ساعة واحدة تكفي للبت بمصير العراق، ومعه كملحق فلسطين!
لا يستحق العرب أن تهدر عليهم »محاكم التفتيش« الجديدة أكثر من ساعة من الوقت الاميركي الثمين!
ولا يستحق المخالفون لإرادة »امبراطور الكون« اكثر من مهلة اربع وعشرين ساعة ليقرروا: هل يكونون شركاء في قرار الحرب، أم يصنّفون في معسكر الاعداء وتكون الحرب، في بعض جوانبها وفي مجمل نتائجها حرباً عليهم هم أيضاً!
أبواب »الفسطاط« الاميركي مفتوحة بعد، ولمدة يوم واحد، لكي يقرر »الضالون« و»المكابرون« الالتحاق بالجبهة وإلا عوملوا كجنود فارّين في زمن الحرب، او كخصوم خانوا رفاق سلاحهم بل »محرريهم« في زمن مضى وانحازوا الى العدو المرعب الجديد: العراق!! الذي لا يجد شعبه ما يكفي لسد الرمق وتأمين استمرار أطفاله على قيد الحياة!
ومن الضروري تقدير الجهد الذي بذله كل من الرئيس الاميركي جورج بوش وتابعيه الناصحين الخبيرين بالعرب (قديماً وحديثاً) رئيس الحكومة البريطانية (العمالية!!) طوني بلير، ورئيس الحكومة الاسبانية (اليمينية) خوسيه ماريا ازنار، للوصول الى بعض جزر القراصنة في ارخبيل اسوريس، قبالة الساحل البرتغالي، وعقد »قمة الساعة« الطارئة هذه والخاصة بإعلان الحرب على العرب (عبر العراق وفلسطين)، وإعلان الحرم على كل من طالب بإرجاء تنفيذ حكم الاعدام، ولو لأيام.
العدالة الاميركية مكلفة: ان اعلانها يتطلب تسع ساعات من الطيران!
ثم ان الرئيس الاميركي وتابعيه يبتدعون جديداً في السياسة الدولية: إنهم يقررون الحرب، علناً، ويحددون ساعة صفرها علناً، ويتباهون بأنهم إنما يتحدون إرادة العالم (خارجهم) علناً، ويتبادلون الأنخاب في لقائهم الاحتفالي داخل القاعدة العسكرية الاميركية المقامة فوق تلك الجزيرة لحماية الديموقراطية وحقوق الانسان في اربع رياح الارض!
إن القطب الأوحد لا يخفي احتقاره للجميع: المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الامن، المرجعيات الدينية (المسيحية اساساً وعلى رأسها الفاتيكان والبابا شخصياً، والأسلامية عموماً، وحتى الاوساط المستنيرة في اوساط اليهود)… كما لا يخفي احتقاره للشعوب جميعاً. بدءاً بشعبه الأميركي مروراً بشعبي حليفيه (البريطاني والاسباني)، ثم شعوب العالم كافة، من »أوروبا القديمة« ومعها روسيا الى آسيا وأفريقيا واوستراليا، بالمؤمنين فيها والوثنيين!
إن نزول الملايين من البشر الغاضبين، الرافضين الحرب، الى الشوارع في مختلف عواصم العالم والمدن الكبرى، بما فيها الأميركية، لم يؤثر على قرار الإدارة الأميركية إلا… في التعجيل بساعة الصفر لإطلاق غارة الإبادة الأولى ضد العراق!
أما العرب فليس لهم ذكر، ولا ضرورة للحظ وجودهم (فكيف بالتخوف من رد فعلهم) لا كشعوب ولا كدول منفردة او مجتمعة في قمم (!!) ولا خاصة كأنظمة حكم »راسخة« يستوي في ذلك الملكي والجمهوري والأميري، من له لقب »السلطان« وامتيازاته الدنيوية او يتمتع بلقب »الخليفة أمير المؤمنين« وبركاته المقدسة!
مع ذلك لم يغضب صاحب جلالة او عظمة او سمو لإهماله او تجاهله، بل ربما أسعدهم هذا الاهمال بوهم انه قد يعفيهم من مسؤولية المشاركة في الجريمة، او الامتناع عن محاولة منعها… فما أمتع الاتهام بالضعف والعجز مقارنة بالتواطؤ أو بضبط المعنيين متلبسين وبالجرم المشهود، في المساعدة على اغتيال شعب عظيم والتآمر على سلامة الأمة؟!
ومن بؤس واقع الحال ان الاهانات الموجهة الى الملوك والرؤساء والامراء والسلاطين لا تحدث ردة فعل غاضبة لدى شعوبهم. فحال الانفصال بين الحكام والجماهير بلغت هذا الحد وأخطر!
ان قمة »الساعة الأخيرة« لم تكن معنية بالاستماع الى هؤلاء الحكام، او باستشارتهم، ولو حفظاً للشكليات. انهم مستصغرون بحيث يمكن شطبهم تماماً حتى من قرار الحرب على… بلادهم!
لا الأجنبي يرى في هؤلاء تماسكاً او قوة او شرعية شعبية يحترمها وتضطره الى الأخذ برأيهم، مداراة لقوة تمثيلهم، او خوفاً من اعتراضهم.
ولا »رعاياهم« يرون فيهم أملاً او قدرة على مواجهة الخطر المصيري، فيلتفتون من ثم الى الأجنبي، او يسلِّمون بأنه صاحب القرار!
ان القمم العربية (والإسلامية) قد زادت من فضيحة عجزهم فجعلتها دولية.. ومدوية! وهذه القمم بذاتها تبرر عدم اشراكهم او تغييبهم عن القرارات الخاصة بأوطانهم.
لقد أثبتوا انهم اعجز من ان يتخذوا قراراً يتصل بعلة وجودهم في مواقعهم، فبرروا او كادوا فرض الوصاية الدولية ليس على العراق فقط، بل على
معظم ارجاء الوطن العربي حيث لا يمثل الحكام شعوبهم: لا هم مؤمنون بها وبقدراتها، ولا هي ترى فيهم ما تتوقعه او تطلبه منهم، بل وتشعر انها خارج دائرة تفكيرهم، لأنهم يربطون مصيرهم بالأجنبي، فكيف تشرِّفهم بقيادتها في مواجهته؟!
يمكن القول ان ما قررته قمة الساعة الواحدة كان متوقعاً، وكان منتظراً، ولا يحق لأي عاقل ان يدعي انه قد فوجئ به!
فالحرب معلنة فعلا منذ شهور، وترتيباتها السياسية والعسكرية والاقتصادية قد استكملت منذ حين، ولم يكن أمام قمة الساعة الواحدة غير إطلاق الرصاصة الأولى!
… كان لا بد من إخضاع الدول المتمردة، في أوروبا أساسا.
ولقد بدأت الحرب على فرنسا وألمانيا وروسيا ومن معها كأمر لا بد منه قبل إحراق العراق!
أما العرب فقد خسروا هذه الحرب في فلسطين، وفي معظم أقطارهم قبل أن تجيء لحظة الخسارة في العراق: والساقط في الامتحان الفلسطيني لا يمكن أن ينجح في الامتحان العراقي. ففي فلسطين، وفي مواجهة العدو الإسرائيلي، لم يكن ثمة مجال للالتباس أو لتمويه الحقيقة: العدو صريح كما النار، والضحية صريحة كما الدم! وبالتالي فمن تخلى عن فلسطين أو تواطأ عليها ليس مؤهلا للدفاع عن العراق أو حمايته.
وهذه الأنظمة، بمجملها، ساقطة في امتحان مقاومة الاحتلال كما أثبتت تجربة لبنان، من قبل الانتفاضة في فلسطين ومعها.
وهذه الأنظمة ساقطة في »امتحان الديموقراطية« من قبل العراق وبعده.
ومن السهل جدا إحالة الاتهام من الأنظمة إلى الشعوب عملا بالحكمة القائلة: كما تكونون يولى عليكم… ولكن من جعل الجمهور »كما هم كائنون«؟!
وصحيح أن »النظام العربي« كان قد تهاوى حتى من قبل المواجهة مع العدو الإسرائيلي في فلسطين، ولكنه في الامتحان العراقي قد سقط دفعة واحدة وبالضربة الأميركية القاضية، فصح فيه القول: »من بيت أبي ضربت«… أو هكذا كان ادعاء هذا النظام العربي بمعظم أركانه!
كثيرون سيلتفتون اليوم، ومع إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب الأميركية على العراق، الى »الشارع العربي«، منتظرين المعجزات!
لكن هذا الشارع العربي يعيش أزمة عميقة تعكسها حركته المضطربة اعتراضا أو احتجاجا أو رفضا للحرب الأميركية.
إنه شارع متعب، مستنفد، محطوم الإرادة، يفتقر إلى العقيدة كما إلى التنظيم.
لقد أنسته سنوات القمع والتدمير المنهجي لقدراته كيف تكون المعارضة الجدية أو الاعتراض المؤثر والقادر على التغيير. لقد ظلوا يضربونه حتى استكان. لقد دجنوه، حتى »إذا جاء الذئب« فعلا لم يتحرك لأنه يحاول حماية نفسه من ذئب الداخل القابع على قمة السلطة!
ثم انه لا يملك بديلا جاهزا أو مؤهلا.. قبل أن يدجن النظام المعارضات أو بعدما دجنها، شوهها فمسخها حتى صارت (غالبا) على صورته ومثاله، تقريبا. هي من نسله أو من صنعه، وهي تعترض عليه إذا ما اعترضت من داخل منطقه لا من خارجه. إنها تشبهه حتى لكأنها (بالإجمال) هو… هو عشائري فتكون عشائرية، هو طائفي فتكون طائفية! ولعل أصوات بعض المعارضين العراقيين لا تختلف في مضمونها جوهريا عن منطق النظام الذي يفترض أو تفترض في نفسها أنها تتقدم لوراثته!
… ولقد وجدت »قمة الساعة« متسعا لفلسطين، حيث تطالب الإدارة الأميركية بخلع رئيس منتخب ديموقراطيا، وبإشراف أميركي معلن، بينما هي تأخذ على النظام العراقي أنه معاد للديموقراطية، وتشن على العراق حربها بهذه الذريعة!
لا تهتم الإدارة الأميركية بأن هذا الرئيس الفلسطيني المنتخب ديموقراطيا، وبإشرافها، هو رمز لنضال شعبه على امتداد عقود، وأنه قائد الحزب الحاكم بشعبيته الواسعة، بل تفرض »رئيسا للحكومة« بالتعيين ثم تقول ومعها إسرائيل إنها لن تفاوض غيره، ودائما في ظل الاحتلال.
إن الديموقراطية بالاحتلال صالحة لفلسطين كما العراق!
وعلى هذا فالإدارة الأميركية تتذرع بغياب الديموقراطية كسبب لخلع النظام في بغداد، وتقدم بديلا منه حاكما عسكريا أميركيا، توكيدا على إيمانها بالديموقراطية، فالاحتلال في نظرها هو المصدر الوحيد للديموقراطية عند العرب!
هي الحرب على العرب، إذاً، في العراق بعد فلسطين ومعها.
ومن أسف أنها ستجري وسوف تنجز »مهماتها« في غياب العرب.
لكنها لن تكون آخر الحروب، بل لعلها ستكون نقطة التحول، في التاريخ الحديث، فتستحضر العرب بعد غياب طال أمده أكثر مما يجب وأكثر مما يجوز.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان