من له الحق بمحاسبة الفتى من جنين الذي أعطاه أهله اسم سامي سميح حمد، وأعطاه الاحتلال الإسرائيلي الحق (الوحيد!) في الاستشهاد، عندما منع عنه كل حقوق الحياة ولو بحدها الأدنى اللائق بكرامة الإنسان في القرن الحادي والعشرين؟!
يعرف سامي سميح حمد، بحكم تديّنه، أن قتل النفس حرام، وأن قتل الناس بغير حق حرام تعاقب عليه قوانين الدنيا، فضلاً عن أنه سيحاسب عليه في الآخرة.
ويعرف سامي سميح حمد أن عملية كالتي نفذها في قلب مطعم في تل أبيب ليست أفضل سبل الجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأن رد المحتل عليها سيكون قاسياً جداً، وأن أهله والكثير من صحبه وخلانه وأحبابه قد يكونون من بين ضحايا رد الفعل الإسرائيلي، قتلاً وسجناً وتعذيباً وتهديماً للمنازل وإذلالاً لكل من أحب في جنين التي صارت منذ زمن جلجلة مثلها مثل الخليل ونابلس وطولكرم وقلقيلية وبيت لحم والقدس: تمشي مكبلة ومثقلة بآلامها إلى المصير الذي قرّره لها الاحتلال، بينما العالم يتفرج ولا يتحرك لمنع الجريمة.. بل إنه لا يسمع شكوى الضحية من قبل الإدانة! فقبل يومين فقط منع المندوب الأميركي مجلس الأمن الدولي من النظر، النظر فقط، في آخر شكوى فلسطينية حول حصار التجويع وتحقير الديموقراطية التي التزم بها الشعب الفلسطيني المصادَرة أرضه والممنوعة حكومته من أن تكون حتى سلطة بلدية .
والحقيقة هي أن السلوك الوحشي الإسرائيلي في تعامله مع الشعب الفلسطيني، وسياسة الأرض المحروقة التي يعتمدها معززة بالتأييد الأعمى يجيئه بغير طلب من الإدارة الأميركية ومن معها من دول التحالف ، كل ذلك يجعل الموقف المبدئي من العمليات الفدائية التي يتعذر عليها الوصول إلى هدفها العسكري فيفجّر منفذوها أنفسهم حيث يتمكّنون وليس بالضرورة حيث يقصدون، ترفاً لا تسمح به ظروف الحصار التي تفرض على كل فلسطيني الخيار بين أنواع من الموت ليس إلا: الموت جوعاً، أو الموت في المعتقلات والسجون، أو الموت في عملية مطاردة، أو الموت تحت ركام منزله المنسوف، أو الموت بحسرته وهو يرى أرض وطنه تؤخذ منه بالقوة لتبنى فوقها المستعمرات لوحوش المستوطنين المستقدمين من أربع رياح الأرض ليلغوه، أو وهو يرى جدار الفصل العنصري يمتد فوق أجداث أجداده وفوق بيت أحلامه، وهو لا يقوى على وقف تقدم الجرافات أمام توسلات أمه وبكاء أبيه العجوز وعويل إخوته وإخواته وهم يرون طيف الوطن يغوص عميقاً ولا من ينقذه.
على الموقف المبدئي أن يحاسب سامي سميح حمد باعتباره ميتاً بل مقتولاً من قبل أن يتناثر جسده مع الشظايا، بل شظايا قاتلة.
أفلم تقتل إسرائيل كل الاتفاقات المعقودة (بالإذعان) مع السلطة بدءاً باتفاق أوسلو الشهير، مروراً بما تمّ في العديد من القمم المتنقلة من كامب ديفيد إلى شرم الشيخ، فإلى خريطة الطريق ، فضلاً عن عروض السلام العربية التي أعطت من فلسطين من دون أن تأخذ من إسرائيل؟
أفلم تعلن إسرائيل على الفلسطينيين حرب القتل جوعاً، وهي تصادر مستحقات السلطة من ضرائب ورسوم تفرضها على صادراتها.. من إسرائيل؟
أفلم تفرض إسرائيل الحصار بالنار على غزة التي تسهر ليلها تحت القصف لا يؤنسها في عتمة الموت إلا عويل سيارات الإسعاف وهي تحاول جمع الأطراف المتناثرة للصبية والفتيات المقتولين بجريمة أنهم وُلدوا في فلسطين، وكانوا سيصيرون رجالاً ونساءً فلسطينيين؟!
ما هو الخيار المفتوح أمام الفلسطيني، في هذه اللحظة؟
إن محاسبة سامر سميح حمد لا يجوز أن تتم من خارج الظروف التي فرض عليه أن يعيش في إسارها، وهي ظروف لا تسمح له بأن يختار طريقة موته.. فكيف بحياته؟!
هو مقتول مقتول، مقتول…
وكل ما فعله أنه اختار: أين وكيف ومتى؟
ومن كان يستطيع أن يقدم لسامي خياراً آخر فليتفضل بإعلانه، قبل الحكم بإعدامه مرة أخرى… وقبل أن ينفذ مقتولون مثل سامي عمليات أخرى!
مع جزيل الاحترام للموقف المبدئي من مبدأ القتل العشوائي.
فمن حاسب على القتل اليومي المقصود يحق له إدانة إقدام سامي حمد على عمليته العشوائية بموقعها وتوقيتها وأهدافها.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان