قطاع غزة ـ حلمي موسى
من الواضح أن إسرائيل تعيش هذه الايام حالة نشوة كبيرة جراء نجاح قواتها، وخصوصا اجهزتها الاستخبارية، في توجيه ضربات قوية لحزب الله. كما ان هذه الحالة تعود إلى نجاح الاستخدام الواسع لسلاح الجو في الضربات على حزب الله ومحور المقاومة، والقدرة على احتواء الضربات التي يوجهها الحزب ومحوره|، ومنع وقوع اصابات بشرية كبيرة في صفوف الإسرائيليين، مما زاد الثقة بالذات. وكان القصف المتكرر لليمن وللحدود السورية -اللبنانية وللحدود السورية -العراقية أن اعاد الاعتبار لمفاهيم الهيمنة والسيطرة الاقليمية في التصريحات الاسرائيلية. واكثر القادة السياسيون والعسكريون في الاسبوع الاخير من الحديث عن اعادة ترتيب المنطقة وإحداث تغيير استراتيجي بعيد المدى.
ولا بد من الاشارة الى أن هذا التحول السريع في المزاج والمفاهيم كان مطلوبا لليمين وللجيش الإسرائيلي بعد كارثة “طوفان الاقصى” في 7 اكتوبر. حيث قارن الاسرائيليون وضعهم اليوم بوضعهم في 7 اكتوبر من حيث العجز الاستخباري والشلل العملياتي والخيبة النفسية التي تعاظمت مع استمرار الحرب على غزة لمدة تقترب من عام دون نتائج ملموسة سوى الدمار وتعاظم الروح الانتقامية.
لقد بدت الامور وكأن اسرائيل ذاهبة الى زوال. فالعجز عن تحقيق اهداف الحرب واستمرار احتفاظ حماس بالاسرى رغم كل ما جرى خلق حالة انعدام ثقة ليس فقط بالقيادة السياسية وانما ايضا بالجيش. والجيش الاسرائيلي ليس مجرد جيش انه ايضا ايمان الاسرائيليين بقدرتهم على البقاء في هذه المنطقة. فهم خلافا لكل الشعوب يؤمنون بالتعبير التوراتي الذي يقول انهم بالسيف قاموا وبالسيف يعيشون.
وطوال العام الماضي كانت النظرة لهذا الجيش انه عجز عن حمايتهم في 7 اكتوبر وهذا نذير شؤم للمستقبل رغم كل ما يقوم به من تدمير لقطاع غزة.
وتعمل القيادتان السياسية والعسكرية، عبر وسائل الاعلام، على الايحاء بأن اسرائيل استعادت زمام المبادرة واظهرت قدراتها التكنولوجية المتفوقة وقدرتها،كما كانت على الدوام، على هزيمة كل اعدائها. وما تقوله القيادتان السياسية والعسكرية أن اسرائيل تخوض حاليا حربا على 7 جبهات وان يدها هي الطولى. وواضح أن اسرائيل في ادعائها هذا توجه رسالتها لايران. وتحاول الايحاء بأن ما اظهرته من اختراق لحزب الله له ما يعادله او يزيد من اختراق لايران.
ومن المنطقي الافتراض ان نجاحات اسرائيل في الاغتيالات في لبنان اظهر قدرات استخباراتية وتقنية بارزة بعد الفشل الاستخباراتيي الكبير في غزة. وهذا يشير الى أن اسرائيل واستخباراتها ليست كلية القدرة وأنها تفشل وتنجح وفقا للظروف والمعطيات. وبالتالي لا مغزى حقيقي لادعاء ابدية القدرة على تحقيق النجاح.
وتثبت المعطيات ان المقاومة، وخصوصا في لبنان،كانت ولا تزال الاقدر على التعلم من اخطائها. وقد شكل حزب الله مدرسة متقدمة في هذا الخصوص. كما لا بد من التذكير بأن حماس والمقاومة في غزة لم يولدا بالقوة والحجم الذي هما به، وانما بدأا صغارا وكبرا بالممارسة وتحت النار. وهذا ينطبق ايضا على حزب الله الذي بدأ بمجموعات صغيرة وانتهى الى ما هو عليه اليوم قوة اقليمية يحسب لها الف حساب. فهو بما يمتلكه من خبرات وتاريخ قادر على تجاوز محنته والتعلم من اخطائه والعودة بقوة الى ميدان لا يزال بأمس الحاجة اليه.
ان نشوة اسرائيل يمكن ان تكبر خلال الايام والاسابيع المقبلة، لكن مصيرها هو الاصطدام بالواقع. فالمقاومة في لبنان وفي فلسطين تعاطت مرارا مع الجيش الاسرائيلي وهزمت نظرية “الجيش الذي لا يقهر”. الجيش الاسرائيلي يقهر بقوة معرفة نقاط ضعفه وطريقة عمله وتقنيات سلاحه وحركته وسبل تلافي عوامل قوته. وهذه كلها وسائل مجربة ليس فقط في منطقتنا وانما في العالم اجمع. وطبعا يضاف الى ذلك ارادة نابعة من ايمان بطريق الحق وقدرة على الفعل واتخاذ القرار السليم والحكيم المبني على وحدة الشعب والارادة.
ان نشوة اسرائيل مؤقته وقدرتها “على اعادة ترتيب المنطقة استراتيجيا” ولت منذ زمن بعيد. واذا كانت حرب لبنان الاولى بدأت بوهم القدرة على تغيير الوضع الاستراتيجي في المنطقة (وفق رؤية شارون) فإن الحرب الحالية أعجز عن تغيير الوضع الاستراتيجي وفق رؤية نتنياهو.
يكفي القول بأن اسرائيل نتنياهو تحاول الحلول مكان امريكا والغرب كقوة ترسم معالم المنطقة وهي تتخلى عن دورها الطبيعي كأداة لامريكا والغرب .وهذا الموقف سيصطدم بالموقف الامريكي الذي لا يزال خانعا. وليس صدفة تكرار الادارة الاميركية الديمقراطية ايمانها بأن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع في الشرق الاوسط. كما أنه ليس صدفة ان ترامب نفسه اعلن تأييده لاتفاق نووي جديد مع ايران. وربما ان هذا يعني رفض امريكا تحقيق حلم نتنياهو بشن حرب ساحقة ضد ايران.