عبث. الكلام ليس مجدياً. النقد لا ينفع. الذم يشبه المدح. الشتائم دون جواب. التظاهر لا يخصهم. طبقة متحكمة بصلافة.
تعرف أنها مرتكبة للكبائر والعظائم والفضائح والنهب والتزوير والعمالة والحقارات كلها. ولكنها تكاد تتباهى بالارتكاب. لم تخض معركة براءتها ولا مرة، مع سابق معرفتها، أن القضاء لها وليس عليها. وأن الاجهزة طوع جرائمها… طبقة طوباوية، لا يأتيها لوم أو تأنيب من أي جهة. وحدها التماسيح تفاخر، لأن جلدها السياسي أسمك من جلودهم…
كل هذا بات معروفاً لسنا متوهمين ولا مراهنين. نعرف أن إقامتهم في السلطة ليست في خطر. كل واحد منهم محروس بأتباع من الأغنام وكلاب الحراسة، المطوَّبة من طوائفها على أسماء زعمائها… ولسنا مغشوشين بقوتنا أبداً.. ما زلنا نتمرن على التظاهر في الشارع فقط. قبضاتنا ليست قوية كفاية. أظافرنا مسنونة جيداً، كل ما نجيده أن نتف عليكم ما في فمنا من غضب ومرارة… إننا على يقين تام، أنكم أصحاب معجزات: استطعتم تحويل لبنان إلى مستعمرة طائفية متعددة الانتماءات والمرجعيات وجعلتم من أتباعكم كلاباً تعوي وتحامي وتدافع وأحياناً تعض.
لسنا مغشوشين أبداً. لذا نمتنع عن السفاهة، مع أنها تليق بكم، ويمكن تعليقها حلقاً في آذانكم. ولو كان لكم قلوباً، لكنا تورعنا عن ذلك. ودليلنا الصارخ، التجربة الماكرونية الصارخة.
غريب. لم نسمع أحداً يشتم ثم يقف متباهياً بأنه يصفح عن ذلك وأكثر. لقد أداراهم إيمانويل ماكرون وجمعهم حول طاولة في قصر الصنوبر. تلا عليهم إملاءاته. نجحوا في الإصغاء. ملاحظاتهم كانت خجولة. طلب منهم أن يتقيدوا ببرنامج إنقاذ، وأن يؤلفوا حكومة في مدى أسبوعين… لم يعترض أحد. كانوا كأنهم خدم سياسيون على مائدة السياسة الفرنسية.
كعادتهم. كذبوا على ماكرون. خافوا من العصا الأميركية. سارعوا إلى التمسك بمكتسباتهم الآثمة. أفشلوا برنامج ماكرون… وها هو لبنان يتهاوى من هاوية الى أعمق منها، ومن عتمة كالحة إلى ظلمة دامسة.
غضب الراعي الفرنسي كثيراً. خرج عن طوره. ظنهم نعاجاً مطبعة، فإذ به يكتشف أنهم ثعالب مدربة على الكذب. خرج ماكرون عن طوره كراع لقطيع. شتمهم بالفم الملآن: قال عنهم بأنهم خونة وهي أفظع شتيمة ممكن أن تكال لسياسي. توقعنا إنتفاضة كرد فعل، في الحد الأدنى. عبث. بلعوها وخرجوا يطمئنون من أهانهم بأنهم متمسكون به وبالمبادرة وبالخطة وبالبرنامج…
منافقون وأتباع وأذناب. اللبناني العادي الطيب المغلوب على أمره، الماضي إلى الهاوية بإرادة أنبيائه الكذبة، ثار لكرامته. رفض إستعلاء ماكرون. شعر بعزة لبنانية… يا عيب. الأذلاء مارسوا المدائح الكاذبة. إنهم مع ماكرون قولاً، وضده فعلاً.
ماذا يمكن أن يُقال أكثر من ذلك؟
عبث أنهم ساهرون جداً على التفليسة اللبنانية. إنما، ما هو حقيقي من اليوم فصاعداً، أن لبنانهم انتهى. إنهم أعجز من تأليف حكومة، من إجراء إصلاحات شحيحة، من وقف النزف. من تأليف حكومة بعد ثلاثة أفشال متتالية… الحقيقي أن لبنانهم مات خنقاً بالحبل الطائفي، وبالصكوك المالية المسروقة، وبالتبعية المبرمة لدول متناحرة عظمى، فوق عظام كيان مكسور.
عبث. إنهم يأكلون ويشربون ويتحدثون ويغضبون ويضحكون كأن شيئاً لم يكن.
أيها اللبنانيون الطائفيون فقط. إنكم تستحقون هذه العقوبة. قبلتم أن تكونوا ممسحة لأرجل قادتكم المهانين والمتهمين بالخيانة .
أما بعد.. فوداعاً لبنان. سنتسول الدواء ورغيف الخبز ونموت على الطرقات.
فيا شعب لبنان العظيم. اخرس ليس لك من العظمة إلا عظام يرميها زعيم لينجورها شعب ساجد على جبهته تحت نعال الزعيم. إخرس ولا تدعي أن لبنان القوي موجود. إنه كيان ركيك بألفاظ من العيار الثقيل التي لا وزن لها. لا أحد قوياً أبداً. إنكم أقزام أمام أي معضلة. هل تجرؤون على الإدعاء بحل أزمة المديونية الفاحشة، أو أزمة الإفلاس، أو أزمة الدولار، أو أزمة الدواء أو أزمة الأزمات، إنفجار بيروت إلى آخر القائمة.
يا “أقوياء لبنان”. من كل الطوائف، أنتم أرباب حقاً. أرباب الفشل والغباء، والذكاء الخبيث، والنفاق المجزي، والصراخ المقيت، والعداوات الكاذبة، و…ألف علة أخرى.
كنا نأمل أن نجد ما يصلح منكم لنمدحه وننصفه. انصافاً، يحق أن نعترف، بأن ماكرون أصاب حينما وصفكم بالخونة والحرامية …
يا الله…
هل هناك حل؟
لا ننتظر جواباً.
لبنان إما ميت أو سيموت أهله بالتقسيط والقهر والفقر.
اللعنة على كل هذا، من مئة عام حتى ما بعد هذا العام.
آمل أن لا يتم استدعائي إلى القضاء، وتحديداً هذا القضاء الذي…لا شبيه له في أي بلد ديموقراطي قليلاً.