صورة لبنان السياسي تتغيّر باستمرار: ما إن يستوعب المواطن المشهد الذي يطالعه على شاشة الحياة العامة للبلد حتى تطرأ عليه تعديلات تؤدي إلى تبدلات فتنقلب الأدوار ويستحيل التحليل والتفسير ومن ثم توقع الخطوة التالية.
دائماً هناك ما قبل يوم محدد أو حدث محدد وما بعده… وكل حدث في يومه يلغي السياق الذي كان معتمداً أو يؤثر فيه بما يبدل مسراه ومن ثم نتائجه.
وما بعد »أحد الأشرفية الأسود« مختلف كلياً عمّا قبله.
كذلك فما بعد »اثنين لقاء الكنيسة« على تخم الحرب الأهلية مختلف بالضرورة عما سبقه..
وإذا كانت آثار »الأحد الأسود« قد خلخلت الكيان الهش، أصلاً، لتكتل 14 آذار، فإن نتائج »لقاء الاثنين« قد استولدت سياقاً جديداً للأحداث وخريطة مختلفة للتحالفات والتعارضات، ومهّدت لفرز من نوع جديد..
وبالتأكيد، فإن الحكومة التي دفعت بعض ثمن »الأحد الأسود« مرشحة لأن تدفع المزيد من تماسكها ومن قدرتها المفترضة على الإنجاز، خصوصاً أن ما شجر من خلاف بين أفرقاء 14 آذار ليس مستجداً ولا هو طارئ، وإنما وفر له »الحدث« الفرصة للخروج إلى العلن، فإذا التكتل تيارات واتجاهات وتوجهات، وإذا بعضه يتربص بالبعض الآخر…
ولعل الرغبة المتعاظمة عند بعض أطراف هذا التكتل في استدعاء المزيد من التدخل الدولي قد نبّهت أطرافاً أخرى، وبالذات مَن في السلطة، إلى أن هذا السياق سيحسم من دور الحكومة ومن وزنها ومن قدرتها على الإنجاز، وبالتالي من أهليتها لممارسة سلطتها…
ومن حق رئيس الحكومة، والحالة هذه، أن يفترض أنه قد »ضُرب من بيت أبيه«، وأن يستريب بنوايا بعض الشركاء في 14 آذار ممن يريدون المضي في »الحرب« كأنها هدف بحد ذاته، وأن يرى إلى تصعيدهم النافر يوم الاثنين كأنه يأتي في سياق مخطط مدروس للإفادة من ذكرى مرور سنة على استشهاد الرئيس رفيق الحريري، ومن ثم التصعيد بعده وصولاً إلى 14 آذار »لاستكمال التحوّل الذي لا يجوز أن يبقى ناقصاً وإلا فقد معناه واندثرت مفاعيله«.
و»السلاح« الفعال في أيدي هؤلاء الشركاء هو تركيز الاتهام على النظام السوري وملاحقته بالإدانة تلو الإدانة لمنع أية مبادرة (عربية) أو أية محاولة جدية للبحث في الوصول إلى صيغة لهدنة تمهّد لفتح ملف العلاقات اللبنانية السورية بكل بنوده السياسية والاقتصادية والأمنية وصولاً إلى ترسيم الحدود ومناقشة التبادل الدبلوماسي.
وملاحقة النظام السوري بالاتهام لها وظيفة محلية هي »تجميد الوضع السياسي« في حالته الراهنة، أي الحكم بالشلل على السلطة، خصوصاً أن حملات استعداء القوى الأخرى، وبينها »شريك الاضطرار«، أي »حزب الله«، مستمرة وكذلك الحملة العبثية »لخلع« رئيس الجمهورية لمنعه من الإفادة من التحولات التي طرأت خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وبين المفارقات التي تواجه تكتل 14 آذار الذي تشقق إلى تيارات، أن »شريك الاضطرار« قد عزز موقعه الشعبي بمشروع التعاون المرشح لأن يتحول إلى تحالف مع التيار الوطني الحر.
ثم إن رئيس الجمهورية الذي لا يفتأ يحقق أرباحاً، من دون أن يبذل أي جهد، قد استعاد شيئاً من الإحساس بوجوده، وبالتالي من دوره، وبات »يرفع صوته«، كما دلت الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء.
وفي الحالين، فإن الحكومة تدفع ثمن هذه التحولات في حين يندفع بعض قادة تكتل 14 آذار إلى »المعارضة من داخل السلطة«، ويكادون ينفون عنها صفتها التمثيلية، ويخاطبونها من خارجها، كما دلت وقائع الأيام الأخيرة.
وفي حين يحاول رئيس الحكومة أن يبقي قدميه على الأرض، وأن يتعامل مع المجريات والتطورات بواقعيته المعروفة، فإن هذه المعارضة من داخل السلطة تعطل حركته (وبالتالي حكومته) وتهدد الرصيد الذي استطاع حمايته خلال الفترة الحرجة التي امتدت حوالى الشهرين.
وليس ثمة مبالغة في القول إن مشكلة اعتكاف الوزراء الخمسة تظل أسهل وأقل تعقيداً من المشكلة الجديدة التي تواجهها الحكومة من بعض الشركاء فيها أو بعض الحلفاء خارجها، والتي ستضطرها في وقت غير بعيد إلى حسم صعب بين خيار وآخر أحلاهما مُرّ!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان