ليس هذا الحوار مع وليد جنبلاط مراجعة نقدية شاملة لرحلة الافتراق حتى الاغتراب عن التاريخ السياسي، الشخصي والعائلي، الطائفي والحزبي لهذا القطب السياسي الذي طالما شغل اللبنانيين بمواقفه التي كثيراً ما حملت مفاجآت وتحولات من خارج التوقع.
إنها نقطة البداية لمرحلة جديدة، نفترض أنها ستتوالى فصولاً عن طريق العودة إلى حيث كان وليد جنبلاط، سياسياً، وإلى حيث ينتظره الدور الذي ثبت أن لا أحد غيره يستطيع أن يلعبه والذي عطله خلال فترة جموحه وافتراقه عن تاريخه.. ربما لأن هامش الحركة الذي يتمتع به وليد جنبلاط أوسع بكثير من هوامش غيره من زعامات الطوائف في بلد الأقليات المؤتلفة إلى حد الاحتراب.
هذا حوار رغب بإجرائه وليد جنبلاط، ومع «السفير» تحديداً، ورغبت «السفير» أن تكون منبره، خصوصاً في هذه اللحظة السياسية بالذات، وبينما استدارة وليد جنبلاط عائداً إلى ما يفترض أنه «موقعه الطبيعي» تكاد تكتمل.
أول الكلام دمشق وآخر الكلام دمشق.. فرحلة العودة في اتجاه دمشق هي الخط الفاصل بين مرحلتين، ليس في ما يعني وليد جنبلاط وموقعه على الخارطة السياسية فحسب، بل في ما يعني الحياة السياسية في لبنان التي يشكل وليد جنبلاط علامة فارقة فيها.
فما بين الخروج من دمشق وعليها، إلى حد تجاوز المعقول والمألوف في الاعتراض السياسي، وما بين العودة إليها مرحلة لعلها الأكثر التباساً وغموضاً في تاريخ لبنان الحديث، توالت أحداثها ومآسيها بغزارة كادت تشغل الناس عن حقائق حياتهم، وكادت تضلهم عن الطريق إلى أهدافهم، وتركتهم ردحاً من الزمن يقفون على أبواب الجحيم.
ما بين صيف 2004 وشتاء 2010 شهد لبنان، والمنطقة من حوله، تحولات دراماتيكية، فعصفت رائحة الموت اغتيالاً وفتناً بهذا الوطن الصغير، وتساقط الشهداء وفي الطليعة منهم الرئيس رفيق الحريري، في ظروف غامضة وعلى أيدي مجرمين عتاة يملكون خبرات هائلة في تمويه أهدافهم وفي رمي التهمة على من يؤدي اتهامه إلى تفجير الوضع وتشتيت الاهتمام لصرف الأنظار عن الجاني الحقيقي، الذي لا تمكن معرفته إلا بالعودة إلى البديهيات وأولها: من المستفيد من الجريمة؟ ومن هو القادر على تثميرها لأغراضه السياسية التي قد تكون الفتنة ـ بتداعياتها على لبنان وعلى سوريا وعلى فلسطين ـ في الطليعة منها. ثم: من هو القادر على تنفيذها الجهنمي من دون أن يترك أي أثر يمكن أن يدل عليه؟!
في أواخر صيف 2004، وتحديداً في الأول من أيلول، أصدر مجلس الأمن قراره 1559 الذي يمكن اعتباره بمثابة إعلان حرب على المقاومة في لبنان، وإنهاء للتفويض الدولي ـ الأميركي أساساً ـ والعربي لسوريا بالشأن اللبناني.
يومها رأى وليد جنبلاط، ما رآه الوطنيون في لبنان عموماً، وما عبرت عنه بلسانهم «السفير»: أن هذا القرار إعلان بفتح أبواب لبنان للتدخل الدولي.. خصوصاً أنه جاء بعد ثمانية عشر شهراً من الاحتلال الأميركي للعراق بتواطؤ دولي كان من أبرز أركانه رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير، ثم سرعان ما انضم إليه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.
ومن باب أولى أن الرئيس بشار الأسد قد رأى فيه «هجوماً مضاداً» في غاية الشراسة على موقفه المبدئي والمكلف الذي تمثل برفع الصوت اعتراضاً على الاحتلال الأميركي للعراق، وهو موقف غاية في الشجاعة يتخذه الرئيس الشاب، بينما دبابات الاحتلال الأميركي غير بعيدة عن بابه، وبينما الطائرات الحربية الأميركية ومعها الطائرات الحربية الإسرائيلية تستطيع أن تستفرد سوريا وأن تحلق في أجوائها مستهدفة إرهابها، شعباً وجيشاً ورئيساً.
بعد التمديد دخل لبنان دوامة التحولات.. بينما القرار 1559 ينذر بتقسم قواه السياسية وسحب غطاء الإجماع الذي كانت تحظى به المقاومة.
وفي 14 شباط 2005 وقعت الكارثة وبفعل فاعل: تم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كمقدمة لتفجير السلم الأهلي، وصار لبنان بلداً آخر. تجاوزت فورة الغضب كل التقديرات، خصوصاً أنها وجدت من يستثمرها ومن يدفعها دفعاً فيوجهها ضد سوريا ورئيسها بشار الأسد، ومن ثم ليركز حملته على المقاومة وقيادتها وشخص الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.
وتبدى بوضوح وكأن اغتيال الحريري يستهدف في اللحظة عينها لبنان جميعاً، والمقاومة فيه أساساً، بالفتنة العمياء التي وجدت من ينفخ لإشعالها لتأكل دور لبنان الوطني والصمود المشرف لشعبه في مواجهة العدو الإسرائيلي.
فجرت الأغراض الأحقاد، ووجد من يَخرج ويُخرج الناس من السياسة إلى الغريزة، وكيلت الاتهامات بغير دليل، ويوماً بعد يوم دفعت الأمور في اتجاه التهييج الطائفي والمذهبي، لطمس حقيقة الجريمة وحقيقة المخططين والمدبرين والمنفذين.
كان وليد جنبلاط هو «القائد» هنا، وهو المطالب بالثأر، وهو سيف الهجوم على سوريا وعلى رئيسها بشار الأسد… ثم توسع الهجوم ليتركز على المقاومة فإذا سلاحها «سلاح الغدر»، وإذا «سيدها» يصبح هدفاً لحملات التشهير والتجني.
حتى الحرب الإسرائيلية في تموز ـ آب 2006 على لبنان لم توقف الحملة، بل هي سعّرتها، خصوصاً وقد انضمت إليها ـ بالوعي أو بالخشية من تداعياتها ـ أوساط عربية رسمية كانت تتجنب، من قبل، التصادم مع المقاومة، مثل السعودية.
وكانت محطة جديدة في 5 أيار 2008، حيث تحوّل خطاب التحريض إلى قرار بالهجوم على المقاومة، عبر القرارين الشهيرين.. وكان الرد في 7 أيار. ثم جاءت «الدوحة» لتعالج التداعيات المرسومة التي كادت تتفجر فتنة عمياء لا تبقي ولا تذر.
بعدها مباشرة بدأ وليد جنبلاط رحلة فك الارتباط مع جماعة 14 آذار.
وعلى امتداد الشهور الماضية، أخذ وليد جنبلاط يمهد لمصالحة مع قيادة المقاومة، ومع جمهورها، تمهيداً لفتح الطريق نحو دمشق.
في هذا الحوار يوجه وليد جنبلاط خطابه إلى دمشق وإلى قيادتها السياسية ممثلة بالرئيس بشار الأسد، كما إلى الشعب السوري الذي يعترف أنه قد اندفع في هياجه أكثر مما يجب فأساء إليه ببعض ما صدر عنه من تعابير وتوصيفات لم يكن يجوز له أن يقولها.
لذلك بدأنا الحوار من آخر تصريح لوليد جنبلاط رأيناه موجهاً إلى القيادة السورية، خصوصاً أنه قد ذكّرها عبره بموقفه منها ومعها خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في صيف 1982.
هنا نص الحوار الذي سجله معنا مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس.
البداية من 1982
{ في تصريح لك قبل أيام، وتعقيبا على موجة التهديدات الإسرائيلية لسوريا، أكدت تضامنك مع سوريا قيادة وشعبا في مواجهة تلك التهديدات، مستعيدا الموقف ذاته الذي اتخذته خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ويومها أصررت على مقابلة الرئيس حافظ الأسد في دمشق وأبلغته انك متحالف معه ضد الغزو الإسرائيلي.
^ نرغب في بداية هذا اللقاء معك ان نضيء على تلك اللحظة التاريخية وظروفها لنربط بينها وبين موقفك الأخير الذي يبدو استعادة للتاريخ؟
ربما اليوم لسنا في نفس الحالة العسكرية التي كانت سائدة عام 82 حيث مُنيت يومها القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية وسوريا بالهزيمة، وإسرائيل كانت تحاصر بيروت، لكن سنحت لي الفرصة ان اذهب الى دمشق حيث التقيت أولا العماد حكمت الشهابي الذي لم يكن محبطا الا انه كان يعدد الخسائر متحدثا عن تدمير حوالى 500 دبابة سورية وسقوط قرابة 5000 آلاف شهيد وجريح في المعارك البطولية التي خاضها الجيش السوري في السلطان يعقوب وعين زحلتا وعين دارة وبحمدون – المنصورية وبيصور حيث استبسل الجنود السوريون في المواجهة ولكن تفوق الطيران كان أقوى، علما أنهم في محطات أساسية في السلطان يعقوب وعين زحلتا أوقفوا الأرتال الإسرائيلية التي كانت تريد ان تقطع طريق دمشق ـ بيروت سواء في المصنع او في المديرج. ثم هناك معركة بيروت وعلينا ان نتذكر بطولات الجيش السوري مع المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية وكل بيروت التي لم تكن كما هي اليوم مشتتة مذهبيا وسياسيا.
في تلك الفترة، طلبت ان أزور الرئيس حافظ الأسد وقلت له إنني معك، وتُرجم هذا الموقف لاحقا الى أفعال عندما نجحنا سويا في إعادة التوازن وفتح طريق دمشق الى بيروت والإقليم والجنوب حيث تولى كل فصيل مهمة محددة، وتولينا نحن في الحزب التقدمي الاشتراكي وفصائل من الحركة الوطنية وحركة «أمل» جبهة سوق الغرب بالتعاون مع الجبهة الديموقراطية والجبهة الشعبية والقيادة العامة، ولاحقا مع الجيش السوري الذي وصلت كتيبة منه الى محور عيتات ـ سوق الغرب، فيما تولت المقاومة تباعا وتدريجيا فتح طريق الجنوب.
اليوم قد لا نكون في الوضع العسكري ذاته ولكننا في وضع سياسي مشابه وربما أكثر سوءا، وفي النهاية كلٌ يريد ضرب المقاومة في لبنان وضرب من يساعد ويدعم تلك المقاومة من إيران الى سوريا، وأنا لا أرى في الأفق إلا التضامن مع المقاومة في لبنان ومع سوريا لأنه في أي لحظة الجنون الاسرائيلي قد يعيد المغامرة. عام 82 لم تكن الذريعة في لبنان، بل في محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، واليوم قد تلصق أي ذريعة بلبنان وسوريا، ورأينا التجربة باللحم الحي في غزة، حيث حاول الجيش الإسرائيلي ان يعيد اعتباره، ولكنه ربما وجد ذلك غير كاف، وقد يقوم بتمرين عسكري أكبر في لبنان، وتقديراتي ان المواجهة هذه المرة ستكون أقسى بكثير من الجولات السابقة، إلا ان النتيجة ستكون ذاتها كما في المرات الماضية، وعندما احتلت إسرائيل بيروت بدأت عمليات فردية ضدها وراح الإسرائيليون يجوبون شوارع العاصمة طالبين عدم إطلاق النار عليهم لأنهم سيخرجون. الشيء ذاته سيحدث، غير ان الحقد الإسرائيلي سيعيد الكرّة، لذلك نحن نقول مجددا إننا مع القيادة السورية فوق الاعتبارات السابقة ولا بد من ان تسقط كل الاعتبارات في مواجهة العدو الإسرائيلي.
{ من الواضح انك تخوض منذ فترة مراجعة شاملة، قادتك الى إعادة النظر في مواقف سابقة والخروج من تحالفات معينة والتمهيد لتحالفات أخرى.. هل ان عملية التموضع الجديدة هذه هي نتيجة قراءة سياسية للوضع في المنطقة ولبنان، أم هي انعكاس لمعلومات تملكها حول تطورات محتملة، أم هي تعبير عن استعادة قناعات سابقة.. أين تقف الآن تماما بعد تجربة السنوات الخمس الماضية، وماذا كانت حصيلتها بالنسبة إليك؟
^ لا بد من التوقف خلال السنوات الخمس الماضية عند غلطة تاريخية واستراتيجية هي غلطة التمديد، ولست أدري كيف رُبط التمديد آنذاك بالقرار 1559، الأمر الذي أدخل لبنان وسوريا في حلقة جهنمية، ثم كانت الاغتيالات وفي مقدمها اغتيال الرئيس رفيق الحريري..
لقرار 1559 استهدف
لبنان وسوريا والمقاومة
ـ بات من الواضح الآن ان القرار 1559 لم يكن غيمة في ليلة صيف بل كانت له مقدماته، وهناك من يربطه باحتلال العراق على قاعدة ان الأميركيين والفرنسيين أرادوا استثمار هذا الاحتلال لإعلان الحرب على الوجود السوري حول لبنان وفض التفاهم الاميركي – السوري بشأن لبنان وبالتالي الدخول في مرحلة مختلفة..
أوافق على هذا التحليل.. وأضيف إليه ما ورد في المحاكمة النظرية لطوني بلير حول الحرب على العراق وقوله لو خيّر لي ان أقوم بالعمل ذاته مجددا لكررته، وقد ربط بلير أحداث 11ايلول بالعراق، علما انه ثبت ان لا علاقة لصدام حسين بتنظيم القاعدة، وأنا هنا لا أدافع عن النظام.. وتأسيسا على هذا الربط كان الاستنتاج بوجوب ضرب العراق وتفتيته، وانسجاما مع هذا المنطق الغربي أتى القرار 1559 الذي يمكن تلخيص أهدافه بفصل وعزل لبنان عن سوريا وتحييده وضرب المقاومة، وهذا ما حاولوا ان يفعلوه في عام 2006 وفشلوا..
{ أنت ترى أن هناك مجالا للربط بين 1559 وحرب تموز..
^ نعم.. أعتقد ذلك، وقد رفضت كما رفض الرئيس رفيق الحريري موضوع القرار 1559، وقال الحريري آنذاك انه لو قُدر له ان ينبه القيادة السورية الى ملابسات هذا القرار لكان قد فعل.. ولا بد في يوم ما من التوضيح لماذا حصر الرئيس بشار الأسد الخيار الرئاسي بالتمديد للرئيس إميل لحود، وربما كانت لديه معطيات لا نملكها، لكن فلنقل ان التمديد فجّر القرار 1559 الذي كانوا يحضرونه في سياق منطق فصل المسارات، من خلال ضرب العراق وإبعاد لبنان عن سوريا وضرب المقاومة.
عندما تغيرت قناة الاتصال
{ خلال حوار أجرته «السفير» مع الرئيس بشار الأسد، قال بوضوح ان التمديد لم يكن واردا، الى ان تيقن ان القرار 1559 في طريقه الى الصدور، فاضطرت دمشق الى موقف دفاعي بحت لتثبيت موقعها وموقع السلطة الحليفة لها في لبنان في مواجهة رياح هذا القرار الدولي التي كانت توشك ان تهب.
^ لو كانت قناة الاتصال أفضل بيني وبين القيادة السورية وبين الرئيس رفيق الحريري والقيادة السورية، لأمكن ربما تفادي ما وقع، أقول ممكن، لان هذه فرضيات تاريخية مر عليها الزمن، إلا ان الطريقة التي تبلغت بها شخصيا قرار التمديد جعلتني أرفضه، ثم فتحت صفحة التواصل مع قرنة شهوان ورفض التمديد، الى ان أتت الحلقة الجهنمية للاغتيالات التي جعلتنا نذهب الى حد بعيد في الفعل ورد الفعل من قبلنا ومن قبل بعض المسؤولين السوريين.
إنما أمام ما يجري اليوم، لا بد من إعادة تثبيت الخط الموضوعي والكفاحي والنضالي للعلاقة الاستراتيجية اللبنانية ـ السورية التي صنعناها بالدم المشترك نحن والجيش السوري والشعب السوري والقيادة السورية، استنادا الى اتفاق الطائف الذي نص على العلاقة المميزة والهدنة، فقط الهدنة، مع إسرائيل والاستعداد في أي لحظة للمواجهة.
{ في بعض التصريحات التي أدليت بها خلال مرحلة ما قبل التمديد، أوحيت وكأنك من الممكن ان تقبل به..
^ كلا.. تركتها «مشكولة» في الكلمة التي ألقيتها في عين تريز، لان قناة الاتصال مع السوريين كانت مع الأسف غير واضحة بعد تغيير غازي كنعان واستلام اللواء رستم غزالي الملف اللبناني.. صحيح هذا شأن سوري، ولكن بفعل هذا التغيير حصل سوء تفاهم على مستوى العلاقة، كان تكتيكيا في البداية ثم أصبح استراتيجيا.
{ هل يمكن الاستنتاج ان القرار 1559كان خيارا حتميا لدى مراكز القوى في المجتمع الدولي بمعزل عن التمديد؟
ربما كان حتميا، وربما كان يمكن أيضا تفاديه.. وأشير هنا الى انه كان هناك فارق بيننا وبين بعض قوى 14آذار التي كانت تريد تبني القرار 1559 ونحن كنا نرفض ونتمسك بالطائف.
المحكمة كانت وسيلة ضغط
{ نصل الآن إلى المحطة المفصلية الأخرى المتمثلة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاها من انفلات للغرائز والانفعالات وتبدل في المواقع والتحالفات.. هل لنا ان نعرف منك القصة الحقيقية لولادة 14 آذار.. هل كنا فقط أمام انتفاضة شعبية ولّدها دم الرئيس الشهيد بشكل عفوي وبريء أم توجد قطب خفية خلف ذاك اليوم تقاطعت فيها مصالح دولية وعربية ومحلية؟
^ عندما اتهمنا النظام الأمني السوري ـ اللبناني بأنه مسؤول عن الاغتيالات وعندما سعينا الى المحكمة الدولية، تقاطعنا مصلحيا مع من يدعم هذه التوجهات، أميركا وفرنسا والسعودية ومصر.. الأولوية بالنسبة إلينا كانت المحكمة الدولية، أما البنود الأخرى التي طرحتها بشكل متطرف أحيانا مثل إسقاط النظام السوري والضغط على سوريا فقد كان الجواب عليها واضحا من قبل وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس التي قالت بتغيير سلوك النظام.. أما ماذا كانوا يقصدون فهذا موضوع آخر.
وربما كانت المحكمة الدولية وسيلة للضغط على النظام السوري، وهي كانت لها تداعيات على الأرض مع استقالة وزراء حزب الله وحركة أمل عام 2006 ويمكن أيضا عبر الاعتصام في وسط بيروت، الأمر الذي أدى إلى زيادة الشرخ في المجتمع اللبناني.
{ قد يكون من الصعب التسليم بان كل ما حصل بعد اغتيال الرئيس الحريري كان عفويا، إذ بدا أن هناك «عدة شغل» جاهزة لتوظيف الدم من أجل خلط الصح بالغلط، وأخذ الجماهير بعيدا جدا عن السياسة على وقع شعارات متوترة وخطابات محمومة..
^ حجم الجريمة أدى الى هذا الهيجان الغريزي، وعام 2005 كان داميا مع تلاحق الاغتيالات ثم جاء موضوع المحكمة الدولية الذي كان في البداية مطلب إجماع وافقنا عليه جميعا خلال الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري قبل حرب تموز، وبعد ذلك اختلفنا لان الوضع الداخلي ربط بالعدوان وجرى اتهام البعض منا بأنه كان يمهد لحرب 2006 وعندها زاد الشرخ الداخلي، السياسي والمذهبي، وارتفع منسوب الكلام العاطفي والغرائزي.. نعم، شعار سمير قصير «ربيع دمشق» كان له صدى في الشارع اللبناني بفعل تراكم أمني سياسي لم يكن على مستوى العلاقة اللبنانية ـ السورية وهذا ما أشار إليه الرئيس السوري في كلامه عن أخطاء ارتكبت في لبنان.
أدخلْنا السوري
في الأزقة
{ صحيح ان الرئيس بشار الأسد اعترف بأخطاء، ولكن يجب ألا نتجاهل انه كان هناك شركاء لبنانيون في هذه الأخطاء، من بينهم أنت وآخرون. ألا تعتقد أنكم ورطتم أحيانا السوري في الزواريب الداخلية، من دون إغفال جسامة ما ارتكبه بعض المسؤولين السوريين كذلك في لبنان.
^ المجتمع اللبناني معقد نتيجة تركيبة النظام والطوائف.. نعم، لقد أدخلنا السوري في الأزقة وهو دخل معنا في الأزقة والمصالح.
صب الزيت على النار
{ ألم يكن متاحا بعد الانسحاب السوري من لبنان الوقوف وقفة تأمل لإعادة مقاربة العلاقة مع سوريا بطريقة سليمة، بدلا من الانزلاق الى معاداتها والاصطدام بها بعدما عادت الى ما وراء الحدود؟
^ انسحب الجيش السوري، إنما لم يتوقف مسلسل الإجرام، وغدا التحقيق قد يكشف الحقيقة أو لا.. نحن كنا نوجه الاتهام السياسي الى النظام السوري، ولكن ربما كان هناك من يريد صب الزيت على النار من خلال الدخول على خط الاغتيالات، لان الأرض مخترقة.
{ تقصد ان هناك من دخل على الخط ونفذ اغتيالات لتحريضكم أكثر على سوريا؟
^ من يعرف.. من يعرف.. على كل حال هذا الأمر بيد لجنة التحقيق الدولية. وهذا يعيدني الى «فتح الإسلام» في نهر البارد، حيث العنوان كان شاكر العبسي ولكن من يختبئ خلف هذا العنوان، لست أدري.
{ ما هي الأدوار الإقليمية التي لُعبت فوق مسرح الأحداث اللبنانية بعد 14شباط 2005؟
^ العاهل السعودي الملك عبد الله كان يتذكر دائما وبحسرة علاقته مع الرئيس حافظ الأسد وكان يريد في مكان ما عودة التواصل مع سوريا، برغم ما كان يجري في لبنان، ولكن الظروف لم تساعد في مرحلة معينة، الى ان سويت المسألة وعادت الحرارة الى العلاقة الثنائية.
أما مصر فقد كانت حساباتها تتمحور حول إخراج سوريا من لبنان، ربما لاستعادة دورها التاريخي فيه، كما كان أيام عبد الناصر، ولكن طبعا المقارنة كما الظروف مختلفة اليوم. ولكن يبقى الأهم التضامن العربي للحفاظ على الطائف.
الأميركيون.. والصفقة
{ هل حان الأوان لرواية تجربتك الأميركية مع إدارة الرئيس جورج بوش؟
^ هنا، أقف عند موضوع المحكمة الدولية.. صحيح أننا تابعنا هذه المسألة حتى النهاية مع الإدارة الأميركية، إلا أنني كنت دائما ألحظ من المسؤولين الأميركيين الذي كنت التقيهم، كونداليسا رايس وجيفري فيلتمان وستيفن هادلي، التركيز على تغيير السلوك السوري. ربما كانوا يريدون من خلال الضغط على لبنان عقد تسوية أو صفقة مع النظام السوري ولكن على أساس فصله عن المقاومة في لبنان وفلسطين، وفي النهاية فشلوا، لأنه تبين ان سوريا بقيت لاعبا رئيسيا في العراق ولبنان وفلسطين.
{ هل خُدعت من الأميركيين؟
^ كلا.. أنا كنت أطالب بالحد الأدنى الأخلاقي تجاه الرئيس الحريري وهو موضوع المحكمة.. والإدارة الأميركية وجاك شيراك لعبا هذه الورقة حتى الآخر.
{ ألا تعتقد انه جرى استغلال كبير لمسألة المحكمة الدولية، أساء الى العلاقة اللبنانية السورية والى جوهر العلاقات بين اللبنانيين أنفسهم، بما جعلها تبدو وكأنها استثمار للدم من طرف ضد الآخرين بعدما كانت في المبدأ موضع تفاهم داخلي؟
^ في فترة حوار آذار عام 2006 كان الجو هادئا جدا، والبند الأساسي الذي تم التوافق عليه بالإجماع دون أي مناقشة من قبل الجميع، هو المحكمة. لاحقا، وقع عدوان 2006، ومع الأسف دخلنا في المزيد من التحريض.
لم أطالب بغزو سوريا
{ يومها أنت دعوت الأميركيين الى غزو سوريا؟
^ هنا أريد أن أكون واضحا، نعم، لقد قلت تلك العبارة الشهيرة لدايفيد اغناثيوس، قلت كما ساعدتم الأغلبية ان تصل الى الحكم في العراق، فلماذا لا تفعلون الشيء نفسه في سوريا.
أريد ان يعرف الشعب السوري بكل وضوح، أنا لم أطالب أبدا بغزو سوريا من قبل الجيش الأميركي. صحيح ربما أكون قد اعتقدت بأن يصار الى تحسين شروط بعض المعارضة في سوريا، وكان هناك شيء ما يسمى «جبهة خلاص» في سوريا، اعتقدت انه ربما تتحسن الأوضاع في سوريا. ربما كان لدينا وهم، او ربما نظرية، ويجب ان أكون صادقا في هذا الموضوع، أي نظرية سمير قصير حول «ربيع دمشق». ماذا كان يعني «ربيع دمشق»، كان يعني تحسين شروط العيش في سوريا، لكن أنا لم أطالب أبدا بغزو سوريا، وإذا كان كلامي آنذاك قد فهم من قبل القيادة السورية ومن قبل الشعب السوري بأنني طالبت بغزو سوريا، فأتمنى ان يكون كلامي التوضيحي اليوم، محوا لتلك الإساءة التي لحقت بالشعب السوري.
{ .. وهناك نقطة أخرى لها علاقة بالخطاب الشهير في ساحة الشهداء، وهنا ماذا تقول للشعب السوري وللقيادة السورية؟
^ اكرر وأقول، لم اطلب غزو سوريا، ومن غير المنطقي ان اطلب هذا الأمر، فهذا ضرب من الجنون، وخصوصا أننا في العام 1983 ـ 1984 أسقطنا مع سوريا اتفاق السابع عشر من أيار، وقاتلنا معا مع الجيش العربي السوري، وحتى في العام 1958 أسقطنا محاولة ربط لبنان في حلف بغداد، وحتى في العام 1976 وبرغم الجرح الكبير الذي أصابنا، ذهبنا بعد أربعين كمال جنبلاط واتفقنا مجددا مع سوريا على الثوابت الوطنية والقومية.
أتمنى أن يكون هذا الكلام كافيا لمحو تلك الإساءات، أو الإساءة تجاه الشعب السوري والقيادة السورية. فمع سوريا وبالدم شاركنا أيضا في صنع اتفاق الطائف.
{ تقول ان الإسرائيلي اليوم يستطيع ان يخلق أي ذريعة كما في عام 1982، هل كان في الإمكان تفادي الحرب في تموز 2006؟
^ ذريعة حرب تموز كانت خطف الجنود، لكن المعركة بينت لاحقا أن هناك قرارا أميركيا بمحاولة إطالة الحرب إلى آخر لحظة، لكن على الأرض من مارون الراس الى بنت جبيل، أثبتت المقاومة أنها أقوى بكثير، فلذلك، كل المحاولات الأميركية الإسرائيلية لإطالة الحرب فشلت سياسيا وعسكريا.
{ لقد حسمت أمرك من الأيام الأولى للحرب وقلت خطابا أرسلت فيه رسالة واضحة الى المقاومة و«حزب الله» لكن ما يسري على وليد جنبلاط لا يسري على حلفائه في 14 آذار، هل كان ثمة في 14 آذار من اعتقد ان هذه الحرب ستوصل الى نتيجة، هل كان هناك وهم بنشر «يونيفيل» على الحدود بين لبنان وسوريا واعتماد الفصل السابع؟
^ أيضا هنا أريد ان أورد نقطة للتوضيح، أعود وأؤكد ان الاجتماع الذي عقد في السفارة الاميركية خلال «حرب تموز» مع الوزيرة الاميركية كونداليسا رايس، كنا قد اجمعنا كلنا على وقف إطلاق النار وعدم الدخول في أي مغامرة لها علاقة بالفصل السابع. لكن آنذاك شخصيا انا طالبت بمراقبة الحدود اللبنانية السورية، وذلك لأننا كنا في ذروة التوتر الداخلي. أما بالنسبة الى الفصل السابع فانا قلت يومها أن الفصل السابع يعني الحرب الأهلية.
لم اكن دائما قائد 14 اذار
{ السيد حسن أهدى انتصار تموز لمجموعة شخصيات وقوى لبنانية وعربية وإسلامية، وسماك بالاسم وشكرك، ولكن بعدها جرى الاجتماع الشهير في البريستول، وعدنا الى موضوع نزع سلاح المقاومة، ففي أي سياق جاء البريستول، وخصوصا ان «حزب الله» وأهل الجنوب لم يكونوا قد لملموا جروح الحرب بعد، والناس ما زالت في الطرقات، والناس كانت تحاول ان تعود، وكانت الألغام والقنابل العنقودية ما تزال موجودة؟
البعض منا، كان يفكر ان من السهل جدا الطلب من المقاومة تسليم سلاحها والانخراط في الدولة، والبعض منا ربما كان يفكر بأنه لا بد من فصل لبنان عن الصراع العربي الاسرائيلي، ويجب الا ننسى ان هناك دعاة لحياد لبنان، وهذه المسألة قديمة وليست جديدة بل منذ الخمسينات وكنا أوائل الرافضين..
{ .. وقوة لبنان في ضعفه؟
^ صحيح.
{ لكنك كنت جزءًا من بيان البريستول آنذاك؟
^ صحيح، ولكن صوتي لم يكن دائما الصوت المرجح، أحيانا كان صوتي مرجحا، واحيانا اخرى كان صوتي تصعيديا، واحيانا لم يكن صوتي مرجحا، فيجب ان تأخذ بعين الاعتبار التشكيلة العريضة لـ14 آذار.
{ لكنك كنت توصف بأنك كنت قائد 14 آذار، وأنت من يحدد الإيقاع؟
^ هناك بعض المحطات لم اكن فيها قائدا لـ14 آذار، كان هناك محطات كنا فيها على خلاف. وما يمكنني ان اقوله الآن هو ان مراجعتي لـ14 آذار تحتاج الى بعض الوقت، وليس الآن.
{ هل تعتقد ان الرئيس بشار الأسد نجح في تمييز نفسه عن والده، بأن جعل لنفسه بصمة خاصة، وكيف تقرأ إدارته لسوريا وللعلاقة مع المحيط، مع تركيا ومع السعودية؟
^ عادت العلاقة السورية السعودية، بالرغم من التوترات المعينة، وهذه العودة هي أمر مهم جدا، ومن خلالها استطعنا ايضا ان نخفف بعضا من التوترات على الارض. في الآخر البلد عرضة لأي حادثة، مثلا هذا الشيخ الذي خطف نفسه كاد ان يفجر حربا أهلية.
ومع تركيا صحيح قام الرئيس بشار بخطوة جبارة، حيث لم يكن والده الرئيس حافظ الأسد ان يقوم، لأن الرئيس حافظ كان متمسكا بالحنين التاريخي بالقومية العربية بحذافيرها بلواء اسكندرون. الرئيس بشار تخطى موضوع اسكندرون، وليس معنى ذلك تفريطا بالسيادة، بل تخطاه الى الأبعد، مع الحليف الاكبر حزب العدالة الذي حول تركيا من العداء للعرب الى المصالحة مع العرب والمصالحة مع فلسطين، هذا عمود أساسي.
ومع ايران، العلاقة السورية الايرانية علاقة قديمة ولم تتغير ولن تتغير وانا اخالف كل الذين يقولون ان سوريا ستقطع مع ايران، هذه العلاقة بناها الرئيس حافظ في الثمانينات، وهو الوحيد الذي رفض ان يشارك العرب آنذاك في تلك الحرب العبثية التي كلفت ملايين الشهداء الايرانيين والعراقيين ومليارات الدولارات.
{ هل يمكن ان يفعل المسار السوري التركي الإيراني شيئا في المنطقة، هل يمكن ان يشكل عنصر توازن؟
^ يستطيع ان يشكل عنصر توازن، لكن يبقى الأساس، التوازن اين، التوازن على الحدود التي توجع، والحدود التي توجع هي لبنان، التوازن هو المقاومة، التوازن هو الخط البياني السياسي بين دولة ودولة، أي اننا نستطيع اليوم أن نبني بكل ثقة، علاقات بين دولة ودولة، وفي الوقت ذاته نحافظ على الورقة الإستراتيجية التي اسمها المقاومة في لبنان. انت على الحدود، على تماس مع فلسطين. لاحقا اذا حلّ الخلاف الفلسطيني الداخلي، تعود ايضا الى ان تقيم توازنا في غزة ، لكن في الوقت الحاضر حتى زيارة نبيل شعث يبدو انها فشلت.
{ في العام ألفين وخمسة وقبيل الانتخابات تحدثت عن تسوية تاريخية بين لبنان وسوريا، ودعوت لانتخاب مجلس نيابي غير معاد لسوريا؟
^ صحيح، لقد كانت هناك صلات متواصلة مع السيد حسن نصر الله في هذا السياق.
{ وآنذاك ايضا حذرت من تحويل لبنان الى قاعدة للاميركيين بوجه سوريا والمقاومة، اين التسوية التاريخية التي دعوت اليها، واي مستقبل للعلاقة بين لبنان وسوريا، هل يمكن ان يرجع لبنان كما كان قبل الانسحاب السوري منه، هل ممكن ان يكون لبنان نسخة كما كان في السنوات الاخيرة مشرّعا ضد سوريا، وما هي مقاربتك لهذا الموضوع من زاوية الطائف والامن والسياسة الاقتصاد والمستقبل؟
^ التسوية التاريخية بدأت بزيارة الرئيس سعد الحريري الى سوريا، وترجمتها لاحقا بعلاقات امنية، تحفظ الامن اللبناني من أي اختراق اسرائيلي او غير اسرائيلي موجه ضد سوريا، بعلاقات سياسية حيث نعيد التذكير بالعدو الاسرائيلي وبالصديق وبالعمق العربي. حتى الآن هناك شرائح معينة من الشعب اللبناني، اسلامية ومسيحية لا ترى هذا الامر، يجب ان تعود وتؤكد الامر لم ينته، هناك ما يزال عداء مستحكم ضد سوريا وقد خرجت سوريا.
{ يعني 5 سنوات من التعبئة والتحشيد؟
^ الامر يحتاج الى جهد كبير. ثم بالاقتصاد لم نقم بأي خطوة جدية، اقتصادنا اللبناني البرجوازية اللبنانية اذا صح التعبير، اقتصادها مبني على الغرب، هذا الامر تاريخيا هكذا.
انا ضد التحريض على سوريا
{ ماذا عن احتقال 14 شباط؟
^ لا ارى موجبا للتحريض ضد سوريا، وهذا الكلام الذي صدر ويصدر، وكأن هناك محاولة شطب او تناسي أن سعد الحريري قام بزيارة الى دمشق. سوريا خرجت عسكريا وخرجت امنيا، ولكن هناك تذكيرا بالطائف، امن سوريا من امن لبنان وامن لبنان هو من امن سوريا. لا بد من عودة الى تحديد الصديق من العدو. كلام 14 شباط محاولة عزل كل هذا الموضوع، وحتى عزل لفرقاء، اعتقد انني كنت احد المشاركين المتواضعين في 14 شباط، هم الآن يحاولون ان يعزلونا عن الذكرى.
{ هل سيؤثر هذا الجو على مشاركتك في 14 شباط؟
^ سأشارك، في الوقت المناسب سأحدد كيفية المشاركة، ما يزال لدي وقت، سأشارك ولا استطيع الا ان اشارك من موقع الوفاء للرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن في الخلاصة هناك محاولة لبناء جو عدائي ضدنا ومن دون مبرر.
{ هناك مستفيدون من 14 شباط، أتريد ان تقفل لهم دكاكينهم؟
^ كان الافضل ان تكون مناسبة 14 شباط مناسبة جامعة للجميع، انا والرئيس نبيه بري كنا نفضل لو اننا شاركنا سويا ومع العماد ميشال عون ومع المقاومة. فلنتذكر أن رفيق الحريري حمى المقاومة في تفاهم نيسان.
{ الرئيس رفيق الحريري هو شهيد البلد كله، والكل حزنوا عليه.
^ طبعا.
{ .. ولكن تم استخدام شهادة الرئيس الحريري كسد حقيقي لتسميم العلاقات بين الناس، بين السنة والشيعة، وطبعا لهذا الامر امتداده ايضا، في العراق يحصل التسميم والتهويل بالهلال الشيعي والحرب على الشيعة تحت عنوان إيراني؟.
^ هذا يؤكد لنا نظرية احد كبار صانعي السياسية الاميركية في الخفاء او في العلن دنيس روس، في كتابه الشهير «الاوهام حول السلام» كل نظريته مبنية على ان القضية الفلسطينية ليست القضية المركزية عند العرب ولا عند المسلمين، لا بد من خلق مسارات اخرى. المسارات الاخرى كيف تكون، تكون بالتفتيت. التفتيت السني الشيعي، التفتيت العربي الكردي، التفتيت في اليمن، التفتيت في كراتشي. في افغانستان. في باكستان، التفتيت بالسيطرة. التفتيت اليوم حتى في العراق، هذه الادارة العراقية موجودة، وهناك خلاف بين اجنحة الادارة حول الانتخابات، وكأن المطلوب المزيد من الشرخ داخل العراق.
مشكلة لبنان في الانعزال
وفي الرجعية الإسلامية
{ هل تعتقد انه قد أعيد تلزيم سوريا مجددا بإدارة الملف اللبناني، وهل عاد لبنان ملفا؟
^ ليس تلزيما، وانا هنا اخالفك الرأي، لكن هنا يجب ان تجرّنا تجارب الماضي دائما الى الحذر. عندما يكون لبنان في وضع عدم استقرار اقليمي، تكون هناك مشكلة، لبنان استقر اقليميا من 1958 وحتى 1967 نتيجة التسوية السياسية بين جمال عبد الناصر والولايات المتحدة الأميركية. واقتضت ان تعطي الادارة اللبنانية لجمال عبد الناصر ما يريده في السياسة الخارجية، والضوابط الداخلية. في العام 1967 انهزم العرب، وانهزمت سوريا وجمال عبد الناصر، وظهر الانعزال اللبناني آنذاك، وكانت بداية الحرب، في العام 1968 التي اجتاحت كل الاعتدال اللبناني العربي، وهذه كانت الشرارة الاولى التي جرت الى العام 1975 واندلاع الحرب.
الآن، الانعزال الموجود حاليا في لبنان، ولا اقصد هنا المسيحيين، وسأستعمل كلمة اخرى، الرجعية، لأن الانعزال هو صفة ملازمة لبعض من القوى المسيحية الرجعية. هناك ايضا رجعية اسلامية اقوى اليوم بكثير مما كانت، لأنها كانت في الخط العربي تاريخيا. اليوم غالبية الخط الاسلامي او بعض الشرائح الاسلامية اصبحت رجعية، معادية للعرب ومعادية لسوريا ومعادية لفلسطين، وشاهدنا هذا الأمر في العدوان على غزة، كيف انه لم يتحرّك الشارع البيروتي ولا الصيداوي ولا الطرابلسي، لم يتحرّك خلال العدوان على غزة. آنذاك كانت بعض الاوساط تريد تدمير غزة، بذريعة ماذا، بذريعة ان حركة حماس ايرانية. نقع غير مبالين في الفخ الاميركي الاسرائيلي، بأن ايران هي العدو، وتوازي اسرائيل، هذا امر محزن ومؤسف.
لذلك اليوم، لا بد من استثمار زيارة سعد الحريري الى سوريا بشكل موضوعي، وبناء علاقات ثقة، واعادة الجمهور التقليدي العربي الى سوريا والى العروبة والى فلسطين، والا الخروج، حتى لو خرجت، معنى لبنان قد يتعرّض الى ضغوط عسكرية، وضغوط داخلية لأن النظام الطائفي والعلاقات الداخلية ما تزال هشة.
{ كيف قرأت مقابلة الرئيس بشار الأسد لسيمور هيرش، حول ان النظام في لبنان يولد حروبا أهلية؟
^ ربما تكون هفوة لسان، صحيح ان بعض الاصوات السيادية تقول برفض هذا الكلام، لكن نحن حاولنا على مدى سنوات تطوير النظام، وعلى الاقل كمال جنبلاط حاول. ونبيه بري ماذا فعل، ما فعله هو انه حاول تشكيل هيئة الاعداد لالغاء الطائفية السياسية، فقامت عليه القيامة والاعتراضات من كل حدب وصوب، لأن المطلوب هو منع أي صوت مستقل عن الطوائف او عن الرجعية بأن يخرج. النسبية تكسر الحدة الطائفية، إلغاء الطائفية السياسية ولو بالحد الادنى تكسر الحدة، ولكن لا، المطلوب هو سيطرة القوى الكبرى على طوائفها ومنعها من التعبير. المطلوب كسر الحلقة.
{ هل تعتقد ان المسيحيين محقون في الهواجس تجاه إلغاء الطائفية السياسية؟
^ في رأيي ان خلاص المسيحيين هو بإلغاء الطائفية.
{ كيف؟
^ لأنهم في الاساس، تاريخهم علماني، وتاريخهم عروبي، والتقوقع لا يعطي أي نتيجة.
{ كيف تفسر التقاء كل المسيحيين من النائب ميشال عون الى سمير جعجع إلى أمين الجميل حول هذا الموضوع؟
يلتقون ايضا مع الطوائفيين الآخرين، عند السنة وعند الدروز وعند الشيعة، هل ان الطوائفيين محصورون عند المسيحيين فقط.
{ .. ولذلك كلهم تواطأوا على قانون الانتخابات النيابية وأعادوه الى قانون الستين، والان ايضا بالنسبة الى قانون البلديات اعتقد ان الامر هو نفسه؟
^ اعتقد ان الوحيد غير الطائفي هو زياد بارود، واعتقد انه يحاول ان يقوم بمحاولات يائسة، ولكن تم اجهاضه، الا بقضية تمثيل المرأة بنسبة عشرين في المئة.
{ في ما يتعلق بزيارتك الى سوريا، متى ستتم؟
^ لا استطيع ان اجيب على هذا الامر، في الخلاصة هناك طريقة معيّنة هي كيف سأتبلغ بموعد الزيارة. في الخلاصة ما هو المطلوب، انا اتكلم الآن من منطلق طائفي ومذهبي، ان مصلحة الدروز هي في العمق الاساسي وهو سوريا، العمق الاساس في مواجهة بعض الانعزال الدرزي هو سوريا، هذا العمق التاريخي من سنة 1925 ثورة ضد الانتداب الى 1958 وحتى 1976 وتأكيدا الى 1982 والوقوف مع سوريا. هذا هو العمق الطبيعي.
{ من أين يتغذى الانعزال الدرزي؟
^ يتغذى من الموجة العاطفية التي خلقناها مع الاسف، تحت شعار رفض السوري، لقد تكوّن لدى الشباب الدرزي والاسلامي بشكل عام ردة فعل انعزالية..
{ … لبنان أولا؟
^ نعم، «لبنان اولا»، ثم هناك وسائل الاعلام، ووسائل الاختراق السياسي والاعلامي الاسرائيلي كبيرة جدا، هذا الهاتف، ايا كان يتصل بك ومن أي مكان، واسرائيل تتصل بلبنانيين، وليس فقط الشبكات التي كشفها الجيش اللبناني، هم يتصلون، وهذا امر مخيف، وهذا يعيدك لأن تشير اكثر الى محاولات التفتيت. خذوها قاعدة، التفتيت لم ينته ولن ينتهي. وله اشكال متعددة، اسلامية اسلامية ، اسلامية مسيحية ، درزية شيعية، شيعية سنية.
{ لقد قلت قبل أيام، ان ليس المهم بأن تذهب أنت الى دمشق، بل المهم هو ان تذهب الطائفة الدرزية معك، فهل ستستطيع ان تأخذ الدروز معك، هل أصبح الشارع الدرزي متقبلا لهذه الزيارة؟
^ نعم، غالبية الشارع الدرزي، ولكن هناك اعتراضات من بعض الحزبيين، ومن بعض الشرائح، لأنهم قد يكونون لاحظوا ان التحوّل الذي قمنا به هو تحوّل سريع. علما ان هذا التحوّل كان سريعا تفاديا للاخطار. ولا ننسى اننا في 14 شباط 2009 كدنا ان ندخل في حرب اهلية ، ونجونا منها بأعجوبة بمساعدة العقلاء والحكماء في الطائفة الدرزية والشيعية واجهزة الامن تفادينا ووأدنا الحرب المذهبية التي كانت على وشك ان تندلع في 14 شباط 2009.
{ موضوع 7 أيار والقرارين الشهيرين في 5 أيار 2008، هل آن الوقت لكشف الأسرار؟
^ لا توجد أسرار. واما بالنسبة الى القرارين، فأنا أتساءل دائما لماذا تم حل موضوع الكابل الآتي من الضاحية الى الوسط التجاري بشكل تفاوضي، ولماذا لم تحل المواضيع الاخرى بالتفاوض. وقد علمت لاحقا ان الكابل الاول قد تمّ حله بالتفاوض ودخلنا في مزايدة بالقرارين.
{ هل هذه هي قصة القرارين فقط، الا يوجد ما هو أعمق مما تقوله، معلومات خاطئة مثلا؟
^ ربما هناك معلومات خاطئة، وهذا يتطلب وقتا، ربما هذه المعلومات الخاطئة قد وصلتني كما وصلت الى جهات اخرى. ربما كان يراد إراقة الدم والتفتيت في لبنان من اجل اجهاض انجازات المقاومة، ربما. هذا الامر يحتاج الى مراجعة وانا لا املك المعلومات، فقط اعرف ما يتعلق بي، فقد كانت لحظات أشبه بلحظات الخطاب الشهير في ساحة الشهداء، وسأسميها لحظات انفعال تحت تأثير الضغط.
{ مع السيد حسن نصر الله، بتقديرك هل ان ما حصل من كلام حول هذا الموضوع كاف؟
^ يحتاج الى متابعة.
{ هل بدأتم في استعادة مناخ الثقة بينكما؟
^ في اللقاء الثاني، نعم. اللقاء الاول كان لقاءً فيه اسئلة، وربما تحتاج الامور الى لقاء آخر، ويمكن ان يحصل لقاء في وقت قريب، ولكن المهم هو ان الامور تحتاج الى لقاءات على الارض، ولاسيما ان اللقاءات التي جرت في المصالحة في الجبل هي مهمة جدا، ولكن اتمنى على البعض الا يزايد ويقول ان الجو الدرزي ليس مهيئا للمصالحة.
قطعت كل الطريق الى سوريا
{ هل سيلعب السيد نصر الله الدور الحاسم في تجاوز الأمتار الأخيرة مع دمشق، وأنت قلت انك قطعت ثلاثة أرباع الطريق، وما يزال ربع الطريق؟
^ اتصور ان الطريق كلها قد قطعت. لقد قطعت كل الطريق، وليس المهم ان يذهب وليد جنبلاط الى دمشق، بل الأهم هو ان نعيد التواصل الوطني والعربي بين دمشق وبين لبنان، هذا اهم، التواصل القومي هو الاهم، المهم ان نعود ونرفع الشعار العروبي والفلسطيني كأولوية، اليوم، الشعارات المرفوعة هي شعارات محض مذهبية وطائفية، لا تطمئن لمستقبل لبنان.
{ ثمة من يقول ماذا سيفعل وليد جنبلاط اذا تغيرت موازين القوى مرة أخرى.
^اعتقد ان هناك تجربتي في العام 1982، وقبلها تجربتي في العام 1977 ذهبت الى دمشق بعد الاربعين ووضعنا اغتيال كمال جنبلاط جانبا، صحيح بقيت هناك بعض ردات الفعل العاطفية، لكن ذلك لم يؤثر في المسار السياسي والقتالي والنضالي المشترك، وفي العام 1982، كان الاجتياح الاسرائيلي واكملت مع سوريا، وسنكمل الآن ونستمر.
الخطر يوحـّد.. وايضا الجغرافيا السياسية والمصير وحماية الدروز من أي انعزال. وفي النهاية هذا هو تاريخنا تاريخ الدروز، المذهب شيء والتاريخ السياسي شيء آخر. اعلامنا كلهم عروبيون.
مشروع قانون لفك أسر
المهن المحظورة على الفلسطينيين
{ انت ترى اليوم الخطر الاسرائيلي على لبنان والمقاومة وعلى سوريا وعلى فلسطين؟
^ هناك مكوّن يشكل تهديدا دائما هو المقاومة، محاولة اسرائيل في العام 2006 فشلت، وقد تعيد اسرائيل الكرة في الوقت المناسب لها لاضعاف المقاومة، فعندما تحاول ان تضعف المقاومة في لبنان، ستتأثر المقاومة الفلسطينية.
{ لماذا هذا التضخيم والتكبير لموضوع التوطين في لبنان وهذه المحاصرة لكل الأبعاد الإنسانية والاجتماعية لهذه الشريحة وإلا يمكن أن يرتد التهييج على أبعاد وطنية أخرى ولماذا يوضع التوطين مقابل حق العودة؟
^ عقدنا مؤتمرنا كحزب حول موضوع الحقوق المدنية للفلسطينيين وكان ناجحا وقد وعدت بعض الكتل النيابية ومنها «المستقبل»، بأننا إذا تقدمنا بمشروع قانون من اجل فك اسر 70 مهنة يمنع الفلسطيني من مزاولتها، فهم سيسايروننا فيها وقال لنا الرئيس سعد الحريري انه مستعد للمضي بهذا المشروع وعلينا أن ننتظر وان نرى ماذا سيحصل. ولكن أذكركم انه عندما تجرأنا وطالبنا بوزارة دولة تعنى بالملف الفلسطيني لعضو «اللقاء الديموقراطي» وائل أبو فاعور، فاتخذت المسألة منحى مذهبيا وأصبحت القضية الفلسطينية قضية مذهبية. إنها قضية عدالة شعب لاجئ بأكمله في بلد آخر. شعب مطرود ومهجر… عند هذا الحد تراجعنا.
{ ربما خاف البعض أن تلزم الملف وتجيره لحزب الله؟
^ لا علاقة. لا علاقة. لكن طلعت بعض الأصوات وقامت قيامتها علينا.
{ لكن التراجع إلى أين يوصل الموضوع؟
^ في هذه الحالة ماذا تفعل؟
{ هم يهجمون في هذا الموضوع عليك وأنت تتراجع. إلى أين؟
^ ماذا بمقدورنا أن نفعل. في أول جلسة نيابية سنقدم مشروع قانون وسنختبر ردود فعل الكتل عليه بما في ذلك بعض من التزموا بالسير به. المطلوب فك الأسر لإعطاء الحد الأدنى من الحياة الكريمة للاجئ والمواطن الفلسطيني. بموضوع التم