طلال سلمان

غياب الرجل الهادئ

الموت حق، ولكن ليس للموت منطق، إنه القدر الذي لا يقبل نقاشاً وليس له تعليل من خارجه. هكذا قضى الرجل الهادئ، المعتدل في مواقفه كما في كلامه، المنفتح في علاقاته واتصالاته، الدكتور علي الخليل في حادث سير مُفجِع.
ولقد خسرت الحياة النيابية، برحيله المباغت، واحداً من وجوهها المميّزين، خصوصاً وأن موقعه كرئيس للجنة الشؤون الخارجية مكّنه من أن يطل على السياسة العربية (والدولية) كشارح ومحلل ومتابع فتخطى الإطار المحلي، وإن حرص دائماً على الحفاظ على لسانه دافئاً حتى لو كان الموقف قوياً.
ولأن القدر يقرّر مصائرنا فقد اختار للدكتور علي الخليل موتاً صاعقاً أودى به ومعه رفيقة عمره السيدة ناديا عياد الخليل، ونجا منه نجله إياد ومرافقه… وهكذا ترافق الزوجان في رحلة العمر حتى نهايته.
والدكتور علي الخليل ابن صور التي كانت عبر تاريخها قلعة للوطنية والعروبة تتقاطع فيها فتزخم روحها فلسطين ومصر وسوريا، كان في شبابه ممن أخذهم الإيمان بضرورة التغيير إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، أيام سعيه من أجل الأهداف القومية النبيلة: الوحدة والحرية والاشتراكية… فلما اجتاحت الحزب الانشقاقات والصراعات وعجز عن حماية التزامه بشعاراته، واجتاحته موجة من التطرف، خرج منه ليعود إلى »المحليات«، خصوصاً وأن تجربة دولة الوحدة كانت قد انهارت مخلّفة وراءها المرارات والإحساس بضرورة إعادة النظر في كثير مما كان يُعتبر من المسلّمات.
رحم الله هذا البرلماني العريق، الذي كان بين وجوه الاعتدال بوصفه ضرورة لحياة لبنان، وشرطاً لسلامة نظامه، وهو من هذا الموقع لعب دوراً طيباً في صياغة اتفاق الطائف كما في كل جهد بُذل من أجل »تسوية« طالما كانت ضرورية لتجاوز الأزمات واختناقات النظام.
والعزاء لصور التي فقدت مع علي الخليل بعض ملامح حيويتها السياسية.

Exit mobile version