نديم دمشقية هو آخر جيل أساتذة الدبلوماسية الذين جاءوا إلى الخارجية باستعداد طيب ثم أعطوا من أعمارهم وجهودهم وإخلاصهم الكثير فكبر بهم لبنان في الخارج، برغم كل «الجهود» التي بذلها كبار المسؤولين في الداخل لتصغيره بخلافاتهم التي صارت بين عناوين الحرب/ الحروب الأهلية.
وإذا كان فيليب تقلا بين مؤسسي الدبلوماسية فإن متخرجي هذه المدرسة وعلى امتداد جيلين أو ثلاثة قد نجحوا في أن يجعلوا لبنان كبيراً في المحافل الدولية، بعلمهم وثقافتهم ونجاحهم في توسيع دائرة العلاقات وتمتينها مع دول العالم حتى صار لبنان مركزاً سياسياً مهماً.
وخلال لقاء لا أنساه في بيت الراحل نديم دمشقية وبصحبة الوزير فؤاد بطرس، أطال الله عمره، جرت أحاديثهما بذكر السابقين من رجال الدبلوماسية، برنة أسى وأسف، لأن الأجيال الجديدة في الخارجية يفتقدون الخبرة وكثافة التجربة، لأن مناخ الحرب الأهلية أضر بهم إضراراً شديداً، خصوصاً أنه قد شرخ الوزارة (تبعاً للشرخ الذي أصاب الدولة جميعاً)، ثم إنه جعل الطائفية والمذهبية تتقدم على الكفاءة والخبرة وحسن السيرة والسلوك.
أخطر السفراء هم أولئك الذين يعودون بصداقة الكبار الذين اعتمدوا لديهم.. وبهذا المعنى فإن نديم دمشقية عاد بثروة عظيمة بين عناوينها البارزة القائد العربي الراحل جمال عبد الناصر الذي استقبله كسفير ثم تعامل معه كصديق يزوره في بيته ويلتقيه خارج الدوام، بل ولعله كلفه ببعض المهمات الدقيقة التي كان كثير من أهل الدبلوماسية في مصر يتمنون لو أنهم شُرِّفوا فكُلِّفوا بها.
رحم الله نديم دمشقية وعوّضنا بذويه، وبالذات بنجليه السفير في برلـين رامز والأستاذ في الجامعة الأميركية رياض…
(مع الاعتذار العميق عن الخطأ في الصورة، أمس).