بالفرح. احفظ شوقك إلى الحياة بحب أهلها.
ابتدع المناسبات الآخذة إلى البهجة. اخترع اللقاءات مع مَن تحب. لا تدع حواجز الخوف تسجنك في قوقعة الرعب.
ليكن ردك على انفجارات القتل الجماعي بإحياء حفلات الفرح الجماعي.
إن أنت قبعت خلف أسوار الجبن من مواجهة المجهول، الذي سيظل مجهولاً، ستمضي عمرك سجين إرادة القتلة. سيحاصرونك بأشباحهم ضمن قوقعة التوجس وتمضي أيامك ثقيلة، تخاف من صباحاتها، تخاف من ساعات الازدحام في الظهيرة، تخاف من صمت الليل، تخاف من انغلاق باب عند الجيران، تخاف من حارس الفراغ على الطرقات التي هجرها المارة، تخاف من السيارات العابرة بسرعة، تخاف من السيارات المتباطئة متناسياً أن سائقيها خائفون منك، تخاف من دخول المحالّ التجارية.
تخاف من أن تدخل المسرح فتغلَق الأبواب على العبوات المزروعة في أرجائه بحيث لا يكون لك خلاص. تخاف من رنين الهاتف. تخاف من تسرُّع المذيع في إطلاق «الخبر العاجل». تخاف من الرؤساء وهم يُطلون عليك بابتسامات بلاستيكية وبجمل من أوهام أو بعبارات فيها من الإنــذارات بالأســوأ ما يذهب ببقايا الاطمئنان التي تحفظها تحت رموش عينيك.

[[[

الفرح قرار. اكسر خوفك وقم إلى الرقص،
لا تحتاج هذه الزمرة من الأحباب إلا إلى من يقتحم الحلبة. بعده ستضيق الحلبة بالمنتشين حتى الرقص فوق كراسيهم.
اترك للصوت الجميل أن يسحبك من ضفاف الموت إلى عباب الفرح بالحياة، اسمح له أن يدغدغ ما ضمُر من مشاعرك فتستعيدها.
إنه العيد.. لنغبّ من فرحه حتى الثمالة. الحزن بحر بلا ضفاف، فاسرق منه لحظات نشوة بإنسانيتك.
حولك ورود عمرك فدعها تمد غصونها فتطوقك بها وترفعك خارج دائرة «الخبر العاجل» وصور ضحايا الانفجار الجديد الذي سيتخذ موقعه في مسلسل القتل الجماعي الذي لا تبدو له نهاية واضحة.
ارمِ همومك خارج هذه القاعة المزدحمة بالشوق إلى الحياة.
لا تخَف، ستجد المزيد من هذه الهموم غداً وبعد غد وبعد بعد غد. الخوف موت، اطلب الحياة تكن لك.

حكاية

لقاء في قلب التمني

السهرة بالساهرين، والساهرون بالساهرات، والساهرات بعبق النشوة التي يشيعها المضيف بين باب «الآه» وباب «يا ليل طوّل»..
سرى صوت الطرب ما بين دمعتين: الفرح بالتلاقي وحسرة غياب الأمل في دياجير الاحتراب.
انهمرت القبلات عطراً عند الوصول، وغشي الدمع العيون عند الافتراق لأن الفجر تربّص بمن تبدّوا سكارى وما هم بسكارى لينتهي هذا اللقاء في قلب التمني، والذي لن ينساه سهارى الليل المتفجّر فرحاً والذي جاء متسللاً من قلب القلق على الذين يعطون للحياة بهجة الأمل ويزرعون ورود القبلات على رموش الفرح.

تهويمات

^ لم تكن المساحة تكفي لتعليم الرقص.
ولكنها كانت كافية لان تشعل أنفاسك وجهي ولان أقرأ في عينيك عشق الحياة فأسعد باكتشاف أن لنا أرض لقاء.
^ لست اعرف من قصيدة العشق إلا مطلعها: احبك.
ولست اعرف من الأغاني إلا: أنت عمري
ولست اعرف من الآهات إلا: آهٍ منك
ولست اعرف من العشاق إلا: المجنون
أما أنتِ فتحفظين ديوان الأغاني وما شدت به أم كلثوم ثم اختتمته فيروز قبل أن يقرع جرس الانصراف لعصر الغناء.
^ لم تقل لي ما أنتظر سماعه
ولم أسمع منك ما يشجعني على الاعتراف
كلانا يحاول قراءة الصمت
ولكنني أفضل قراءة العيون.. وعيونك تقول إنك لست لي
همست بعينيها: كن لي أكن لك…
^ قالت: تهرب مني اللغة عندما أكون معك، ويصير كلامي جملاً مقطّعة. كأنني عدت إلى الصفوف الابتدائية في أمسي البعيد.
قال: ولكنني أقرأ عينيك فأعرف ما ينتظرني في غدي.
^ قالت: أنت قاسٍ في عتابك. إنك تنظرني فلا تراني، وحين أغنيك تتشاغل بالحديث مع غيري. لم يتبق أمامي غير أن أكتبك ولن تستطيع الادعاء بأنك أمي!
^ يتماوج صوتك وهو يقطع المسافات مثقلاً بمرارة العتاب. أحادثك فتدّعين أنك لا تسمعينني بوضوح، وأكرر ما قلت وأنا أكاد أرى ابتسامتك قد اتسعت حتى غطّت وجهك كله.
تعصف الريح بكلمات العتاب… فإذا ما استعاد الجو صفاءه سمعت ما يشبه نبضات القلب تتوالى مكررة الاعتراف بما تصرين على كتمانه ثم تعود إليك بالأجوبة قبلة إثر قبلة.

من أقوال نسمة

قال لي «نسمة» الذي لم تُعرَف له مهنة الا الحب:
ــ لا تهرب بحبك إلى العتم. انشره بين الباحثين عنه، وليكن لكل منهم نصيب فيه. لا تخَف من غضب حبيبك ولا من خوفه. هو يحبّ فيك الناس جميعاً وأنت تراه الناس جميعاً والحب مشاع، كلما زاد المشاركون فيه ازداد توهجاً في عيني حبيبك.

Exit mobile version