هي مصادفة قدرية ولكنها تنبّه إلى ضرورة التعاطي بحذر شديد، وربما بارتياب مع القرارات المتعاقبة التي اتخذها مجلس الأمن حول المسألة اللبنانية ، وبالذات ما يتصل منها بالعلاقات اللبنانية السورية، في هذه اللحظة المثقلة بمشاعر يختلط فيها الغضب وخيبة الأمل في الأخ الشقيق والنزعة الثأرية للدم المهدور غيلة والمحاولات الجارية لترجمتها في السياسة التي تتوجه دائماً إلى المصالح، وعلى حساب العواطف في حالات كثيرة.
المصادفة القدرية تتمثل في اعتراف رئيس بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة بأن المندوب الأميركي في مجلس الأمن، السفير جون بولتون هو العضو السادس في فريقه ، وفي التنويه بجهده في خدمة إسرائيل، غداة استصدار القرار 1680 الفائض عن الحاجة، والمتصل بضرورة إقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا وترسيم الحدود بين هاتين الدولتين المتداخلة أرضهما ومصالحهما وروابطهما الأسرية فضلاً عن التاريخ والمصير.
فأما إسرائيلية بولتون فمعروفة ومعلنة وقد نال عليها الجوائز وشهادات التقدير، في حالات مشهودة، حتى نال أرفع مرتبة: المدافع عن إسرائيل .
من هنا كان الاستغراب لأن يذهب وفد لبناني رفيع المقام للمشاركة في تكريم هذا المقاتل الإسرائيلي الفذّ من موقعه الأميركي، والذي لا يمكن بالتالي اتهامه بصداقة العرب، ولبنان منهم، أو بالحيدة المفترضة في موقف الدولة الأعظم من مسألته التي باتت دولية .
ومع أن ثمة مشكلات جدية في العلاقات اللبنانية السورية يعقدها سوء الإدارة السياسية، فليس جون بولتون هو الحَكَم ، فضلاً عن أن مناصرته لبنان لا يمكن ان تصدر عن حب مدنف لهذا الوطن الصغير، بل هي لتأجيج نار الخلاف بين الشعبين الشقيقين بحيث يصير فتنة… ولعل بين ما يمكنّه من لعب هذا الدور موقعه على رأس البعثة الأميركية لدى المنظمة الدولية، التي لها في الذاكرة العربية صفحات ماضيها الطيب الذي اندثر بل انقلب إلى ضده مع سقوط الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي وتهاوي دول عدم الانحياز وسقوط العرب من التاريخ.
وبالعودة إلى المندوب الإسرائيلي نجده يعطي شهادة حسن سلوك للأمم المتحدة التي اسقطت قراراً قديماً لها باعتبار الصهيونية حركة عنصرية، ثم يبشرنا بتقليص القرارات ال19 المعادية لإسرائيل التي تتخذها الجمعية العامة كل سنة، وتبقى طبعاً بلا تنفيذ وإن أقرت ببعض حقوق الفلسطينيين في أرضهم.. بل وبالحياة!
بالمقابل فإن المندوب الإسرائيلي الذي يعتبر جون بولتون عضواً في بعثته يشن حملة ضارية على الصين وروسيا، ويتوجه بتأنيب صارم إلى قطر لأنها أظهرت مزيجاً من الضعف والخضوع لم يكن متوقعاً .. أي إنها حاولت، مجرد محاولة، ألا تزيد من تأزم العلاقات اللبنانية السورية بقرارات جديدة من مجلس الأمن تكاد تجعل البلدين الشقيقين في حالة حرب، وتسد أمامهما طريق التصافي وحل المشكلات العالقة في جو من الأخوة والحرص المتبادل على المصالح المشتركة.
إن الخلاف السياسي القائم الآن بين دمشق وبيروت مزعج، ومسيء إلى البلدين ولكنه ليس الحرب ، ولن يكون… ولن تساعد القرارات الدولية في حله، وخصوصاً أن الدور الإسرائيلي فيها واضح ولو عبر المندوب الأميركي الذي تجشّم بعض من أعماهم الغرض أو الحقد أو العداء لهويتهم من اللبنانيين عناء السفر إلى نيويورك لتهنئته على دوره المفترض في خدمة قضيتهم، فإذا هو لا يخدم إلا إسرائيل أولاً وقبل دولته.. امبراطور الكون.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان