تنفّس اللبنانيون الصعداء، أمس، مع الإعلان عن تقدم »الحوار الوطني« بين قياداتهم السياسية التي ساد الظن، لفترة طويلة، أن تلاقيهم متعذر وأن توافقهم شبه مستحيل، وأنهم مختلفون حتى على البديهيات ولا مجال لأي تفاهم بينهم إلى يوم الدين!
وكان بين أسباب ارتياح اللبنانيين شعورهم بأن هذا التوافق الذي هبطت عليهم نعمته فجأة، إنما يعكس قراراً دولياً (وعربياً بالتالي) »بفرض« قدر من الهدوء في لبنان، ولو على شكل هدنة، لأسباب قد لا تكون بالضرورة لبنانية، ولكن لا مانع من ان يفيد منها هذا البلد الصغير.
وتناقلت أوساط دبلوماسية وسياسية أحاديث عن احتياج الإدارة الأميركية إلى »عزل« لبنان، ومعالجة أوضاعه الداخلية بهدوء، قبل ان يصل إليه نهر الدم المسفوح، ظلماً وغيلة، في العراق تحت الاحتلال عبر فتن منظمة يرتكبها »تكفيريون« تحت رعاية المحتل الأميركي، معززاً دائماً بشريكه البريطاني.
ثم ان الإدارة الأميركية، ومعها دائماً بريطانيا، كانت تريد ان تساعد الاحتلال الإسرائيلي في قمع »تمرد« الشعب الفلسطيني الذي مارس الديموقراطية كفعل مقاومة فأعطت أصواته الأكثرية لتنظيم »حماس«، إعلاناً عن رفضه فساد »السلطة« وتخاذلها وسعيها الدائم لاسترضاء التطرف الإسرائيلي.
ومفهوم أن الانتخابات كانت هي الفرصة القدرية كي يقول الشعب الفلسطيني رأيه في »السلطة« التي آذاه ضعفها وتفككها وصراعاتها في آماله الوطنية وفي جهده المغسول بالدم لحفظ البقية الباقية من أرضه… فضلاً عن أن »الفساد« كان قد بات نهجاً رسمياً تقرّ به »السلطة« وتعتمده مختلف مؤسساتها السياسية منها والأمنية (خصوصاً) والإدارية.
وبالفعل، فقد بدا التزامن لافتاً في إسداء النصائح بالتهدئة في لبنان، في حين تجددت بل وتعاظمت المجازر المنظمة في العراق تحت الاحتلال، بشعارات صريحة في تحريضها على الفتنة المذهبية بين السنّة والشيعة، بينما تزايد الجهد لتفجير فتنة عنصرية بين العرب والكرد، بذريعة إعادة صياغة السلطة »لتصحيح« الخلل الديموقراطي في الانتخابات النيابية!
ثم جاء »العدوان الثلاثي«، أمس، في فلسطين، عبر إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على إعادة احتلال أريحا، المحتلة أصلاً، بذريعة منع »السلطة« جديدها مع القديم من إطلاق سراح الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات ورفاقه، الذين سجنوا بتهمة اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي الأسبق، ومعهم اللواء فؤاد الشوبكي..
وواضح أن هذه العملية التي استدعت »إجلاء« الحرس الأميركي البريطاني الذي تولى الإشراف على استمرار سجن هؤلاء المناضلين، إنما هي إعلان رسمي لحرب شاملة تشنها إسرائيل برعاية أميركية بريطانية لتفتيت المفتَّت من فلسطين، ودفع »السلطة« إلى واحد من موقفين أحلاهما مرّ:
÷ إما الاشتباك مع شعبها الذي تضيّع الضربة الجديدة ما تبقى من آماله في الوصول إلى »تسوية« ولو بالإكراه، تضمن له الحد الأدنى من الأدنى من حقوقه في أرضه،÷ وإما التضامن مع شعبها بما يصورها قد خرجت على التفاهمات واتفاقات الإكراه التي لم توفر لها الاستقرار،
وفي كلا الحالين فإن »الحلف الثلاثي« يمضي في حربه لإسقاط حماس، حتى لو تطلب الأمر تشطير المشطر مما تبقى من أرض فلسطين، تمهيداً لإقامة المزيد من المستعمرات الاستيطانية ومدّ جدار الفصل العنصري بحيث يلتهم »بواقي« ما كان يُعرف بالقدس العربية، إضافة إلى وظيفته الإضافية بعزل منطقة الغور لتضمها إسرائيل نهائياً.
لكأن »الخيار« المطروح على شعوب هذه المنطقة: التسليم بالاحتلال، إسرائيلياً كان أم أميركياً، أو الحرب الأهلية.
ولأن لبنان أعجز من ان يساعد غيره، وهو في حال بؤسه الراهن، فلا أقلّ من أن يتنبّه فلا يضيّع فرصة الهدنة، بل تعمل قياداته بجد لتحويلها إلى مصالحة وطنية حقيقية تسمح باستعادة وحدة شعبه ودولته.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان