باشرت »حماس« مهامها كحكومة في قلب الاستحالة أو ما يقاربها.
هي حكومة منتخبة ديموقراطياً، وفق المعايير المعتمدة في العالم المتقدم، وتحت الرقابة الأميركية المباشرة، وبرغم قيود الاحتلال الإسرائيلي وضغوطه الثقيلة وأبسطها اغتيال الأرض والبشر.
لكن المجلس التشريعي الذي انتخب هذه الحكومة كان مضطراً للاجتماع في مقرين، أحدهما في غزة، المقطوعة الصلة بسائر الأرض الفلسطينية، والثاني في رام الله التي تكاد تكون مقطعة الأوصال بمحيطها.
كذلك فإن »الحكومة« لم تستطع أن تقدم نفسها للعالم في صورة جامعة لكل أعضائها… وهكذا أدى رئيسها ووزراؤها اليمين الدستورية في مقرين متباعدين، وقد أفاد الجميع من تقنية الفيديو كونفرانس كي يرى بعضهم بعضاً، وكي يسمع بعضهم بعضاً.
ومفهوم أن رئيس الحكومة والوزراء في غزة لن يستطيعوا الوصول إلى الضفة الغربية، بل ربما منعهم الاحتلال الإسرائيلي من مغادرة غزة، لا إلى داخل فلسطين ولا إلى خارجها.
ولقد بدأ الفلسطينيون بتلقي القرارات بالعقوبات فور إعلان فوز »حماس« في العملية الديموقراطية المشهودة حتى ليمكن القول إن ممارستهم حق الانتخاب قد جاءتهم بعقوبات قاسية تمتد من السياسة إلى الاقتصاد، بل تحرّضهم على بعضهم البعض، كأن الديموقراطية لعنة عليهم، وليست من حقهم بل هي اختصاص إسرائيلي »يبرّر« احتلالها والحرب المفتوحة التي تشنها على الفلسطينيين، سلطة وشعباً وأرضاً.
إنه التحدي المفتوح: فإما أن تخضع هذه الحكومة لشروط الاحتلال فتلغي نفسها بالتنازل عن حقوق مواطنيها الذين انتخبوها، وإما أن تذهب إلى المواجهة فتزيد من وطأة حصار التجويع المفروض على شعبها.
خيار هذه الحكومة بائس: تتنازل فتخسر جدارتها بسلطة ملتزمة بالشعارات التي وفرت لها الفوز في الانتخابات، أو تقاوم فتتعرّض لضغوط يصعب عليها الصمود أمامها، لأنها ستصوّر كأنها السبب في تجويع شعبها وفي تخلي العالم عنه وتركه لمصيره، بينما الاحتلال الإسرائيلي يقتطع المزيد من أرضه كل يوم، ويزيد من أحجام مستعمراته الاستيطانية الملتهمة لأراضيه، ويمد في جدار الفصل العنصري بحيث يكاد يجعل من كل مدينة سجناً، ومن كل قرية زنزانة، ومن كل فلسطيني لاجئاً في أرضه.
إنها حالة من القهر غير مسبوقة في عالمنا، لم يتعرّض لها أي شعب، ومع ذلك فإن الإدارة الأميركية باشرت بفرض العقوبات، وأعلنت نوعاً من »الحجر« على هذه الحكومة التي تحتاج إلى إمكانات خرافية كي تستطيع أن تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية لشعبها.
ثم إنها حكومة متروكة للريح: لقد وعدها بعض العرب ببعض المساعدات المالية لتأمين رواتب الموظفين وبعض الطحين والسكر لمئات الألوف من الفقراء والمفقرين باللجوء وبافتقاد الدخل وانعدام فرص العمل، إلا في الحكومة (المفلسة) ولدى الاحتلال…أما في السياسة حيث المعونة الفعلية مطلوبة فليس من يضمن الإنقاذ!
إن العقوبة الأميركية للديموقراطية في المنطقة العربية فظيعة، تتراوح ما بين الحرب الأهلية كما في العراق تحت الاحتلال، وما بين التجويع وتنظيم الاشتباك بين الفلسطينيين تحت رعاية الاحتلال الإسرائيلي.
إنه الجهاد الأصعب، في غياب النصير القادر على كسر الحصار وتقديم يد العون.
ولن تتأثر الإدارة الأميركية، ومعها حكومة الاحتلال الإسرائيلية، إن اتهمتهما »حماس« غداً بإفشال التجربة الديموقراطية، لكن فلسطين القضية وحلم الوطن هي التي ستتأذى.
إن الفشل في مثل هذه الحالة كارثة وطنية…
ويفترض أن »حماس« هي أكثر من يدرك هذه الحقيقة!
كأنما لم يبق إلا الله لفلسطين!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان