فرضت »ثورة القدس« الدعوة الى القمة العربية، المرجأة منذ سنين وحتى إشعار آخر!
اضطر الرؤساء والملوك العرب الى تجاوز مخاوفهم والخروج من دائرة التردد »خشية إغضاب الاصدقاء الكبار« الى القرار بتحديد موعد للقمة التي يرغبون فيها بقدر ما يخافون منها.. ذلك ان الغالبية منهم تتربع فوق أوضاع متهاكلة لا تتحمل المخاطرة فكيف ببرميل البارود الذي دحرجته في اتجاههم اسرائيل بمواجهتها الوحشية لأطفال الحجارة، عنوان الصمود العربي والاصرار الفلسطيني على وطن ودولة فوق »الحد الأدنى« من أرضهم، وبالحد الأدنى من حقوقهم كبشر في الألفية الثالثة.
هي »قمة القدس«، إذن، قمة المائة شهيد وأكثر والألفي جريح وأكثر، والتطرف الاسرائيلي الذي يحاول ايهود باراك ان يبلغ ذروته متجاوزاً منافسيه اللدودين ارييل شارون، الذي لعب دور المفجر بالتواطؤ معه، وبنيامين نتنياهو الذي يعد نفسه لوراثة الخصمين المتحالفين عليه الآن.
على ان »حزب الله« قد عدّل بعمليته النوعية المميزة، أمس، جدول أعمال هذه القمة التي ارتجلها الخوف على عجل، بل إنه قد أجرى عليها تعديلاً جذرياً، فرفع السقف الذي ستستظله الى أعلى مما كان يقدر الملوك والرؤساء المقادون اليها بالسلاسل.. المقدسية!
لقد أكد »حزب الله« في القدس ما ليس بحاجة الى إثبات:
فهذه المدينة التي لا شبيه لها ولا نظير هي »عالم« كامل، هي مساحة مشتركة بين الأرض والسماء يضيع فيها الحد الفاصل بينهما، وينتمي اليها بالقرار بالذاتي كما بالايمان كل إنسان »مؤمن« في أربع رياح الأرض، ويقبل على نفسه إزاءها ما قد يتهرب منه كواجب تجاه مدينته او مسقط رأسه بالذات.
هي المدينة التي لا حدود لها، وإن كان الفلسطيني أهلها والعروبة هويتها الثابتة عبر التاريخ.
والعملية الشجاعة لمجاهدي »حزب الله«، ذات التوقيت المقدسي بامتياز ستشكل تحديا للقمة العربية، خصوصا وهي قد كشفت مجددا أن للقوة الاسرائيلية حدوداً لا تستطيع تجاوزها مهما بلغت من التفوق في القدرات العسكرية المتطورة ومن الدعم الدولي غير المحدود.
على امتداد عشرة أيام طويلة ومجللة بالدم ظلت آلة القتل الاسرائيلي الجهنمية تصطاد الاطفال والفتية العزّل وتحصدهم بالعشرات، بقذائف الدبابات وبصواريخ الحوامات كما برصاص جنودها المصفحين.
لكن الوضع تبدل بعد عملية المجاهدين البواسل الذين جاءوا بالجنود الاسرائيليين الثلاثة من مكامنهم العسكرية هائلة الحراسة داخل الارض اللبنانية التي ما زالت محتلة في مزارع شبعا…
وهذا سيفرض تعديلا على منطق القمة وعلى نتائجها، حتما، ولا سيما أن باراك قد وصل في تهديداته الى حد التلويح بوقف… العملية السلمية، وكأنه كان حتى الأمس، شديد الالتزام بها وعاكفاً على تنفيذها نصاً وروحاً!!
لقد وسّعت اسرائيل دائرة القتل المجنون حتى وصلت نارها الى »الحدود« مع لبنان، بل وإلى داخله، فرمت برصاصها بعض أهل ضحاياها في الداخل الفلسطيني، الذين قد ذهبوا الى »البوابة« لتأكيد هويتهم الفلسطينية، أي لتأكيد إصرارهم على العودة الى »وطنهم« ورفضهم »التوطين« الذي يريد بعض اللبنانيين ان يجعلوه »معبراً« جديداً الى »السلام الاسرائيلي«!
لم يفعل »حزب الله« غير تأكيد التزامه بشروط »السلام اللبناني« أي الجلاء الاسرائيلي عن كامل الارض اللبنانية، بما فيها مزارع شبعا، وإطلاق سراح الاسرى والمحتجزين الذين ما زالوا في السجون الاسرائيلية.
وسيلقي هذا »السلام اللبناني« بظله على القمة التي فرضها الدم الفلسطيني والتطرف الاسرائيلي والتخلي الاميركي عن تلك العملية البائسة التي كادت تصبح نسياً منسياً وإن كانت واشنطن تلوح بها بين الحين والآخر للضغط على سوريا ولبنان وسائر العرب.
على الهامش، يمكن القول ان »حزب الله« بعمليته الشجاعة هذه قد تجاوز »حوار الأحقاد« الدائر في لبنان، منذ بعض الوقت، والذي فضحه الآن توقيته بأكثر مما فضحه النص المستفز والذي تبدى وكأنه يريد نقل التوتر الى الداخل اللبناني بينما كان الانسحاب الاضطراري يفعل فعله داخل المحتل الاسرائيلي.
لقد أبطلت عملية »حزب الله« مفعول التهديد الاسرائيلي، كما فضحت حجم الارتباك السائد في الأوساط السياسية داخل دولة القتل، عدوة الأطفال، التي لا تجد وسيلة لتأكيد »ديموقراطيتها« كما فعل باراك أمس، الا بتوحيد رماتها الحسني التدريب في مواجهة بؤساء العرب المسحوقين بالفقر وافتقاد القيادة.
على انه من الضروري أخذ التهديد الاسرائيلي بحرب شاملة ضد لبنان وسوريا، إضافة الى الفلسطينيين، بجدية، وحماية أرواح الأسرى الثلاثة الذين قد يتم إنقاذ »القمة« بفضلهم، وقد تتحقق كامل أهداف الانتفاضة الفلسطينية في »ثورة القدس«، إضافة الى استكمال الجلاء عن لبنان وإطلاق جميع الأسرى الذين ما زالوا في السجون الاسرائيلية.
لقد أعطت فلسطين الأرض للقمة العربية،
وأعطاها المجاهدون في لبنان السقف،
وعسى الا يجد الملوك والرؤساء العرب أنفسهم في وضع لم يكونوا يرغبون فيه حين خرجوا من خوفهم فتداعوا الى لقاء لعله كان مطلوباً، ولعله الآن لم يعد مرغوباً فيه!.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان