مع أن اللبنانيين على قدر عال من »السذاجة السياسية«، فإنهم يرفضون أن يتسامحوا مع كل هذا القدر من النفاق السياسي الذي يتجلى في الفوارق الفاضحة بين جلسة مجلس الوزراء، أمس، وسابقتها يوم الخميس الماضي..
إن ستة أيام، مهما كان موقعها في »التاريخ«، لا تكفي كي ينقلب الخصام إلى حد تبادل الإهانات الشخصية الجارحة للمقامات العليا في الدولة، كما للأشخاص، إلى وئام كاد يبلغ حدود العناق بين مَن لوّعهم الشوق إلى التلاقي!
إن الأشخاص هم الأشخاص، لم يتبدل منهم أحد، ولم يتبدل في مواقفهم ما يلفت الانتباه، فماذا عدا مما بدا حتى تعود الشرعية إلى المطعون في شرعيته قبل أيام، وبأي أعجوبة استعاد »مجلس الوزراء« وحدته بوصفه المؤسسة العليا للحكم، وأي نور سماوي هبط على المتقاطعين والمتنابذين بالألقاب فجعلهم يتلاقون بعد فرقتهم، ويتحابون في قلب »كراهية« بعضهم البعض الآخر؟!
إن اللبنانيين، على سذاجتهم، يطلبون توضيحاً كي يفهموا أسباب الانقلاب الحاد، في مواقف الأطراف جميعاً، سواء منهم من كانوا طليعة الهجوم، أو كان رديفاً، أو كان قلب الهجوم المضاد، ثم من »حيّد« نفسه وهو غير محايد، وبمنطق أن ما يجري »مسرحية« مرتجلة، لا بد من أن تصطدم بالاستحالة، فيرتد أطرافها على أعقابهم وقد حقق كل طرف ما يريد: هي معركة وهمية سلاحها الكلام أمام الإعلام، والفضائي منه على وجه الخصوص! هناك بدايتها وهناك نهايتها ولا ضحية لها إلا… »الجمهور« المنقسم أصلاً، والذي أساءت »العركة« ثم »المهادنة« إلى انقسامه إذ جعلته »كاريكاتورياً«.
هل يطمع اللبنانيون بأن يكون المسؤولون عن حكمهم أكثر جدية، وأكثر احتراماً للرأي العام، داخل البلاد وخارجها… لا سيما أن الموضوع الذي كان مطروحاً على الجلسة المجهضة وأعيد طرحه على جلسة الأمس، أخطر من أن يتحمّل التلهي بالمشاجرات التي لن تبدل لا في المواقف ولا في المواقع.
إن الورقة الاقتصادية المطروحة للنقاش تعيد صياغة موقع الدولة (دولياً) ومسؤوليتها تجاه مواطنيها بأوضاعهم الاجتماعية كافة.
وبمعزل عن الاختلاف الذي سيكون حاداً على عناوينها والإجراءات المقترحة لتنفيذها، فإن الورقة خطيرة بمضمونها، بحيث تستدعي أعلى قدر من المسؤولية الوطنية، ومن استحضار »الشعب« بهمومه وأوجاعه وطموحاته ليكون النقاش في المستوى الجدي المطلوب، بعيداً عن المزايدات والمناقصات التي لا تسمن ولا تغني من جوع..
وليس بمثل هذه الاستعراضات الهزلية يمكن مناقشة ورقة قد تغيّر وجه لبنان.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان