غزة ـ حلمي موسى
إنه اليوم 136. تمضي الأيام والليالي، وتشرق الشمس من جديد، ونحن كما نحن لا يكسرنا العدوان، وإيماننا بالنصر وبحقوقنا يجعلنا أقوى في مواجهة الظلم، في انتظار ساعة الفرج القريبة.
***
في افتتاح الاجتماع السنوي، في القدس المحتلة، لـ “مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في أميركا”، كرر رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، مساء أمس، موقفه الرافض “لإملاءات دولية” للاعتراف، بشكل أحادي الجانب، بدولة فلسطينية. وكانت حكومته قد أقرّت صباح أمس اعتراضها الاعتراف بدولة فلسطينية – في ظل الخطة السريعة التي تتحدث التقارير أن الإدارة الأميركية تروّج لها.
وقال نتنياهو أمام المؤتمر إن “صيغتنا بسيطة: إطلاق سراح الرهائن يمكن أن يتم من خلال عمل عسكري قوي، ومفاوضات صعبة”، مضيفا أن “الموقف الصارم يجب أن يضغط، ليس على “حماس”، بل على من يستطيع الضغط عليها، وفي المقدمة تأتي قطر التي تستضيف قادة “حماس”، وتدعمهم ماليا. لذلك أدعو للضغط على قطر وحماس للإفراج عن الرهائن”.
ثم أكّد “آمل أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق قريبا، ولكن سواء أبرمنا اتفاقا أم لا – يجب إنهاء العمل (العسكري) لتحقيق النصر الكامل”.
وفي إشارة إلى الخطة السريعة التي تروّج لها الإدارة الأميركية لإقامة دولة فلسطينية، اعتبر أنه “يمكننا أن نتفق على أشياء كثيرة، لكن إسرائيل لا تستطيع أن توافق على مبادرة دولية أحادية الجانب تحاول أن تفرض دولة فلسطينية على إسرائيل، لاسيّما بعد فظائع 7 أكتوبر. إن مواطني إسرائيل متحدون للغاية في رفض هذا الأمر”.
وقرأ نتنياهو أمام الحاضرين من مشروع “القرار التصريحي” الذي قدمه صباح أمس في جلسة الحكومة، والذي تعارض إسرائيل بموجبه الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية “إن إسرائيل ترفض رفضا قاطعا المادة الدولية المتعلقة بالاتفاق مع الفلسطينيين. إن أي اتفاق، إن تم التوصل لاتفاق، فسيتم من خلال مفاوضات بين الطرفين بلا شروط مسبقة. فإسرائيل تعارض الإكراه، ومثل هذا الاعتراف، في أعقاب مذبحة السابع من أكتوبر، سيكون بمثابة مكافأة غير مسبوقة للإرهاب، وسيمنع أي تسوية سلمية في المستقبل”.
وقد تم قبول التصويت على مسودة القرار، التي طرحها نتنياهو، بالتنسيق مع الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت.
وذكّر نتنياهو أن حكومته ” أقرّت هذا القرار بالإجماع، وسيتم إقراره غدًا (اليوم) في الكنيست – وآمل أن يتبنى المؤتمر الرسالة ذاتها”.
وكان السفير الأميركي لدى الكيان جاك لو قد سبق نتنياهو في الحديث أمام المؤتمر نفسه عما تريده واشنطن في الوقت الراهن.
وبعدما كرر الكلام عن وجوب عدم المساس بالمدنيين في وقت الحرب، قال السفير الأميركي إن “سياستنا هي أنه يتعين وجود عملية أبعد في الأفق، ويجب أن تكون إسرائيل جزءً أساسيا منها. والآن تتوفر إمكانية حقيقية لإطلاق عملية تشمل إجراء مفاوضات مع السعودية وإصلاح السلطة الفلسطينية، وصولاً إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح يمكنها العيش إلى جانب إسرائيل في سلام. ولكن، سيتعين على إسرائيل أن تتخذ القرار، وأن تجد توازنا بين المسائل المختلفة المهمة التي تقلقها”.
وتحدّث غانتس، عضو كابينت الحرب، في المؤتمر قائلا أنّه “بعد مذبحة 7 أكتوبر، لم تعد الإجراءات الأحادية الجانب مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية هي الطريق إلى الاستقرار الإقليمي والتسويات السياسية. يجب أن نعمل على المدى الطويل – إعداد عمليات من شأنها إنشاء بنية إقليمية ضد المحور الإيراني، وتعزيز التسويات السياسية التي من شأنها تحسين حياة جميع السكان في المنطقة وتعزيز السلام”.
ويدل خطاب غانتس، الذي يجري تسويقه على أنه الزعيم المقبل للكيان، على أنه لا يحمل حتى الآن رؤية تختلف عن رؤية كل من نتنياهو واليمين الإسرائيلي. لكن، من المؤكد أن ذلك ليس الحال في الأوساط الفكرية والإعلامية التي ترى أن التصادم مع الرؤية الأميركية لحل الدولتين، يعد بمثابة كارثة لإسرائيل.
في الوقت عينه، يأتي موقف الحكومة المعلن ليناقض ما نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم”، المقربة من نتنياهو ومن اليمين، حول أن رئيس الوزراء يفكر فعلا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية مقابل التطبيع.
وقالت الصحيفة أمس أن نتنياهو يفكر بالتسليم، كأمر واقع، بالنية الأميركية للاعتراف بدولة فلسطينية مقابل خرق تاريخي مع السعودية. ونقلت الصحيفة عن مصدر سياسي مطلع أن إسرائيل تقول للولايات المتّحدة أنها تعارض اعترافها من طرف واحد بالدولة الفلسطينية، وتصر على أن خطوة كهذه يجب أن تكون نتيجة مفاوضات مباشرة بين الطرفين. ومع ذلك، يقول المصدر، تعتبر إسرائيل إن التسليم بالرؤية الأميركية يهدف إلى “إحداث خرق سياسي تاريخي مع السعودية”.
ومعروف أنه منذ نشرت “واشنطن بوست” أن إدارة بايدن تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية في غضون أسابيع، تبارى وزراء إسرائيل في إبداء اعتراضهم وانتقاد ادارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بدعوى أن إقامة دولة فلسطينية تعرض إسرائيل للخطر بعد 7 أكتوبر.
وبحسب “إسرائيل اليوم”، فإن رد نتنياهو والصيغة المحددة التي اختارها يعبران عن التفاهم الذي تبلور مع الإدارة الأميركية، بأنه حتى وأن كان نتنياهو يعرب عن معارضة الاعتراف أحادي الجانب، إلا أنه سيوافق على مفاوضات مع الفلسطينيين على تسوية مستقبلية وبدون شروط مسبقة. ومن خلال هذه الصياغة، يأمل نتنياهو في أن يتمكن الأميركيون من اقناع السعوديين بأن إسرائيل اجتازت شوطا هاما إزاء القضيّة الفلسطينية. وفي المقابل، يضمن استعداد الرياض لاعتراف تاريخي بإسرائيل.
ولكن، تتعين الإشارة إلى أن نتنياهو لم يقرر نهائيا بعد في هذا الاتجاه، لكنه “يدرسه بجدية” مع الوزير رون ديرمر الذي ينوب عنه في المحادثات مع الأميركيين.
وكان الباحث في الشأن الإيراني في مركز أبحاث الأمن القومي، داني سترينو بيتس، قد كتب في صحيفة “معاريف” أنّ “الاستراتيجية الإسرائيلية كانت ترّكز في الماضي على التهديد الإيراني، من أجل “القفز” فوق المسألة الفلسطينية، وذلك على ما يبدو انطلاقا من الظنّ بأن دول المنطقة التي تخاف من إيران تقدّر “القوة الإسرائيلية” في مواجهتها، وإنه بالتالي سيكون التقدّم في العلاقات معها على أساس هذه القوة – ومن دون تقديم تنازلات ذات مغزى في المسألة الفلسطينية”.
إلّا أن الباحث رأى أن “احداث 7 أكتوبر تفرض على إسرائيل إعادة التفكير في هذه الإستراتيجية، وذلك لأن الهجمة الاجرامية للمنظمة الإرهابية حماس اعادت المسألة الفلسطينية الى مركز الطاولة. هذه الحقيقة، والمعركة في غزة في اعقاب هجمة حماس، جعلتا القدرة اليوم على مواصلة مسيرة التطبيع، أساسا مع السعودية، من دون أي تقدم في المسألة الفلسطينية – تتآكل بشكل كبير، وذلك من دون أي علاقة بخطوات إسرائيل تجاه إيران، ومن دون أي صلة باستعدادها لبرنامج نووي على الأراضي السعودية”.
واعتبر أن إيران تدير معركة لمنع إسرائيل من أن تكون جزءً من الشرق الأوسط، وتخشى من موطئ قدم لها في دول الخليج. ولذلك، و”بعد سنوات من محاولة دحر المسألة الفلسطينية في الزاوية، فإن الطريق الإسرائيلية الى الرياض، في ظل استياء طهران، تمر عبر التنازلات في المسألة الفلسطينية. سيتعين على إسرائيل أن تنهي المعركة في القطاع، وتقبل عودة السلطة الى غزة بأي شكل من الأشكال، وأن تبدي أيضا استعدادا (علنيا على الأقل) للتقدم في مفاوضات سياسية مع السلطة الفلسطينية”.
أضاف أنه توجد “لهذه الخطوة بالطبع مزايا ذات مغزى أخرى، كتحرير المخطوفين، ووقف القتال في غزة وفي الشمال (وإمكانية اعادة السكان الى بيوتهم)، وتعزيز الشرعية الدولية لإسرائيل (بما في ذلك في كل ما يتعلق بتشديد الضغط على إيران) وغيرها.
ومضى الباحث شارحا أنه “إذا كانت إسرائيل تسعى لضرب إيران، فهناك شكّ كبير بتوّفر خطة أهمّ من الوصول الى اتفاق تطبيع مع السعودية. لكن، بخلاف الماضي، فان الوصول الى اتفاق مماثل يتطلب تنازلات سياسية للفلسطينيين”.
واعتبر أنه “من دون هذه التنازلات، فان نافذة التطبيع ستغلق بما يرضي طهران والمحور كله. هناك أثمان باهظة للتنازلات للفلسطينيين، وسيتعين على حكومة إسرائيل أن تقرر إذا كان من الصواب تسديد هذه الأثمان من أجل الحصول على المكاسب المرافقة لها، بما في ذلك تشديد الضغط على إيران وصب الاهتمام الدولي عليها”.
من جهته، كتب المعلق السياسي في “معاريف” بن درور يميني، أن “الولايات المتحدة تريد الأفضل لإسرائيل، لكن المشروع السياسي الكبير لليوم التالي – وهو ربما القضية الأهم لمستقبل إسرائيل – هو التخطيط من دون الحكومة الإسرائيلية. وليس من المهم في الوقت الراهن إذا كانت الرؤية الأميركية، التي تتضمن التطبيع مع السعودية وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، والتي ستحكم أيضًا قطاع غزة، أمر ممكن أم لا. المهم هو أن سلوك “السيد إستراتيجية والسيد أمن”، السيد بنيامين نتنياهو، يحط من شأن إسرائيل إلى مستوى سياسي غير مسبوق. فهو يرفض الحديث عن اليوم التالي. لذا فإن الولايات المتحدة تتحدث. وهو لا يريد رؤية سياسية. لذلك تقدّمه الولايات المتحدة”.
وأشار إلى “أن استعداد إسرائيل للتوصل إلى تسوية تاريخية من شأنه أن يضمن لها وضعا سياسيا أفضل بكثير. والثمن سيكون وقف توسيع الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة. وهو ليس “ثمناً” بالضبط، لأن الولايات المتحدة تخشى، تماماً مثل محبي إسرائيل، خارج إسرائيل وداخل إسرائيل، من أن الحكومة الحالية تسرّع تحقق كابوس الدولة الواحدة، من البحر إلى النهر”.
واعتبر أن “على نتنياهو أن يقرر إذا كان يقف إلى جانب اتفاقيات إبراهام والتحالف الإقليمي المدعوم من الولايات المتحدة، أو إلى الجانب الذي يرقص على أنغام حماس، سواء كان مع الدولة اليهودية، أو مع الدولة ثنائية القومية. وعندما يحذّر نتنياهو، الذي وافق مرارا وتكرارا على الدولة الفلسطينية، من الدولة الفلسطينية، فإنه يعلن في الواقع دعمه لرؤية كارهي إسرائيل المتمثلة في إقامة دولة واحدة، من البحر إلى نهر الأردن”.
وخلص بن درور يميني إلى القول إن “إسرائيل تقف عند مفترق طرق. فهناك من ناحية، رؤية تحالف إستراتيجي إقليمي، بدعم أميركي، يشمل معظم الدول العربية، وهو تحالف يقوي إسرائيل ضد إيران وضد الإخوان المسلمين. ومن ناحية أخرى، رؤية كابوسية تؤدي إلى دولة واحدة ثنائية القومية، مع تعميق العداء بين إسرائيل وبين العالم الحر بأكمله بشكل عام، وفقدان الدعم الأميركي بشكل خاص. وبعبارة أبسط، ما دام نتنياهو رئيساً للحكومة، عليه أن يختار بين الاتجاه الأميركي، برغم كل عيوبه، وبين تحقيق رؤية حماس في تعميق الصراع. لقد هُزمت حماس في المعركة. لقد هُزمت إسرائيل وهي تُهزم على الجبهة السياسية. مازال بإمكانك الفوز في المعركة. ولكن من المشكوك فيه أن يكون نتنياهو، الذي نجح في جعل وضع إسرائيل الدولي أسوأ من أي وقت مضى، هو الرجل القادر على تحقيق النصر في المعركة الانتخابية”.