طلال سلمان

عن “الديمقراطية الاسرائيلية.. والحلم العربي الذي يسقطه واقع الهزيمة..

احتفل الاعلام العربي بعنوان “الجزيرة” القطرية و”العربية” السعودية، بفوز رئيس حكومة العدو الاسرائيلي (ولو على الحفة) على منافسيه من قادة الاحزاب السياسية في كيان العدو.

ولقد هللت هاتان القناتان الناطقتان باللغة العربية، والمؤثرتان بفضل تدفق النفط والغاز، للعملية الديمقراطية في اسرائيل، خصوصاً وان كيان العدو وقد شهد ثلاثة انتخابات، قبل هذه، خلال عام واحد… لأن الديمقراطية لا تعيش الا شهوراً محددة ومحدودة في الكيان الذي اقيم بالقوة والتواطؤ الدولي مع ملوك الهزيمة وامرائها والرؤساء ورجال المال والاعلام في الوطن العربي.

ولعل المشاهدين العرب من متابعي هذه العلميات الانتخابية المتكررة ثلاث مرات خلال عام واحد، قد بهروا بتكرارها في حين أن معظم بلادهم، لا سيما اصحاب محطتي “الجزيرة” و”العربية”، لم يعرفوا الانتخابات ولم يجربوها، وانما كانوا يستمعون ـ بكثير من الاهتمام، إلى هذه العملية المعقدة والمتكررة، مرة بل مرات، لتحديد من يحظى بتأييد الاكثرية في الدولة الصهيونية التي اقيمت بالقوة الدولية والتخاذل بل الخيانة العربية، قبل 72 سنة على ارض فلسطين.

ذلك أن اباطرة الانظمة العربية تعتمد نظام “الاستفتاء” بدلاً من الانتخابات.. والاسلوب سهل: عليك أن تقول “نعم” فيربح سعيد الحظ المعتمد من النظام كمرشح للنيابة وبعدها الوزارة، وربما تسعفه المقادير بالوصول إلى الرئاسة، بضربة حظ.. أما إذا قلت او رميت في الصندوق ورقة “لا” فقد تختفي في “رحلة استجمام” وتتنزه في ممرات السجن المكتظ بالمكابرين مثلك، حتى يمكنك النجاح في امتحان “الديمقراطية الشعبية” التي لا تعرفها ولا تقرها الدول الاستعمارية، ولادة القمع وراعيته.

انظر حولك إلى الدول العربية التي اعتمدت “الاستفتاء” في الانتخابات عموما، والرئاسية خصوصاً، كيف تعيش مستقرة، لا معارك انتخابية فيها تزعج اهلها بالخلافات التي قد تتطور إلى اشتباكات، ومن ثم إلى اعتقالات وموقوفين لمدد مفتوحة: ضع ورقة “نعم” في الصندوق واترك الامر لصاحب الامر، والامر لله من قبل ومن بعد، وعلى الله الاتكال. او ليست الخيرة في ما اختاره الله، فلماذا ـ اذن ـ تتدخل في ما لا يعنيك، ولا تقدر على ادائه بالدقة المطلوبة؟

أم أنك تريد أن تمضي وقتك، وربما نصف عمرك، امام مراكز الاقتراع، تنتظر “بورصة الاصوات” لتبيع صوتك بالسعر الاعلى وتعود إلى منزلك مطمئناً إلى انك قد أديت قسطك للعلى ويمكن بعدها أن ترتاح.


كيف يمكن فهم هذه المعادلة النافرة والمستنفرة: أن يكون العنصري، الوافد من آخر الارض، “ديمقراطيا”، وان يستدعى فيذهب للإدلاء بصوته ثلاث او أربع مرات، خلال عام واحد، بينما “الحكام الديمقراطيون” في الوطن العربي، ملوكاً وامراء غاز ونفط، يتولون مقاليد الحكم في بلادهم طيلة اعمارهم بالسيف مشفوعاً باسم الله ومع الولاء للأجنبي، صاحب الامر من قبل، ومن بعد؟!

ألم يقل شاعر التنوير ابي تمام: “السيف اصدق إنباء من الكتب”؟

أنظر إلى السعودية، مثلا. أن حكمها في اسرة واحدة، كمملكة منذ قرن كامل، وكإمارة في نجد منذ ثلاثمائة سنة او يزيد: ينتقل الحكم فيها من كابر إلى كابر بالوراثة الشرعية، والعصا لمن عصا (الملك سعود مثلاً، او ولي العهد الامير محمد بن نايف مثلا)… فقانون الجد الاعلى للأسرة “مسيلمة الكذاب” الذي ادعى النبوة امكن له أن يصبح ساري المفعول بعد اكثر من الف واربعمائة سنة..

واذا كانت لعبة الانتخابات، كمثل سائر موجبات الديمقراطية بدعة من رجس الشيطان فكيف لا تنتصر اسرائيل العنصرية مع الشعوب الاخرى و”الديمقراطية” مع “شعبها” الذي تم جمعه بالعنصرية والدين المسلح بالإمبريالية الاميركية والتواطؤ الدولي حتى امكنه احتلال ارض الشعب الفلسطيني والحاق الهزيمة بالأمة العربية جميعاً مرة، ومرتين وثلاثا بالاعتماد على الانقسام العربي والدعم الدولي الذي اجتمع فيه الشرق والغرب معاً.

كيف يمكن لشعب لم يكن شعباً في أي يوم، بل اقليات متناثرة في اربع رياح الارض، يخترق افرادها اسوار القصور، سواء أكان قاطنوها من الملوك او الخلفاء او امراء النفط والغاز “ديمقراطيا” داخل دولته التي انتزعها من شعبها العربي، واستقوى على محيطه العربي جميعاً (مصر وسوريا والاردن ولبنان ـ ما قبل المقاومة) وهزم الجيوش العربية وفرض الصلح، ولو باسم الهدنة (الدائمة) عليها..

كيف يمكن لهذه المجموعات البشرية متباعدة الاصول والجنسيات، أن تقيم مثل هذه الدولة القوية غير القابلة للانكسار، بينما يعجز العرب عن التوحد او الاتحاد او التوافق على الحد الادنى متمثلاً في حماية دولهم، ممالك وامارات من نفط وغاز، وجمهوريات قابلة للاستكانة في ظل الهزيمة والتسليم بهذا الكيان الطارئ والمعادي قاهر ارادتهم والمتحكم بحاضرهم ومستقبل اجيالهم؟

كيف توحد المختلفون في الهوية، المستقدمون من أربع رياح الارض، ليستولوا على ارض غيرهم من العرب العاربة والعرب المستعربة، وبناء اقوى دولة في محيطها، على حساب شعب فلسطين والامة جميعاً؟

هل الهزيمة قدر عرب القرن العشرين، ومعه ايضاً القرن الواحد والعشرين؟

الم يمكن العرب، طوال قرن من الزمان، أن يتعلموا من عدوهم (وسائر دول العالم المتقدم) كيف تبنى الدول بشعوبها وليس للملك او السلطان او سمو الامير او أصحاب الفخامة او صاحب السيادة الرئيس… حفظه الله واطال عمره.. ليطول زمن المحنة ودهر الهزيمة؟

ها هي العنصرية المصفحة بالدعم الدولي ليهود العالم تبني اقوى دولة في هذه المنطقة، بينما تعجز “خير أمة أُخرجت للناس” عن بناء دولة واحدة قادرة ومؤهلة لبناء الغد العربي الافضل؟!

هل انتهى التاريخ، وسقط سهواً من ذاكرة العرب “وأمرهم شورى بينهم”، وهانوا على أنفسهم، وحقروا بلادهم وانكروها حتى سمحوا بان تهيمن عليها (وعليهم) هذه الدولة العادية والغريبة، بشعبها المؤتلف برغم اختلاف الاصول والهويات، خانعين ومستسلمين لتحكمها بحاضرهم ومستقبلهم، يتسابق أغنياؤهم مع فقرائهم فيسبقونهم إلى “الصلح” معها بشروط الاستسلام المذل؟!

وهل “الديمقراطية” بين اسباب اندماج هذه الاقليات المتباعدة التي لا يوحدها الا الدين والذهب، في شعب واحد ضمن دولة واحدة قوية وقادرة على هزيمة الامة العربية جميعاً، مرة واثنتين وثلاثاً؟

وهل تقوم الوحدة الا بالديمقراطية؟

ما أقرب الاحلام ليلاً، وما ابعدها مع انبلاج النهار!

مع ذلك سنظل نحلم.. ولا بد أن يأتي الفجر، ذات صباح!

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

Exit mobile version