بادلنا عمرو موسى سؤالاً بسؤال أو هماً بهمّ، بل لعله رأى أن همومنا اللبنانية تبقى أهون شأناً، برغم ثقلها، من سائر الهموم العربية، خصوصاً وأن عجز الموازنات والفساد الإداري والرشى ونهب موارد الدولة، سواء في الخلوي أو في السنترالات الدولية أو في الأملاك البحرية.. الخ كل ذلك من السمات المشتركة بين الدول العربية.
لم تكن الجلسة »رسمية«، لذا امتد النقاش مفتوحاً بلا قيود من الحرج والتحسس من »الشؤون الداخلية« التي لم نكن بحاجة إلى الاجتهاد لكي نكتشف أنها قد تشكل أداة كبح وإضعاف للموقف السياسي العام أو تزوّده بطاقة على الفعل والتأثير تعكس مدى سلامتها عبر حجم تأييد الرأي العام لها والتفافه من حول الحكم الذي يعتمدها وينفذها.
كان سهلاً علينا جميعاً أن نكتشف أن »الحال من بعضه«، وأن »العجز الذاتي« الذي يتجلى واضحاً في كل قطر عربي على حدة لا يمكن أن يتحول في مجموعه إلى »قوة فعل عربية« يمكنها أن تؤثر فتبدل في ميزان القوى الذي يحكم حالياً الصراع العربي الإسرائيلي، فيجعل الغلبة شبه مطلقة لإسرائيل ولو برئاسة أرييل شارون، وأن ما يجري لفلسطين والفلسطينيين يقدم الدليل القاطع.
إذا لم نخرج بالوضع العربي من دائرة العجز الفاضح فلسوف يُفرض »السلام الإسرائيلي« علينا. إما أن نبدل في أوضاعنا المتهالكة وأن نتقارب ونوطد العلاقات في ما بيننا أو نُهزم جميعاً. لم تتبدل سياسة إسرائيل في السنوات القليلة الماضية، ولن تتبدل غداً. لا يتصل الأمر بأشخاص الرؤساء. إنهم في ما يتصل بالعرب عموماً وبالفلسطينيين خصوصاً واحد لا فرق بين نتنياهو وباراك وشارون وبيريز الذي اتخذ لنفسه مهمة تزيين سياسة شارون وبيعها للعالم.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية الآتي من وزارة الخارجية المصرية بعد تجربة طويلة وغنية وخبرة واسعة بالقادة الإسرائيليين نتجت عن التصادم والارتطام بهم والمواجهة المفتوحة والمحكومة بسقف معلوم: أنه قد أدرك، منذ حين، وبالتحديد مع فشل القمة الأميركية السورية التي انعقدت في جنيف أواخر آذار من العام الماضي أن ما يسمى »عملية السلام« قد اندثرت وباتت شيئاً من الماضي… فالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لم يجد في ما يعرضه عليه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون سوى الشروط الإسرائيلية للسيطرة على منابع المياه ومساقطها فضلاً عن بحيرة طبريا كلها، ولذا أنهى القمة في ربع ساعة برفضه »مبادرة اللحظة الأخيرة« التعيسة.
وعندما انتقل الحديث إلى ما يعانيه الفلسطينيون داخل الأرض المحتلة، وإلى التخلي العربي، وإلى الضغوط الدولية، لا سيما الأميركية، مع تذبذب المواقف الأوروبية وقصورها عن التأثير الحاسم، اكتفى عمرو موسى بأن قال وأعاد القول: المهم ألا توقع القيادة الفلسطينية، تحت الضغط، على أية ورقة، أو مشروع اتفاق يتضمن تنازلات جديدة. هذه قضية عظيمة وخطيرة، ويجب أن نحفظها ونمنع تفتيتها وطمس عدالتها وتشويهها. إنها قضية شعب وحقوقه في وطنه. المهم ألا تغصبنا إسرائيل فتنتزع أي توقيع جديد على أية ورقة جديدة تتناول هذه الحقوق، وليترك الأمر للأجيال الآتية، تقرر فيه، فليس هذا الوضع العربي المتهالك قدراً ثابتاً لا يتغير. حتى لو ضربت السلطة الوطنية الفلسطينية ستبقى منظمة التحرير وستبقى القضية جذوة من نار ولو تحت الرماد، وستشتعل الأرض مجدداً، بعد حين. ليست الدولة هي المهمة بل القضية.
* * *
انضم إلى الحلقة بعض النواب والوزراء الآتين من جلسة المناقشة المفتوحة للموازنة المقفلة بثقل الدين وخدمة الدين والرواتب والأجور، فانفتحت الجراح اللبنانية على مداها، مع أن الحديث اكتسى وكان لا بد أن يكتسي طابعاً كاريكاتورياً.
لم يعد للجد مكان، وساد جو هزلي وبعضنا يحاول تصنيف التحالفات والتعارضات السياسية، خصوصاً وأن بعض ما جرى خارج مبنى المجلس ومن حوله يتعارض مع كثير من المواقف التي تبدت داخل حلبته الوسيعة جداً، بحيث يمكن أن يتعايش فيها المتعاركون في الخارج مع بعض الحكومة، ومع البعض الآخر المرفوع على الأكتاف، نكاية، مع أولئك الذين طاردوا النواب بالأحذية في حين كان يتصدرهم بعض آخر من النواب.
وحين تبرع بعضنا بشرح التحالفات في ضوء المعلومات السارية أو المعممة عن مستثمري خطوط الاتصال الدولية، كنا جميعاً قد بتنا في حلقة مفرغة، مما جعل عمرو موسى يهتف: خلونا في الوضع العربي، لعله أسهل على الفهم!
ذلك أن المناقشات بيّنت أن لكل رئيس، وربما لكل وزير، وربما لكل نائب، وجهين: وجهاً معارضاً (في مواقع) ووجهاً موالياً (في مواقع أخرى)… فالحليفان في مجال خصمان أو متخاصمان أو يظهران متخاصمين في مجال آخر، وحليف الرئيسين هنا خصم للرئيس الثالث هناك، وحليف الرئيس هنا خصم للرئيسين هناك، ثم أن الخصمين لرئيس واحد ليسا بالضرورة حليفين في ما بينهما! وأخيراً فإن بوسع البعض أن يكون حليفاً وخصماً في الوقت ذاته.. فيكون حليفاً للحكومة وضد رئيسها، أو نصيراً للرئيس وضد الحكومة، أو نصيراً للحكومة ورئيسها والمجلس ورئيسه والجمهورية ورئيسها وضد الدولة مجتمعة!
الطريف، أو المستطرف والمستظرف في البدع اللبنانية أن الله سبحانه وتعالى كاد يصير »طرفاً« مؤثراً في السياسات، له مَن يحالفه كما هناك من يخالفه سياسياً حتى لو دارى المخالفة بالحوقلة والبسملة وما بينهما… خصوصاً وأن في لبنان من »الآلهة« بعدد الطوائف أو يزيد!
هل ثمة جدال بعد حول هوية لبنان العربية؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان