طلال سلمان

نظرة إلى مستقبل الامة عبر سنوات الامل بالوحدة..

وعى جيلي الحياة والامة، امتنا العربية، تنبض بالثورة، وتقاتل من اجل تحرير الارض بالإرادة: صد العدوان الثلاثي على مصر ـ عبد الناصر في خريف 1956، ورفض حلف بغداد الذي اراد البريطانيون (ومن خلفهم الاميركيون) اقامته لعزل المشرق العربي (سوريا ولبنان والعراق الهاشمي ومعه الاردن الهاشمي ايضاً) عن مصر.

بعدها عشنا افراح عرس الوحدة وقيام الجمهورية العربية المتحدة من اندماج سوريا ومصر تحت قيادة جمال عبد الناصر، في ظل الخطاب ـ الوصية للرئيس السوري الراحل شكري القوتلي، والذي ينبه فيه إلى تأصل النعرة الانفصالية، وشراسة الانتماءات الطائفية والمذهبية والعنصرية، محذراً الرئيس عبد الناصر من خطورة هذا الانجاز التاريخي الذي لن تقبله القوى العظمى المهيمنة، بعد، على المنطقة، والقادرة على استثمار العيوب التكوينية في مقاتلة حلم الوحدة بالكيانية والاقليمية والطائفية والمذهبية، وكل ما يفرق في التكوين، بين مصر التي يوحدها التاريخ والجغرافيا وسوريا بشعبها واعراقه المختلفة والاديان والطوائف المتنابذة، والسير عكس التاريخ، بمعنى انه كان الأولى أن يستعيد المشرق العربي وحدته، فتقوم فيه دولة تجمع العراق (وضمنه الكويت) وسوريا (وضمنها الاردن)، ويراعى وضع الكيان اللبناني فيقوم بين دولة الوحدة وبين كيانه نوع من الاتحاد الفيدرالي.

كانت الحماسة طاغية، والفرح بإقامة دولة الوحدة كإنجاز تاريخي يأخذ الناس إلى الخدر في ظل الافتراض انهم قد نجحوا أخيراً في تحقيق أبهى احلامهم السنية.

الآن، ومن على بعد اثنين وستين عاماً عن تلك الايام النابضة بالأمل والمشعة بالفرح والتي كانت تمنح من عاشها الشعور أن بوسعه أن يطال بيديه القمر وان يلاعب النجوم وان يطالب الشمس بان تبقى لتشهد على قدرته على الانجاز.


الآن، تتبدى هذه الكلمات وكأنها أضغاث احلام او حديث خرافة وتخيلات.. لكن العديد من شهودها الذين رقصوا في افراح الانجاز وغنوا فاطربوا، يعانون الآن مرارة العجز، ويتهاوون امام الفرقة والانفصالية والطائفية والمذهبية وهي تنهش الاحلام والامنيات والصور الشاهدة على الامكان، بمعزل عن احكام التسرع والبناء على العاطفة بدلاً من الوقائع الصلبة، المكونات الموروثة وترسبات عصور الاستعمار في المجتمعات العربية، مشرقاً ومغرباً.

ما زال المصري يحن إلى “شام الله في ملكه”، وهو يتقبل ـ مشفقاً ـ السوريين الذين اخرجتهم الحروب الاهلية ـ العربية ـ الدولية من ديارهم إلى “ارض الكنانة” ليعيشوا فيها.

اما السوري، ومعه اللبناني والاردني ـ فهم “الشوام” بالنسبة لأهلهم في مصر، مع اعترافهم بالفروق المنطقية الناتجة عن الجغرافيا والتاريخ، والفصل الجغرافي ـ صحراء سيناء ـ ثم الفاصل السياسي ـ الحربي ممثلاً بالكيان الاسرائيلي الذي اقيم على حساب فلسطين وشعبها والامة جميعاً.

…وها هو الرئيس الاميركي الذي وصل إلى الرئاسة عبر المضاربة بأصوات الناخبين “يضارب” بفلسطين امام ثلاثة مناقصين من ممثلي اقطار عربية ما كان يمكن أن تكون دولاً لولا النفط الذي جعل الاستعمار، الجديد، أي الاميركي، يرعى تركة التقسيم التي حولت فيها بعض القبائل إلى شعوب وبعض الدساكر إلى دول نتيجة تفجر النفط في اراضيها او الغاز عند سواحلها.

.. ولقد تلقى نتنياهو مجهول باقي الهوية، الوافد إلى فلسطين من بعض اقطار اوروبا، نتيجة الاضطهاد النازي لليهود، حيث سيضطهدون ـ بدعم من الاستعمار البريطاني وتخاذل اهل النظام العربي ـ شعب فلسطين صاحب الارض والتاريخ.. المنتصر على الصليبيين، حامي القبلتين، باني المسجد الاقصى “الذي باركنا من حوله”..

تلقى نتنياهو الهدية، ملحا على اضافة “الاغوار” إلى الغنيمة، ليتباهى بان اضرحة ابطال الفتح بعنوان شرحبيل بن حسنة، رفيق خالد بن الوليد، باتت من “املاكه” وقد ورثها عن .. ترامب، في غياب اهلها العرب.


لقد أسمعت لو ناديت حيّاً … ولكن لا حياة لمن تنادي

اقله، حتى اشعار آخر!

وها هي جنبات الارض العربية تمور بالأمل، مشرقاً ومغرباً..

.. وقد تكون “صفقة القرن” التحدي الاعظم امام الامة لإثبات وجودها وقدرتها على التحدي والامساك بقدرها لتصنع غدها الافضل.

والامة قد تخسر معركة لكنها لا يمكن أن تخسر ذاتها وحقها في الحياة.

تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية

Exit mobile version