غزة ـ حلمي موسى
اليوم الحادي عشر بعد المئة. غدا يوم قرار “محكمة العدل الدولية”، والأمل كبير بأن تنتصر المحكمة للحق الفلسطيني وتعلن وجوب وقف النار فورا لمنع استمرار الإبادة الجماعية لشعبنا. ويعد قرار مماثل خطوة على طريق النصر.
**
غدا، بعد الظهر، من المقرر أن تصدر “محكمة العدل الدولية” في لاهاي قرارها بشأن الطلب العاجل لوقف استمرار جريمة الإبادة الجماعية في غزة. وتأمل جنوب افريقيا، باسم العدالة الدولية، أن يكون القرار لصالح وقف فوري للنار. ويشاركها الأمل بوقف حمام الدم الناجم عن الجريمة المتواصلة، الشعوب العربية كلّها، وأنصار العدل في العالم.
ويواجه حكّام العدو، إلى المحكمة، أشكالا مختلفة من الأزمات، بعضها داخلي وبعضها اقليمي وآخرها دولي. وفي مقدمة هذه المصاعب توتر العلاقة الإسرائيلية مع الوسطاء، وفي مقدمتهم كل من مصر وقطر.
وتحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تعمّق الأزمة بين إسرائيل وبين مصر. وذكر التلفزيون الإسرائيلي أن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو طلب مهاتفة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلا أن الطلب رُفض حتى الآن.
وأشارت القناة 13 التلفزيونيّة الى أن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية تقدم بطلب، عبر هيئة الأمن القومي، لتنسيق مكالمة بين نتنياهو وبين الرئيس المصري – لكن المصريين لم يستجيبوا للطلب. ويأتي هذا الرفض على خلفية الخلاف العميق بين الطرفين حول التحرك المحتمل على محور فيلادلفيا وفي رفح.
وكانت المحادثة الأخيرة بين السيسي وبين نتنياهو قد جرت في حزيران الماضي، بعد ثلاثة أيام من الهجوم على الحدود المصرية.
ومعروف أن هناك خلافا كبيرا بين مصر وبين الكيان الصهيوني حول “مسار العمل” الإسرائيلي، وهو ما يظهر بوضوح في محور فيلادلفيا الذي يفصل مصر عن غزة.
ويقول ضياء رشوان، مدير المكتب الإعلامي الحكومي المصري، إن أي تحرك إسرائيلي لاحتلال محور فيلادلفيا سيؤدي إلى تهديد خطير للعلاقات بين الدولتين.
واعتبر مسؤول مصري، في حديث لصحيفة “العربي الجديد” القطرية، أن “نتنياهو لم يعد يشكل خطرا على العلاقات بين مصر وإسرائيل، لكنه يشكل خطرا على المنطقة بأكملها”، مضيفا أن “نتنياهو يسعى بشكل يائس للحفاظ على مستقبله السياسي، أو بشكل أكثر دقة – لإبعاده عن المقصلة”.
وكانت القاهرة قد أعربت عن غضبها الشديد عندما ردت اسرائيل في محكمة العدل الدولية على اتهامها بمحاصرة غزة بالقول إن مصر هي التي تتحكم بعبور الأفراد والبضائع الى غزة، وليست اسرائيل. ويشكل هذا الادعاء أحد أركان تنصل الاحتلال من المسؤولية عن انتشار المجاعة في غزة والقائها على مصر.
كما أن مصر كانت قد أبدت مخاوفها من مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة الى سيناء، وهو مخطط ظهر بوضوح ليس من خلال الضغوط العسكرية فحسب، وإنما أيضا التصريحات السياسية لكبار قادة الكيان.
ويبدو أن إسرائيل تتعمد في ظل الحرب، ولأسباب مختلفة، تعميق خلافاتها مع المحيط العربي وخصوصا مع الوسطاء من بينهم. وتعتبر قطر نموذجا آخر.
وأشارت الصحافة الإسرائيلية إلى بروز أزمة مع قطر في حمى المفاوضات بشأن تبادل الأسرى. واتهمت قطر نتنياهو رسميا “بإحباط جهود الوساطة لأسباب سياسية”.
وبحسب موقع “والا” الإخباري، هاجمت الدوحة نتنياهو بسبب الانتقادات التي وجهها لقطر خلال اللقاء الأخير مع أهالي الأسرى الإسرائيليين.
وأدان المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري تصريحات نتنياهو بشدّة معتبرا أنها “غير مسؤولة، وتضر بالجهود المبذولة لإنقاذ أرواح الأبرياء”، وذلك على خلفية السعي لتحقيق اختراق في المفاوضات مع “حماس” حول صفقة جديدة لإطلاق سراح الأسرى.
ويزعم مسؤولون إسرائيليون كبار أن قطر لم تبذل جهودا كافية للضغط على “حماس” لكي تكون “مرنة” وتوافق على الصفقة.
وإذا لم يكن ما سلف كافيا، فإن الخلافات تحتدم أيضا بين كل من إسرائيل والأردن على خلفية الحرب والخشية من التهجير.
