طلال سلمان

على طريق حرب تدخل دولي على لبنان عبر مقاومتة

فجأة، وبغير سابق إنذار، استبدل بعض الداعين إلى <الحوار> بين الأطراف السياسية المعنية، كمخرج من المأزق الذي يكاد لبنان يختنق فيه، لغتهم التي أشاعت شيئاً من الارتياح إلى خطاب عنيف يثير كوامن الوجع وينفخ في جمر الفتنة التي لمّا تنطفئ…كان المواطن الذي يئس من احتمال توافق <أقطابه> السياسيين على صيغة حل مقبول للأزمة الخانقة التي تمسك بعنق البلاد، قد ارتضى بالتهدئة، كهدنة أو وقف مديد لإطلاق النار، في انتظار عودة الروح إلى <وفاق عربي> أسقطته صراعات الدول ـ وأخطرها الإدارة الأميركية ـ حول تقاسم مناطق النفوذ في هذه الأرض العربية المفتوحة أمام كل قادر على أخذها…وكان هذا المواطن قد ارتضى كارهاً بأن تظل <دولته> بلا رئيس، وبلا حكومة طبيعية، وبمؤسسات مشلولة، آملاً أن تستفيق ضمائر <الأقطاب>، في لحظة ما، أو أن يجدوا صيغة ما لتقاسم النفوذ في <العهد الجديد>، بما يخفف من مخاطر التدخل الدولي ليس على سلامة البلاد وأهلها فحسب، بل على وجود الدولة ذاتها…كذلك فإن هذا المواطن الذي لم يتوقف أحد ليسأله رأيه، كان يأمل بأن يتنبّه <أقطاب السياسة> في هذا الوطن الصغير إلى خطورة اللعب مع الكبار، ولا سيما أن الذكرى الستين للنكبة في فلسطين تجيء مظلّلة بأطياف نكبات جديدة، أخطرها ما حدث للعراق من تدمير وتهجير وتقتيل وتمزيق لوحدته الوطنية في ظل الاحتلال الأميركي، وما حدث ويحدث لشعب فلسطين الذي تتوالى عليه الوعود الدولية بإنصافه ثم تعجز <سلطته> عن الوصول إليها لأن <خريطة الطريق> الأميركية تنتهي عند مشاركة الرئيس الأميركي ـ لأول مرة في تاريخ إسرائيل، الدولة المزروعة بالقهر في أرضه ـ في احتفال الذكرى الستين لإقامتها على أشلاء وطنه التاريخي… هذا مع احتمال أن يشارك بعض القادة العرب، ولو من على البعد، في هذه الذكرى المجيدة!لكن الآمال البسيطة انهارت فجأة بحملة جديدة وقاسية على المقاومة في لبنان تحاول تصويرها كعصابة خارجة على القانون (!!)، وعلى الشرعية (؟!)، وتهددها بطلب الاستعانة بتدخل دولي ضدها، يواكب احتفالات إسرائيل بالذكرى الستين لإقامتها بتدخل دولي أقوى وأفعل بدليل <إنجازه> الذي تسبّب بنكبة عربية مفتوحة.وبطبيعة الحال فإن أي عاقل لا يمكنه قبول هذه الافتراءات الرخيصة الممهِّدة لمراحل أكثر سوءاً من تلك التي عاشها اللبنانيون في ظل أزمتهم السياسية المفتوحة منذ ثلاث سنوات حفلت بكثير من الصدامات والاختلافات التي لامست أساس وجود الكيان ونظامه السياسي.ومع أن هذا المواطن البسيط اعتاد أن يقبل الاختلاف في المواقف السياسية، وأن <يتفهّم> ضرورة التحالفات مع الأقوى في الصراع على السلطة، كما أخضع كارهاً للقبول بتشويه الكثير من القيم والمبادئ تمهيداً لتبرير التدخل الأميركي غير المحدود في الشؤون الداخلية (جداً) لهذا الوطن الصغير.لكن هذا المواطن ـ لبساطته ـ ظل ينظر إلى المقاومة بالاحترام الواجب وبالتقدير العظيم لأبطالها الذين جعلوه يفاخر بلبنانيته، ويتباهى بأن شعب لبنان قد وقف من خلف مقاومته متضامناً، بل موحداً وهي تواجه أعتى أعداء هذه الأمة، فتمنعه من تحقيق أهدافه، وتجعله يعترف بهزيمته، حتى وهو مدعوم بتأييد أميركي مفتوح، وتأييد <عربي> مضمر…ولم يخطر ببال هذا المواطن برغم أنه <مسيّس> أنه بالإمكان الإقدام على هذا التزوير، بحيث تسفَّه المقاومة، ويُعاد الاعتبار إلى من كانوا في مواقع <الطابور الخامس> للعدو الإسرائيلي، سواء عبر ميليشياته التي أنشأها ورعاها ومسح بها آثار جرائمه خلال الاجتياحات الإسرائيلية وعبرها وبعدها، أو عبر من يدعي الآن أنه <حليف> إمبراطور الكون الأميركي.كذلك لم يخطر بباله أن تتولى جهات عربية رسمية تمويل هذه الميليشيات وتسليحها، وتحريضها ضد السلم الأهلي برفضها التوافق على صيغة الحكم في <العهد الجديد> الذي لا يستطيع فريق واحد أن يقيمه ويحميه مهما تعاظم تأييد <الدول> لمشروعه الذي يعادل التقسيم أو أنه يفوقه خطراً.ومع أن هذا المواطن يعرف باليقين أن إسرائيل ستظل تطارد المجاهدين في قيادة المقاومة لاغتيالهم، متى وكيفما وحيثما استطاعت، إلا أنه لم يصل في تقديراته ـ حتى الأسوأ منها ـ إلى الافتراض أن بعض القوى السياسية في لبنان ستوفر المبررات للعدو لكي يصوّر جريمته وكأنها خدمة <للوطنيين> في لبنان![ [ [في أوائل أيلول ,2004 وغداة استصدار القرار 1559 في مجلس الأمن الدولي، بتواطؤ أميركي فرنسي معلن، وقف وليد جنبلاط في دار نقابة الصحافة اللبنانية في مواجهة من سيغدون حلفاءه في ، ليندّد بذلك القرار بوصفه مقدمة لحرب التدخل الدولي في الشؤون الداخلية لهذا الوطن الصغير.لم يجد وليد جنبلاط يومها في <خطيئة التمديد> للرئيس إميل لحود وقد كان يعارضه بقوة، سبباً كافياً يمنع إعلان رفضه لهذا التدخل الدولي الفظّ في الشؤون الداخلية، والذي سيكون من شأنه أن يفجّر لبنان.وليس معروفاً، حتى اللحظة، السبب أو الأسباب التي تدفع وليد جنبلاط اليوم لأن يتصدّر موقعاً بارزاً في قيادة حرب القرار 1559 على لبنان، بكل المخاطر التي فصّلها في كلمته غداة صدوره، مميزاً نفسه إلى حد التصدي لأولئك المهلّلين للتدخل الدولي، آنذاك.لذلك تتعدد التفسيرات لهذا التحوّل المباغت، في توقيته على الأقل، عشية التقرير الدوري لناظر ذلك القرار الدولي الذي يمكن وصفه (براحة ضمير) بأنه مؤامرة على استقلال لبنان وكيانه السياسي.ومهما كانت درجة السذاجة عند المواطن الطبيعي فإنه لا يمكن أن يصدّق أن تيري رود لارسن، الذي تمنى ذات يوم أن يكون إسرائيلياً، أكثر حرصاً على لبنان وسيادته واستقلاله من الذين حموا بدمائهم هذا الوطن الصغير وأحلّوه ـ بدمائهم ـ في المكانة العالية كقبلة للذين لا يريـدون لبلادهــم أن تكون مشروع فلسطين جديدة خدمة لأغراض دولية مكشــوفة لا تنفع في تمويهها ادعاءات بعض قادة الميليشيات بأنهم هم هم أصحاب هذا المشروع الذي سيكلّف لبنان وجوده!

Exit mobile version