طلال سلمان

ما بعد انتخابات بقانون ستين

تمت الانتخابات العالمية للمجلس النيابي الجديد على قاعدة «قانون الستين» اللاغي للديموقراطية: تجرّد اللبنانيون من شبهة المواطنة التي يفترض أنها «تساوي» بينهم، ولو نظرياً، واندفعوا إلى صناديق الاقتراع بحماسة الذاهب إلى المعركة الفاصلة في حرب تقرير المصائر التي يتابعها بعض الشرق وكل الغرب وكأنها «الساعة الصفر» لتاريخ جديد!
تصرّف اللبنانيون الذين يتعرّضون لضغوط هائلة ومعها إغراءات تتجاوز أي تقدير لكي يخرجوا من وطنهم وعليه «لاجئين» إلى طوائفهم ومذاهبهم التي تبدت، فجأة، محاور متواجهة في الصراع الدولي (العربي) حول لبنان الذي لا يشبه أي بلد آخر، ولا تدانيه في الأهمية بل الخطورة أي دولة في المنطقة، بحيث ان من يربح فيه فيضمه إلى معسكره يربح كل شيء وان من يخسر فيه يخسر الدنيا والآخرة!
كان المشهد أجمل من أن يكون حقيقياً خلال ساعات النهار الذي استطال حتى لكأنه يختصر زمناً: اندفعت كل طائفة إلى صناديقها ليس فقط لتثبت حضورها بل أساساً لتنفي تفوّق الطائفة الأخرى واحتكارها القرار..
أما الشراكة فأمرها شديد التعقيد لأنها ليست «محلية» بل هي تمتد في الجغرافيا من أدنى الشرق إلى أقصى الغرب وفيها عرب مختلفون ومسلمون مقتتلون وإسرائيليون موحّدون فوق قمة التطرف وأميركيون يحاولون غسل دماء المسلمين (عرباً وأفغاناً وباكستانيين و..) عن «الوجه البشع» لاحتلالهم بعض الشرق، وأوروبيون تهتز وحدتهم وتتأزم أوضاعهم الاقتصادية، وفيها إيرانيون أصحاب مشروع دولي طموح، وأتراك نجحوا أخيراً في اكتشاف أن الشرق العربي قد يعوّضهم بعض الرفض الأوروبي.
لهؤلاء جميعاً رأي في «المسألة اللبنانية» ولهم موقف من الموقع السياسي المؤثر لهذا البلد الصغير الذي يكتسب بعض أهميته من تركيبته الداخلية القابلة للتوظيف، تفجيراً أو تهدئة بالمساومة، وبعضها الآخر من تأثيره المباشر كمجمع للطوائف والمذاهب (على وجه الخصوص) في الصراع الدولي المتجدد على «المسلمين» وبهم ثم بين «المسلمين» أنفسهم.
في هذا السياق برز القلق على «الأقليات المسيحية» بما فرض على الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يستذكر الموارنة والأقباط، قافزاً من فوق ما تعرض له «مسيحيو العراق» من أذى بالغ أودى بمئات منهم وشرّد عشرات الألوف، وهو بعض ما أصاب أشقاءهم المسلمين، سنة وشيعة، تحت الاحتلال العسكري الأميركي لأرض الرافدين، ومن فوق مسيحيي فلسطين الذين ظلوا فلسطينيين ولكن الاحتلال الإسرائيلي يركز في اضطهادهم ودفعهم إلى الرحيل عن وطنهم ليزوّر طبيعة الصراع فيظهره طائفياً، في حين أنه من طبيعة وطنية وقومية.
لنعد إلى لبنان وانتخاباته على قاعدة قانون الستين (1960) الذي أهاج لدى اللبنانيين ذكريات سوداء عمّا أصاب أجدادهم خلال لعبة الأمم وعبر فتنة 1860 التي انتهت بابتداع كيان سياسي فريد في بابه (المتصرفية)!
لقد نزلت الطوائف إلى الشارع بأثقالها، تاركة للدولة دور «قوة الفصل» أو الشرطي المنظم لحراسة انقساماتهم عبر صناديق الاقتراع التي ألقيت فيها أوراق تكاد تكون بحجم ثروة ملياردير!
من هنا فقد صارت الديموقراطية الطوائفية في لبنان خضراء اللون كما الدولار: «هات عصبيات معززة بالمال السياسي وخذ انتخابات ديموقراطية بألوان طوائفها»! فإذا لم تكف عصبيات المقيمين تمت نجدتها بعصبيات المغتربين، سواء أولئك الذين لم يعودوا يتذكرون من لبنان إلا بعض أغاني أعراسهم في الماضي البعيد، أو الذين هربوا من حروبه التي كانت ملتبسة ثم عادوا وأعيدوا بعدما اتخذت الحرب الجديدة صورتها الأصلية!
ولقد جاء هؤلاء «المغتربون»، لا سيما من هرب من الحروب مؤخراً، ممتلئين بالحماسة، مستفزين لدرجة أنهم مستعدون لمباشرة الحرب من المطار!
على أن هذه الانتخابات الطائفية بامتياز تحظى بشهادات في الديموقراطية عز نظيرها: إذ يشارك فيها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر ومنظمته، والاتحاد الأوروبي، وهيئة الأمم المتحدة، ومؤسسات غربية، وحتى جامعة الدول العربية، وهيئات يشارك فيها بعض رواد الديموقراطية في دول عربية منسية كاليمن!
ويبقى أن نوجه التهنئة إلى وزير الداخلية بشخصه وحضوره الدائم والحيوي وإلى المؤسسات الأمنية جميعاً، والجيش أُولاها خصوصاً أنه اكتسب خبرة عريضة بالفصل بين الشعوب اللبنانية التي تقتتل على فرض الديموقراطية على بعضها البعض.
… مع التمني بأن تكون النتيجة المعلنة، والتي ستتأكد رسمياً مع صباح اليوم، بوابة إلى مغادرة حروب الطوائف، بدلا من أن تكون مدخلاً إلى طور أبشع من أطوار… التقدم في اتجاه الديموقراطية الطائفية بالحرب الأهلية المدولة دائماً!

Exit mobile version