إلا أن علاقات العدو لا تشهد توترا مع الدول العربية فحسب، بل أيضا مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبيّة. فبالإضافة إلى التصريحات المناهضة لإسرائيل التي صدرت عن حكومات ووزراء في كل من بلجيكا وإسبانيا وإيرلندا، وحتى في فرنسا وغيرها، هناك أزمة جديدة تتشكل مع الإدارة الأميركية.
وإلى الخلافات الظاهرة بين الولايات المتحدة وبين كيان الاحتلال والمتعلقة بالحرب و”اليوم التالي” وحل الدولتين، إلّا أنّ الأمور لا تقف عند هذا الحدّ. إذ يبدو أن واشنطن تخطط لسحب قواتها من سوريا وإعادة تموضعها في العراق.
وذكرت مجلة “فورين بوليسي” أن الولايات المتحدة تفكر في الانسحاب من سوريا جراء التوترات الحالية في المنطقة.
أضافت أنه “بعد 7 اكتوبر، والحملة العسكرية الإسرائيلية اللاحقة على قطاع غزة، بلغت التوترات والعداء في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ذروتها. ومع أزمة إقليمية معقدة كهذه، والادعاءات العديدة حول الممارسات الإسرائيلية في القطاع، تتلقى حكومة الولايات المتحدة انتقادات شديدة لدعمها إسرائيل، وربما تعيد النظر في أولوياتها العسكرية في المنطقة.”
وبحسب التقرير، فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن “تدرس الانسحاب من سوريا. وعلى الرغم من عدم اتخاذ قرار نهائي بالمغادرة، قالت أربعة مصادر في وزارتي الدفاع والخارجية إن البيت الأبيض لم يعد مهتمًا بالحفاظ على المهمة التي يعتبرها الآن “فائضة عن الحاجة”.”
وتابع أنه “بالإضافة إلى ذلك، هناك مزاعم بأن القواعد الأميركية في سوريا تعرضت للهجوم مرات عدة في الآونة الأخيرة – وهو ما يعد سببًا آخر لمغادرة البلاد.” وبحسب المجلة، فإن “مناقشات داخلية نشطة تجري هذه الأيام لتحديد كيف يمكن أن يتم الانسحاب ومتى”.
وعلى الرغم من التأثير الكبير الذي سيتركه الانسحاب على اسم الولايات المتحدة وحلفائها، وعلى الأزمة المشتعلة التي لم يتم حلها في سوريا، إلا أن الانسحاب، بحسب مصادر المجلة، سيكون أيضًا “هدية لداعش”، فقد “صبّت الحرب في غزة، والأزمة الإقليمية المشتعلة الزيت على النار وخلقت فرصًا للجماعة الإرهابية لاستغلال الوضع لصالحها”.
وإذا لم يكن ذلك كله كافيا، هناك تصريحات رئيسة وزراء إيطاليا ضد نتنياهو، اذ ردت على أسئلة المعارضة بشأن موقف الحكومة مما يحدث في الشرق الأوسط قائلة إن “للفلسطينيين الحق في دولة ذات سيادة بينما نتنياهو يعارض الدولة الفلسطينية”.
وكتبت صحيفة “معاريف” أنه بعد تقريرها السابق عن تغير اتجاه القيادة الإيطالية المتعلّق بالحرب التي تشنها إسرائيل في غزة، أعلنت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجا ميلوني، المرتبطة باليمين الإيطالي، وهي من المعجبين بنتنياهو، أن “رئيس الوزراء نتنياهو يخطئ وأنا لا أتفق معه. من حق الفلسطينيين أن تكون لهم دولتهم ذات السيادة، بينما نتنياهو يعارض إقامة دولة”.
أضافت ميلوني أن الحكومة “تعمل على توفير مساعدات إضافية لغزة. وسنقوم بإحضار أطفال غزة الذين يحتاجون إلى العلاج الطبي إلى المستشفيات في إيطاليا”.
ومن المتوقع أن يصل وزير الخارجية الإيطالية أنطونيو تاجاني إلى الكيان غدا. وتأتي زيارته على خلفية التوترات التي خلّفها تصريحه يوم السبت الماضي، بأنه منذ 7 أكتوبر اتخذت الحكومة الإيطالية قرارًا بعدم تسليح إسرائيل.
ويقف خلف تصريح وزير الخارجية القانون الإيطالي الذي تم إقراره في البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يمنع إيطاليا من بيع الأسلحة إلى دولة في حالة حرب.
ومع ذلك، وقبل حوالي عامين، وجد البرلمان الإيطالي حلاً تشريعيًا سمح له بالتغلب على هذا القانون من خلال قرار خاص للبرلمان أعطى إمكانية إمداد أوكرانيا بالذخيرة وهي في حرب مع روسيا.
وأثار كلام تاجاني الذي ينتمي إلى حزب يمين الوسط “فورتزا إيطاليا” غضبا شديدا بين الناشطين المؤيدين لإسرائيل في ايطاليا.
وكل ذلك ما هو إلا غيض من فيض مما يدور في الساحتين الإقليمية والدولية وينبئ بتغييرات جوهرية في المستقبل، الذي نأمل ألّا يكون بعيدا.