كلما سقط شهيد جديد على ارض فلسطين المحتلة تأكدت فداحة الخطأ السياسي القاتل الذي ارتكبه صدام حسين بغزو الكويت، في مثل هذه الأيام من العام 1990.
ما كان أرييل شارون ليتمكن من إغراق فلسطين بدماء ابنائها، بل ولعله ما كان ليصل الى السلطة في اسرائيل، لولا ذلك الشرخ الذي مزق ما كان تبقى من أواصر القربى وروابط المصير المشترك، وقسم العرب عربين، وجعلهم »أمما شتى«، والذي كانت »غزوة صدام« سببه المباشر، ثم التبرير الدائم بالصح والغلط لكل التداعيات المدمرة والانهيارات المتلاحقة التي كادت تذهب بمناعة الأمة فضلا عن ايمانها بنفسها وبعدالة قضاياها، وعنوانها فلسطين.
لا يمكن الفصل بين حالة العجز العربي المطلق عن مواجهة مسؤوليات المصير، وبين ما كان في آب 1990 ثم ما تداعى بعده، وصولا الى »حرب التدخل الدولي« التي اسقطت صورة العرب »كمشروع مجتمع«، وألغت تأثيرهم السياسي »كمجموعة«، وصار الهم الأساسي فض الاشتباك في ما بين »دول الضد« وتلك التي شاركت في الحرب التي انتهت بهزيمة العراق وفرض الحصار عليه.
انقلبت الاحلام الى كوابيس، وصار الكلام عن وحدة الموقف او وحدة الهدف او المصالح المشتركة، او حتى التضامن، مطلبا عزيزا تحول دون تحقيقه الجراح الغائرة والاحقاد التي تجاوزت مخاصمة حاكم الى معاداة شعبه، ومن قطع العلاقة مع الشقيق الى الالتجاء الى العدو في بعض الاحيان طلبا لنصرته ولو على حساب الامة كلها.
لقد نالت اسرائيل »تبرئة« لا تستحقها، فتجاوز بعض العرب حقيقة عدائها المطلق للعرب ككل، وعنصريتها المعلنة، وتهديدها المفتوح لمستقبلهم فضلا عن حاضرهم، تحت لافتة النكاية او حماية الذات ولو »بعدو عدوي« او »بصديق صديقي«، وهو ايضا في منزلة العدو.
إن العرب المنقسمين على أنفسهم الى حد الاحتراب، قد فقدوا الحد الادنى من قدرتهم على التأثير، لكأنما ألغى بعضهم البعض الآخر، فصارت اسرائيل هي السيد الاقليمي المطلق في المنطقة، تكاد تقرر لهم مصائرهم تحت مظلة الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية.
إن اسرائيل تقاتل العرب بعجزهم، وتقاتل الفلسطينيين بتخلي العرب عنهم، وتستقوي على الجميع بغض النظر عن موقعهم في حرب التدخل الدولي. والولايات المتحدة انقلبت على الذين شاركوا معها في تلك الحرب تحت ضغط القصور عن منع الغزو ثم عن تسوية الخلاف بغير حرب، فأدارت ظهرها لمؤتمر مدريد وعملية السلام، وتنكرت »للضمانات« التي قدمتها، ثم انسحبت من دور »الوسيط النزيه« بعدما اطمأنت الى ان اسرائيل أقوى من أن تُهزم، والعرب أضعف من أن ينتصروا.
صار للعرب قضية بديلة عن قضيتهم الاصلية، وصار »العراق« يحل محل »فلسطين« في العديد من الحالات، ويحل محل »إسرائيل« في معظم الحالات.
ولا مجال للعودة الى فلسطين إلا بطي صفحة الحرب مع العراق، خصوصا وقد باتت حربا لحساب الآخرين، وليس لحساب أي طرف عربي، ثم انها قد غدت حربا ضد شعب العراق لا ضد حاكمه.
لا يعني هذا الكلام، بأي حال، تبرئة صدام حسين، المطالَب اليوم وغدا بالاعتذار وبالتخلي عن احلامه الامبراطورية، بل يعني ضرورة إنهاء العوائق التي تمنع نجدة فلسطين، ومن قبل: ضرورة رفع العقوبة المزدوجة عن شعب العراق الذي نال من حكم صدام حسين فوق ما أصاب شعب الكويت من البلاء.
إن أرييل شارون يكمل مذبحة صبرا وشاتيلا ولو بالتقسيط، ويهدد لبنان وسوريا، وينشر خيمة من الرعب فوق البلاد العربية جميعا.
والولايات المتحدة الاميركية وصلت بها الاستهانة بالعرب الى حد تكليف المخابرات المركزية بقضية فلسطين، وامتنعت عن التدخل ولو لوقف المذبحة ضد الفلسطينيين.
ولا بد من وقفة مع الذات في مواجهة خطر التفتت وخسارة المستقبل.
والمدخل للوقفة مع الذات، مراجعة الاخطاء التي ترتبت على خطأ صدام، ومحاولة تجاوزه لحماية المصير… الواحد.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان