انتهى المسلسل النيابي الذي تمّ مطه فأُطيل عمداً، وأضيفت إليه حلقات، على عجل، لعله يشغل الناس عن همومهم الثقيلة، أو لعله يمتص شيئاً من التشققات والتعارضات التي ظهرت في قمة السلطة، سياسياً، وعلى مستوى »الجمهور« شعبياً، متخذة مناحي طائفية ومذهبية.
الخاتمة سعيدة، كما في الأفلام العربية والمسلسلات المكسيكية: فازت الحكومة بغير أن يخسر المجلس الذي يستحيل عليه الربح، واستفاد النواب من المنبر المتاح لقول ما »يفش الخلق« من دون أن يبدل في واقع الأمر شيئاً، ويمكنهم الآن أن يرتاحوا طيلة الصيف بعدما أدوا قسطهم للعلى.
المفارقات عديدة: مدة قياسية في طولها وفي تهافت مطالعاتها، إجمالاً، لمناقشة موازنة محدودة ويتعذر تعديل أرقامها لضيق ذات اليد… وفي حالات كثيرة لم يكن من السهل التمييز بين الوزير وبين النائب، إذ ضاعت الحدود بين الحكومة التي تكاد تختصر النواب وبين المجلس الذي يكاد يكون بكتلته العظمى ممثلاً في الحكومة التي يفترض فيه أن يحاسبها، على ما يعرف أنه لا يملك ولا هي تملك أن تعدله أو تجتهد فيه، لأن الأرقام تحكم الجميع.
المفارقة الثانية أن النقابات التي يفترض فيها أن تعكس مطالب العمال وصغار الكسبة، تبدت وكأنها قد باتت أضعف من أن تحمل مطالب الفئات التي يفترض أنها تمثلها… وخصوصاً أن الحدود ضائعة بين النقابات (ومعظمها مستولَد ومهجَّن ومستنبَت ومستنسَخ) وبين النواب ومن ثم الوزراء الآتين من الكتل ذاتها.
ثم إن الموازنة مستهلَكة سلفا، ولا تتحمل أية إضافة إلا بزيادة الدين.. أي بزيادة العجز!
لا حدود واضحة، إذاً، بين الحكومة والمجلس والنقابات، وهذا ما يتسبّب في المشهد الكاريكاتوري في بعض وجوهه، والمأساوي في بعضها الآخر، للمعتصمين متعددي المشارب والأهواء أمام باب البرلمان، والذين حاول بعضهم اقتحام بوابات المبنى ذي الحصانة، والذين حمل بعضهم »المعارضة« داخل المجلس، وبعضهم الآخر المعارضة داخل الحكومة.
ولأن الناس يعرفون الكثير من حقائق الوضع الاقتصادي المأزوم، وربما أكثر مما يعرف العديد من النواب، أو أقله أكثر مما قاله معظم الذين تكلموا، فلقد كانوا يتمنون لو أن النقاش كان أصرح، وبالوقائع، ليعكس الإحساس بالمسؤولية، وليُشرك الناس في هذه المسؤولية.
لقد أثيرت قضايا كثيرة، وبينها ما هو مهم جدا، وكذلك منها ما يتعدى الموازنة الى الحريات العامة، كالتنصت، ومنها ما يتصل بالمال العام، كالاتصالات الدولية المنهوبة، لكن معظمها ظل بلا حل، إما بالإرجاء وإما بالتمييع، وإما بتعديل في جدول الأعمال.
لم يكن الناس ينتظرون المعجزات، لكن طول مدة المناقشات لا يعكس بالضرورة جديتها، ولا يعكس بالخصوص توافر الحلول.
والمسائل التي تُحرك الناس ما تزال في الشارع الذي سيعودون إليه بالتأكيد غاضبين، ومن خارج الأطر الرسمية (المجلس، الحكومة، والنقابات)، ما لم تبادر الحكومة، الآن وقد »اطمأنت إلى مصيرها«؟! إلى معالجة أكثر جدية وأكثر جذرية، ولو كانت قاسية.
فالقليل من القسوة مع الكثير من الحسم، يوفران هزات وتفجرات خطيرة، أوحت بها بعض المناقشات النيابية بأكثر مما أثارته المطالب النقابية.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان