أما وقد كان ما كان، فإن السؤال الذي يفرض نفسه مع تشكيل وفد لبنان إلى الدورة التاسعة والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة: لماذا لا يكون هذا الوفد برئاسة رئيس الجمهورية؟! لماذا لا يذهب الرئيس إميل لحود، بشخصه، ليواجه العالم بالأسباب والدوافع التي أملت تعديل الدستور لتمديد ولايته ثلاث سنوات إضافية؟!
لا يقصد هذا الاقتراح الانتقاص من كفاءة الوفد الذي شكّله مجلس الوزراء، أمس، رئيساً وأعضاء… ولكنه يطرح ضرورة اغتنام الفرصة التي يتيحها التوقيت لشن هجوم مضاد لحملة التشهير بلبنان (ومعه وعبره سوريا) التي قادتها، الأسبوع الماضي، الإدارة الأميركية مستندة إلى »تحريض« فرنسي طابعه »انتقامي« وقد نجح في استدراج بعض الدول الصديقة إلى تأييده، فكانت الولادة القيصرية للقرار 1559 في مجلس الأمن.
فالأمم المتحدة، برغم كل ما أصابها من وهن ومن ذبول لدورها في عصر الهيمنة الإمبراطورية الأميركية، ليست الولايات المتحدة الأميركية، بل هي ما تزال الحاضنة الدولية الطبيعية والشرعية للشعوب المستضعفة.
وذهاب رئيس الدولة إلى هذا المنبر الدولي، في هذه اللحظة بالذات، واجب وطني: فماذا أبدى وأجدى وأولى من أن يذهب بشخصه للدفاع عن لبنان الذي وصل استهدافه بذريعة التمديد إلى هذه المنظمة التي طالما اعتبرها لبنان والعرب، الملجأ والملاذ الأخير في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، والتي لما تتوقف، والتي اتكأت مقاومته الوطنية على قراراتها ودعمها المعنوي وهي تجاهد لتحرير المحتل من أرضه؟!
إن حملة عالمية منظمة قد شنتها على لبنان، وباسمه على سوريا، دول كبرى تتزعمها الإدارة الأميركية، بلغت ذروتها بطرح شؤونه الداخلية أمام »الحكومة العالمية«، ممثلة بمجلس الأمن، فوضعت حكمه (الشرعي) في قفص الاتهام، وطالبته بما لا يطيق من المهمات المستحيلة، التي تتهدد بالخطر وحدته الداخلية وعلاقاته بأقرب أخوته إليه، سوريا والفلسطينيين، ونقلته من خانة الضحية الدائمة للاعتداءات الإسرائيلية إلى خانة المتهم بممارسة الإرهاب الدولي أو ما يعادله!
ولقد شاركت في هذه الحملة، مع الأسف، دول طالما كانت صديقة للبنان، ولسوريا أيضاً، بينها فضلاً عن فرنسا ألمانيا وإسبانيا، وكذلك دولة أفريقية، ما زلنا نرفع جثث ضحايا لبنانيين سقطوا فيها بسبب أخطاء فاحشة تورّط فيها على الأرجح لبنانيون، ومع ذلك فلا يمكن نفي مسؤولية مطارها عنها.
الأهم من هذا كله: إن على لبنان أن »يقاتل« لاستعادة رصيده المهدد بالضياع لدى هذه المنظمة الدولية، بدءاً من الأمين العام كوفي أنان، وصولاً إلى جمهرة الدول الصديقة، وفيها دول أميركا اللاتينية والدول الأفريقية ودول منظمة المؤتمر الإسلامي، فضلاً عن الدول العربية، والدول الأوروبية التي ما تزال على تعاطفها معنا، وهو تعاطف لمسنا آثاره الطيبة طوال دهر الحرب الأهلية، ومن ضمنها حقبة الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
لا بد، وقد صار التمديد خلفنا، أن رئيس الجمهورية يملك ما يبرّر به أن تعديل الدستور لإقرار التمديد، كان جزءاً من خطة دفاعية حتى وإن اتسم بطابع الهجوم، لمواجهة خطر داهم كان يتهدد لبنان، ومعه وعبره سوريا…
خصوصاً أن قرار مجلس الأمن الذي أقرّ بسرعة قياسية، يكشف أن الأهداف الفعلية المقصودة منه تتعدى »احترام الدستور«، بينما قائد الهجوم الأميركي يدخل إلى مجلس الأمن ويداه تقطران دماء العراقيين، وقد تجاوز ضحايا احتلاله بلادهم عشرين ألف إنسان خلال ثمانية عشر شهراً فقط لا غير..
إن المواجهة على المستوى الدولي، واستعادة بعض الرصيد الذي فقده لبنان، وترميم العلاقات مع دول كانت على الدوام صديقة، وانساقت بالمصلحة أو بالرغبة في تجنب المواجهة، لا سيما أن أحداً لم يشرح لها حقيقة الأمر إلى تأييد هذه الهجمة التي أفادت فيها الإدارة الأميركية من »الغضبة الفرنسية« لتمرير القرار الظالم للبنان، ومعه سوريا دائماً، بل وإلى مجلس الأمن نفسه…
إن مثل هذه المواجهة واجب وطني، لا يجوز التقاعس عن أدائه.
ومثل هذه الخطوة ضرورية للداخل أيضاً… فاستعادة الاعتبار دولياً ترمّم بعض ما أصاب الحكم في لبنان من أضرار فادحة، وتمكّنه من استرجاع زمام المبادرة في اللعبة المحلية.
وإذا كانت المخاصمات والمناكفات والمنازعات فوق قمة السلطة قد عطلت الإنجاز في »العهد الذي صار ماضياً«، ووصلت بأصدائها إلى المستوى الدولي، فلعل المواجهة في الأمم المتحدة تكشح بعض العداوات الطارئة وتستعيد بعض الصداقات المضيّعة بالإهمال، وترمّم صورة لبنان التي أصابها الكثير من التشوّه.
إنها معركة كبرى يحتاج إليها لبنان، دولة وشعباً، وتحتاج إليها سوريا بقدر ما نحتاج إليها.
… ويعرف الرئيس لحود، وهو العسكري النشأة، أن أفضل خطة للدفاع هي الهجوم، أما البقاء في الموقع الدفاعي فلن يفيد إلا في زيادة الخسائر.
قد بلّغت. اللهم فاشهد.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان