لم تكن الولايات المتحدة الأميركية بحاجة إلى »تغطية« إجماعية وعلنية من دول المؤتمر الإسلامي التي يلتقي وزراء خارجيتها في الدوحة، بقطر، في اجتماع استثنائي اليوم… ربما لهذا استبقته بمباشرة حربها ضد الطالبان في أفغانستان واثقة من أن أصوات الاعتراض ستكون خافتة، إن وُجدت، وان الأعظم تطرفاً في احتجاجه سيكتفي بالتنبيه إلى ضرورة حماية »الأبرياء من المدنيين«!
واشنطن تعرف أصدقاءها جيداً، وهي قد أراحتهم حين حددت عدوها (الأول) وأصدرت حكمها بإعدامه، ثم استحصلت على تغطية من الشرعية الدولية ممثلة بمجلس الأمن، بينما كانت تنهال عليها رسائل التضامن والتأييد والتحريض (وقد بلغت حد التبرع بالدم الرئاسي في بعض الحالات)، مما مكّنها من إطلاق »نسرها النبيل« ليشن »حرب العدالة بغير حدود« في عالم مفتوح تماماً أمام جناحيه المن نار!
لكن هذا المؤتمر الذي ينعقد في ظل الإحراج أكثر منه في ظل الاحتجاج، سيجد نفسه أمام مهمة خطيرة لم يكن قد استعد لها وهي تغطية أو تبرير أو تشريع الضربة الثانية للهدف الثاني على قائمة الأهداف الأميركية والذي تكثر التلميحات الرسمية إلى أنه سيكون »عربياً«.
إنه لا يملك أن يوقف الحرب التي تلتهم بنيرانها الآن، أمام ناظريه، أفغانستان الفقيرة حتى الإملاق، والمسحوقة بالتخلف حتى الغربة عن العصر…
لكن هذا المؤتمر الواسع بأكثر مما تحتمل الجدية، والمتعدد اللغات والاتجاهات والأهواء بأكثر ما يمكِّن من اتخاذ قرار حاسم ورادع، سيتحمل مسؤولية تاريخية عما سوف يقع بعد اليوم من حروب أميركية غربية ضد بلاد العرب والمسلمين.
إنه مطالَب بإنجاز محدد هو رسم الخط الفاصل بين المقاومة المشروعة، والمطلوب حمايتها ومساعدتها لتحقيق النصر العادل في تحرير المحتل من أراضي الشعوب المقهورة، وأول الأمثلة وأقدسها فلسطين، وبين الإرهاب الذي كان وما زال الكثير من العرب، شعوباً ودولاً، بين ضحاياه على امتداد دهور، يستوي في ذلك إرهاب الدولة، كما تمارسه إسرائيل، أو إرهاب التطرف والسلفية والظلامية الذي طالما رعته ومولته وحمته الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا… وقبل أفغانستان ثمة أمثلة كثيرة أما بعدها فإن الأمثلة لا تقع تحت حصر: من الجزائر إلى اليمن!
إن أسلحة الدمار الشامل التي تسحق أفغانستان الآن، تحيط بالأرض العربية إحاطة السوار بالمعصم، من بحر العرب إلى المحيط الهندي، ومن البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر عبر قناة السويس… وثمة تحريض علني ضد العراق بالذات، وربما ضد دول عربية أخرى. وثمة محاولات حثيثة وخبيثة من إسرائيل، وربما تركيا، وبعض الأصوات الهندية، لتعميم تهمة الإرهاب على كل المقاومين والمجاهدين والمحرومين من حقوقهم في أرضهم، وبالمصادفة (!!) فإن معظم هؤلاء من العرب والمسلمين!!
وثمة خوف من أن تأخذ بالمؤتمرين عقدة ذنب، انطلاقاً من الاتهام الشائع والمعمّم بأن منفذي التفجيرات في نيويورك وواشنطن، هم بأكثريتهم المعلنة؟! من العرب أساساً، ومعهم بعض المسلمين، فيحاولون استدرار الرضا بإطلاق سيف الانتقام الأميركي (البريطاني) ضد أي »هدف« يختاره لأسباب تتصل بالمصالح (من نفط وموارد طبيعية، سواء في أرض العرب أو في بحر قزوين أو في آسيا الوسطى) وليس بالإرهاب… ويكون عليهم بالتالي أن يخضعوا للابتزاز الأميركي البريطاني (والإسرائيلي) في موضوع فلسطين. وينتهي الأمر بأن نبيع حقوق شعب فلسطين بجلد »دب الإرهاب« الذي سيكون من مصلحة الأميركيين إطالة عمره لأطول فترة ممكنة بوصفه استثماراً أين منه المعادن الثمينة وكنوز الأرض جميعاً!
إن المؤتمرين بمجموعهم ومع استثناءات محددة ومحدودة هم من مؤيدي السياسة الأميركية ظالمة أو مظلومة، وهم معها في السلم وفي الحرب، خصوصاً إذا كان قد أحسن تبريرها بالإرهاب وبالشعار العبثي الذي لا يقره الإسلام أو أي دين آخر.
والخوف أن ينتهي المؤتمر بصك براءة للأميركيين (والبريطانيين) ينفعهم في ضرباتهم المدمرة الأخرى لبلدان أخرى غير أفغانستان.
إن المؤتمرين من العرب لا يحتاجون إلى أدلة على براءتهم من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وسليمان أبو غيث، وكذلك فإن المسلمين سبق لهم أن جهروا باعتراضهم على حكم طالبان في أفغانستان، الذي قام على قاعدة أميركية جدرانها باكستانية وسقفها (المالي) هو الأقرب من بين العرب إلى المخابرات المركزية الأميركية.
إنها، حتى هذه اللحظة، حرب بين »الوحش« و»خالقه« الأميركي، في جانب منها، وإن كان ضحيتها شعب أفغانستان. وليس مطلوباً من العرب أن يتنصلوا من بن لادن، ولكن المطلوب ألا يأخذهم الخوف إلى التنصل من قضاياهم الحقة، وفي طليعتها فلسطين، ثم ما يتصل بحقوق سوريا ولبنان في إجلاء المحتل الإسرائيلي عن أراضيهما.
إن المشاركين في المؤتمر »أطراف« في الحرب، شاؤوا ذلك أم رفضوه، وهم متضررون منها، حتى لو افترض بعض سلاطينهم ان القضاء على »الإرهابيين« في أفغانستان سيريحهم حيث يحكمون في عواصمهم البعيدة.
وهم بهذه الصفة ومن هذا الموقع يستطيعون منع الضربة الثانية لأي من المشاركين في هذا المؤتمر الذي يخضع لإرهاب استثنائي.
كذلك فإنهم يستطيعون لمرة بلورة موقف تأييد جدي وفعال لقضية فلسطين ولشعبها الذي يخضع لحرب إسرائيلية مفتوحة من طرف واحد.
ومثل هذا الموقف أكثر من ضرورة حتى لا تتحول الحرب الإسرائيلية ضد فلسطين إلى حرب أهلية بين الفلسطينيين، شعبا وسلطة…
ثم انها فرصة تاريخية قد لا تتكرر: أن ينتزعوا من الأميركيين أقل القليل من حقوقهم عليهم، ومن مساندتهم لحروبهم كما لاقتصادهم ورفاه مجتمعهم الأعظم تقدماً وغنى في هذا الكون.
وتبقى ملاحظة أخيرة: من الضروري تحصين دور سوريا، التي ستكون ممثل العرب في مجلس الأمن الدولي، غداً، بدلاً من إحراجها بتحميلها عبء موقف رخو لا يحفظ حقاً ولا يحمي قضية ولا يمنع ظلماً واقعاً أو قد يقع غداً.
إن المؤتمر مؤهل لأن يتجاوز دوره إذا ما عرف كيف يحمي بعض أعضائه من مخاطر الضربة الثانية التي بعكس الأولى تحتاج إلى »ختمه« الشرعي، ولا تكون بغيره… ثم إذا عرف كيف يستخلص لفلسطين بعض الحقوق التي هدرت في الطريق إلى أفغانستان!
وشرط هذا كله أن يستطيع وزراء الخارجية العرب التوافق على حد أدنى »لائق«، وهم الذين »خافوا« من التلاقي في إطار جامعة الدول العربية تحاشياً للانقسام على ما يفترض أن يوحدهم بالخطر!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان