من البديهي أن تكون للعدو الإسرائيلي شبكات تجسس وتخريب في لبنان، كما في أي بلد عربي آخر، بعضها نائم وبعضها الآخر ناشط ، حسب مقتضيات السياسة الإسرائيلية، وبصيغة أوضح: حسب موقف الدولة العربية المعنية وتأثيرها على تلك السياسة.
من البديهي أيضاً أن تكون إسرائيل قد عززت شبكات التجسس والتخريب في لبنان، بعدما أجبرتها المقاومة الباسلة على الخروج مهزومة من الأرض اللبنانية المحتلة، بدماء مجاهديها وتضحيات الصامدين في أرضهم، وهي جليلة..
من البديهي أيضاً وأيضاً أن تكون لهذه الشبكات مهمة الاقتصاص من رموز المقاومة و تأديب المجاهدين، فضلاً عن هدفها الاستراتيجي الثابت والدائم وهو السعي لزعزعة الاستقرار في لبنان وخلق الفوضى ومحاولة إثارة الفتنة لتبهيت الانتصار بالتحرير، ولتشويه الدور الجهادي للمقاومة بتطئيفه، وتحريض المتضررين من التحرير، ممن فقدوا مكانتهم السياسية التي كانت تستند إلى الاحتلال أو تفيد منه، وبالمقابل لتعزيز حالة الانشقاق التي قد تسبّب بلبلة تجعل الوضع في لبنان مهزوزاً باستمرار.
ثم إنه من البديهي أن تكون إسرائيل قد أفادت إلى أقصى حد من هبة الغضب اللبناني الشاملة التي انفجرت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي توجهت ضد الإدارة السورية الرديئة للشأن اللبناني، وتلاقت مع ضغط دولي ثقيل الوطأة حتى اضطر الجيش السوري إلى مغادرة لبنان بشروط أقل ما يقال فيها أنها لم تكن تليق به أو بالعلاقة التاريخية بين الدولتين الشقيقتين اللتين كان الطموح يفترض أنهما تسيران في اتجاه التكامل.
الجديد والمفرح أن مخابرات الجيش اللبناني قد أحرزت نصراً مؤزراً بكشفها هذه الشبكة الخطيرة للموساد، التي توفرت أدلة كافية، بل قاطعة على أنها مسؤولة عن مجموعة من الاغتيالات التي استهدفت بالدرجة الأولى مجموعة من المجاهدين اللبنانيين، أولهم أبو علي حسن سلامة في عبرا (شرقي صيدا) وآخرهم أو نأمل أن يكون آخرهم المجاهدان الشقيقان نضال ومحمود المجذوب في قلب مدينة صيدا.
وهو أمر جديد، لأن الانقلاب الذي حدث في لبنان وكان بين شعاراته الأساسية ضرب النظام الأمني اللبناني السوري المشترك ، قد جعل الأجهزة عموماً في موقع المتهَم (بالفتح)، بل المُدان ليس فقط بالتقصير بل بالمساهمة أو بالتغطية على جرائم الاغتيالات التي توالت على امتداد الشهور الستة الأخيرة من السنة الماضية.
ولقد انعكس الانقلاب تضييقاً على الجيش عموماً، في موازنته وفي تأمين احتياجاته الدفاعية من أسلحة وتجهيزات، وتقتيراً على المخابرات في مخصصاتها الشحيحة أصلاً، بينما هي مكلفة أو أنها تكلف نفسها بمهمات وطنية تتطلب سخاء في الإنفاق (على تحديث أجهزتها وتعزيز شبكاتها).
ولربما فات الانقلابيين أن إسرائيل التي خرج جيشها مدحوراً من لبنان، ستضعه هدفاً لانتقامها، وستعبث بأمنه ما وسعها أن تعبث، فضلاً عن أنها ستحاول تصيّد كل من استطاعت الوصول إليه من المجاهدين أو من مسهّلي حركة المجاهدين… وأنها قبل هذا وبعده ستجتهد لزرع البلبلة في صفوف اللبنانيين، بالاتكاء على المشاعر الطائفية والمذهبية المستفَزة بجرائم الاغتيال، أو المستنفرة بعوامل الصراع على وراثة الوجود السوري تسلطاً وتحكماً وثأراً من الماضي.
ولأن الانقسام يوسّع أمام إسرائيل المساحة التي تتحرّك فيها مخابراتها للتخريب، فقد كان بديهياً أن تعمل بكل جهدها لتحويل الخلاف السياسي إلى طائفي فمذهبي، وتسعير هذا الخلاف، لتكون فتنةٌ.
إن الجلاء لم يعنِ أبداً أن إسرائيل قد نسيت لبنان أو أنها غفرت له مقاومته، أو أنها صفحت عن مجاهديه.
إن إسرائيل التي ما زالت تحتل فلسطين، لا تتوقف لحظة عن ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، لأنهم يتمسكون بفلسطينيتهم، ولا يتخلون عن أرضهم وهويتها… وبديهي أن تطارد بالقتل كل من قاوم احتلالها ونجح في إلحاق أول هزيمة حقيقية بجيشها الذي لا يُقهر.
إن إسرائيل، العدو الوطني والقومي، أمس واليوم وغداً، هي المعنية قبل غيرها بتحطيم المقدسات وإسقاط القداسات، ولو بالقتل.
تحية للجيش ومخابراته على هذا الإنجاز الكبير، الذي يضيف إلى إنجاز المقاومة بالتحرير ويحمي شرف لبنان، شعباً ووطناً، وهما من المقدسات.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان