… ونسأل محمود درويش الذي يحمله حبه الموجع لبيروت إليها كلما ناداه شوقها إليه، عن فلسطين، فيقول بعينيه قبل لسانه:
فلسطين حزينة.
يضيف بعد لحظة: لا خطر على الانتفاضة. يمكن لهذا الشعب أن يصمد بعد، ولكن مع شارون لم نعد نعرف ماذا تريد إسرائيل، وإلى أين تمشي بصراعها معنا. لقد أسقط شارون كل كلام في السياسة. فلنفرض جدلاً أن وقف النار قد تحقق، ماذا بعده؟! هو لا يقول، ولا أحد يعرف.
صمت محمود درويش للحظات، ثم عاد يقول كمن يخاطب نفسه:
إن عمليات الهدم المتواصلة للبيوت، والتشريد المنهجي للفلسطينيين، تكاد تعيدنا إلى أجواء 1948. وشارون يعلن صراحة أنه إنما يكمل »حرب الاستقلال« التي أوقفها الضغط الدولي في العام 1948. المشكلة أن إسرائيل لم تعد ما كانته يومذاك، أما الفلسطينيون، في ظل العجز أو التخلي العربي، وفي ظل هذا الارتباك الدولي في مواجهة التطرف الإسرائيلي، فكأنهم في تلك الأيام السوداء، مع التوكيد أن الفلسطينيين لن يتركوا هذه المرة أرضهم وبلادهم. ومن يُهدم بيته يُقِم خيمة في العراء ويبقَ، ويبدو وكأن هذا قرار كل فلسطين.
* * *
في جولاته الأوروبية، وفي لقاءاته مع زوار إسرائيل، وفي تصريحاته اليومية، يلح أرييل شارون على مطلب محدد: وقف إطلاق النار! ووقف التأييد للقضية الفلسطينية بحجة أن الفلسطينيين يطلقون النار!
إنه يشترط وقف إطلاق النار، من جانب واحد، حتى يقبل بمبدأ التفاوض. ومتى توقف إطلاق النار تنتفي الحاجة إلى التفاوض، ويسقط الموضوع السياسي، ويستمر الرفض الإسرائيلي للمطلب السياسي الفلسطيني بالاعتراف به طرفاً.
صار إطلاق النار أهم من أسبابه. وصار الفلسطيني الذي بالكاد يملك بضع رصاصات هو الطرف العسكري المواجه لأقوى جيش في الشرق الأوسط، وهو الذي يجب أن يعلن موته لكي يتوقف عدوه عن قتله!.
لكأنما الفلسطيني أطلق النار فجأة، أو لكأنه يمارس هواية محببة! أي لكأنه لم يرد على النار عندما تعاظمت وكادت تأتي عليه، بشراً وبيوتاً وشجراً وسائر معالم الحياة.
في البدء كان الحجر، فلما قتلت إسرائيل أطفال الحجارة، وحاولت إسكات صوت الاعتراض المُطالب بالحد الأدنى من الأدنى من أسباب الحياة وحق تقرير المصير، بنار المدافع والدبابات وصولا الى الطائرات، كان لا بد للفلسطيني من أن يحاول الدفاع عن نفسه بالحد الأدنى من الأدنى من وسائل القتال البسيطة… والتي بلغت ذروتها بأن حوّل هذا الفلسطيني نفسه إلى قذيفة (لا يملكها) ففجر نفسه مستشهدا لعله يوقف القتل عن أخوته وأهله.
إن أرييل شارون قد تخلى عن الموقف الدفاعي وانتقل إلى الهجوم الشامل، في الداخل وعلى المستوى العالمي.
وبدلاً من أن يكون الحديث عن ماضي شارون السفاح وقاتل الأطفال والنساء والرجال العزّل في مجازر جماعية، ينشط شارون الآن لإدانة الفلسطينيين بوصفهم قتَلة!
ولقد أطلقت إسرائيل جيشيها على الفلسطينيين الذين تُدمَّر بيوتهم ويُرمون في الشارع الآن: جيشها النظامي الهائل القوة وجيش المستوطنين، وهو أشرس، ولم يعد مجرد رديف للجيش النظامي بل هو الطليعة التي تتصدى للهجوم ثم يأتي الجيش لينتقم له من البيوت والأشجار والمزروعات.
صار الفلسطيني اللاجئ أصلاً الى مخيم رفح، لاجئا مرة أخرى، وصار معتديا على الاحتلال الذي يطارده إلى مخيم اللجوء الجديد فيهدم منزله ليعيده إلى العراء (والخيمة الدولية) مرة أخرى.
صار ابن الخليل محتلا يضايق الأربعمئة مستوطن الذين يصادرون حق الحياة لمئة ألف فلسطيني في الخليل وضواحيها.
كل هذا والعرب ينتظرون الأميركيين.
والأميركيون لن يتحركوا إذا استمر الانتظار العربي.
وشارون لا ينتظر أحدا، بل هو يكمل خطته التي تستهدف إلغاء القضية السياسية لشعب فلسطين، مبقياً منها التفصيل الميداني: وقف إطلاق النار.
… ووقف إطلاق النار بلا شروط، هو خطوة واسعة على طريق تصفية القضية.
نتمنى أن تكون هذه النقطة على جدول أعمال اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي يُفترض أن يختلف بنتائجه قليلا عما سبقه من اجتماعات الكلام!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان