محزنة كانت محاولة الاحتفال بالذكرى الأولى لإعادة الحياة إلى «الشارع» في لبنان بعنوان بيروت، حول قضية عامة، لا هي طائفية ولا مذهبية ولا جهوية… حتى لكأنها اشبه بقداس وجناز أو «سنوية الفقيد»!. بينما الزبالة ما زالت في العديد من المناطق والكثير من شوارع بيروت.. مع وعود رسمية بقرب عودتها إلى كل شارع في كل مدينة واية قرية..
كان الاحتفال يتيما، اقتصر حضوره على عائلة الفقيد.. وغابت عنه الجموع الغفيرة التي شاركت في انطلاقة الحراك وبلغت ذروتها احتشاداً في مثل هذه الأيام من العام الماضي.
هل اللبنانيون بلا ذاكرة.. أم ان نفسهم قصير، ويأسهم من جدوى أي تحرك شعبي بات يتحكم بسلوكهم الجماعي؟. وهل اعتبر عشرات الآلاف ممن احتشدوا في ساحة رياض الصلح بتفرعاتها التي تنطلق من ساحة الشهداء التي كانت «قلب بيروت» قبل اغتيالها وطرد أهلها منها وسورت بالأسلاك الشائكة حماية لاسمها الجديد الهجين «الداون تاون»؟
نزلت «طليعة استكشاف» من أهل «الحراك» تبحث عن ساحة الشهداء فلم تجدها، وان كان التمثال، الذي استخدمته جهات شتى لأغراض ومآرب مختلفة ما زال قائما في الساحة الصماء بعدما تم تهجير أهلها.. فلما تحولت إلى ساحة رياض الصلح انزل الزعيم الكبير طربوشه على عينيه حتى لا يتذكر ما شهده قبل عام..
أين تكمن العلة في اندثار العمل الشعبي بجماهير التغيير؟! هل هو تضاؤل دور الأحزاب السياسية، أو ما تبقى منها؟!
أم ان تعاظم موجات التطرف الطوائفي قد ضرب الحياة السياسية فأفسدها وعطلها وهيمن على مصادر القرار وأهله، وألغى «المواطن» ففرض عليه ان يتعامل مع الآخرين بطوائفهم ويردوا بأن يعاملوه بطائفته.. وبالتالي من خلال «مرجعياتها» السياسية المطأفة؟!
في أي حال لم يكن الحراك الشعبي الضحية الأولى لهذا «الغول» الطائفي الذي يحكم الحياة العامة، سياسية واجتماعية، في البلاد..
ان النظام موحد وصلب ومحصن بالسلاح الفتاك، الطائفية… ثم انه رخو، في ظاهره، ومطاط، بحيث لا يمكن كسره، بل يستحيل هزه… فإذا ما اهتز عدل في مواقع هذه الطائفة أو تلك في لعبة الحكم، بحيث يستعيد صلابته من دون أي تبديل في الجوهر.
وهكذا يفرض على الجميع ان يكونوا طائفيين، ممثلين لطوائفهم، وهي شتى، متخاصمة ولكنها متحالفة ضد الإصلاح ووحدة الموقف السياسي..
على هذا فليس في لبنان «شعب واحد»، بالنسبة إليهم، بل مجموعة من الطوائف المتنافرة، المتخاصمة، المتزاحمة على باب المصالح التي يوزعها «النظام» كجوائز على اركانه: لكل بقدر ما يخضع ويطيع ويساهم في حماية مصدر العطايا والنعم.. النظام الفريد!
ذلك ان وجود «النظام» يفرض، حكما، غياب «الشعب» ككتلة موحدة.. وهكذا تصبح الطوائف هي الحارسة الفعلية للنظام، ويلغى المواطن حتى لا يتبقى منه إلا انتماؤه ـ الذي يتضمن ولاءه الطائفي الذي يحوله إلى «رعية».
ليست هذه الكلمات نعياً للحراك، بل هي تكتب بدافع التحريض والإصرار على الثبات في الشارع، لأنه ـ حتى إشعار آخر ـ الطريق الوحيد إلى اصلاح النظام، ولا نقول اسقاطه لأنه أقوى بكثير من أي حراك مهما تعاظمت جماهيره.
ذهب الحراك… وبقيت الزبالة!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان