هي مصادفة قدرية أن تتم زيارة الرئيس فؤاد السنيورة إلى المملكة العربية السعودية بعد غد (الاثنين) عشية الذكرى الأولى لاستشهاد قائده ومعلمه الذي قدمه إلى اللبنانيين بالكفاءة التي عرفها فيه، الرئيس رفيق الحريري، بجريمة الاغتيال البشعة التي أصابت من لبنان (ومن سوريا) مقتلاً.
سيكون طيف رفيق الحريري حاضراً وبقوة، غداً في الرياض، بكل ما أنجزه، وبكل ما نجم عن اغتياله من خسائر تصل إلى مستوى الكارثة الوطنية، بل القومية إذا أخذنا بالاعتبار ما أصاب العرب في سمعتهم نتيجة اغتيال »رجل العرب الدولي«، فضلاً عن النتائج المدمرة التي لحقت بلبنان (وسوريا) والتي يصعب محو آثارها بل حتى التخفيف منها، ليس فقط على مستوى الاقتصاد والمشروع الطموح لإعادة الإعمار، بل أساساً على مستوى العلاقة بين اللبنانيين، ثم بينهم وبين السوريين، وهي قد تدهورت حتى بلغت حافة الحرب المفتوحة.
… ولأن ثمة مستفيدين، في الداخل والخارج، من هذه الحرب، فهم يبذلون كل ما في وسعهم من جهد، لتعطيل أية محاولة لاستعادة التوافق بين اللبنانيين، بمختلف تلاوينهم السياسية، كما لتعطيل أية مبادرة عربية للتخفيف من أوار الحرب بين لبنان وسوريا، خصوصاً بعدما أخذ التحقيق الدولي في جريمة الاغتيال طريقه التي لا مجال لحرفه عنها، وبعدما تم التوافق داخلياً على طلب محكمة دولية بمشاركة لبنانية.
لم يعد سراً أن ثمة مستفيدين من جو الحرب المزدوجة،
ولم يعد سراً أن ثمة من »يفخخ« المناخ ليمنع أية محاولة جدية لتوفير إجماع وطني يحمي مسار التحقيق (ونتائجه)… ففي ظل استمرار الخلافات (الطبيعية منها والمفتعلة) على مجريات التحقيق (وهي أولية) يمكن للاستنتاجات المفتوحة على الغرض السياسي أن تخدم زعامات وقيادات وتكتلات ما كانت لتقوم لولا بشاعة الجريمة باستهدافها رجلاً بالرصيد النادر لرفيق الحريري، وما كانت لتستمر لو أن التحقيق قد وصل إلى هدفه فقطع الشك باليقين محدداً مسؤوليات المشاركين جميعاً سواء بالتحريض أو بالتخطيط أو بالتنفيذ.
يتصل بذلك هذا الاستنفار العدائي، بل الهجوم الاستباقي ضد أي مبادرة عربية لتهدئة الجبهات الملتهبة، تمكيناً للتحقيق من أن يتكامل في مسراه حتى النهاية التي تمهّد للخطوات التي ستبنى عليه، وهي كالتحقيق في عهدة مجلس الأمن الدولي.
من هنا كانت الحملة المتجنية على الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى حين قرر أن يجيء لاستكشاف الجو، بحكم مسؤولياته، وهو الذي لا يشك أحد في حيدته بل وفي صداقته الحميمة للشهيد رفيق الحريري وإعجابه المعلن به.
من هنا أيضاً كانت الحملة المقصودة والمجلببة بالغضب على محاولة صياغة مبادرة سعودية (يمكن أن تنضم إليها مصر)، لوأد هذه المبادرة في مهدها، وترك المساحة للحرب والمستفيدين منها.
وإذا كان الأمير سعود الفيصل قد عاد فأكد أن ثمة مبادرة سعودية، وأن هذه المبادرة لن تتوقف نتيجة الحملة الاستباقية (بالتجني وسوء الظن)، فإن رحلة الرئيس فؤاد السنيورة إلى الرياض تعني أول ما تعني فتح الباب وسيعاً أمام هذه المبادرة التي يحتاج إليها اللبنانيون بقدر ما يحتاج إليها السوريون، بل ويحتاج إليها العرب جميعاً في هذه اللحظة السياسية التي تتجمّع فيها نذر مخاطر تحمل الويل على العرب (والمسلمين) جميعاً.
لقد حفلت السنة السوداء التي نعيش نهاياتها مع الذكرى الأولى لتغييب الرئيس الشهيد، بكمّ هائل من التطورات، لبنانياً وعربياً، تشكل بمجملها تحولات لبعضها طابع مصيري.
يكفي أن نلتفت، مرة أخرى، إلى العراق تحت الاحتلال الأميركي وما جرى ويجري فيه، وما يخطط ليكون بما يهدد وحدة العراق أرضاً وشعباً وهويته العربية، كدولة.
ويكفي أن نلتفت إلى فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكيف يُنكر على شعبها حقه في اختيار سلطته (التي تكاد تكون في مستوى رئاسة بلدية)، وكيف تسحق شعارات الديموقراطية برصاص الاغتيال اليومي لأبطال المقاومة وبالتهديد الأميركي والغربي بوقف المساعدات (على شحها) عن شعب فلسطين، لأنه صدق الوعد فاختار مَن أرادهم من أبنائه لمجلسه التشريعي المحدود الصلاحية.
هذا قبل أن نصل إلى إيران وما يُدبّر لها حتى لا تكون قوة، وحتى تظل المظلة النووية الإسرائيلية تغطي سماء منطقتنا كاملة.
إن اللبنانيين يتوجهون إلى المملكة وإلى خادم الحرمين الشريفين، بالذات، بآمالهم في أن يكملوا (مع مصر) ما بدأوه… فالمبادرة تكاد تكون باب الأمل الذي يخفف من عتمة الوضع المنذر بالمخاطر الذي يعيش في ظله اللبنانيون. ونذر الأيام الأخيرة شاهد وشهيد.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان