بين إنقاذ الطائف وبين الابتزاز السياسي للطائف ولمن كان فقبل ولمن قبل برغم غيابه شعرة رفيعة جداً.
والخشية أن تتحول وثيقة الطائف إلى موضوع ابتزاز يذهب بمضمونها الهش، أصلاً، ومن قبل المباشرة بالتنفيذ.
الخشية أن يبالغ بعض الناس في تقدير أهميتهم ومواقعهم وألقابهم فيطلبون ثمنها ممن لا يملك ولا يستحق مثل هذا “العقاب”، في حين أن مشكلتهم الفعلية مع ذلك الذي رمى بهم وبألقابهم إلى “الخارج” لكي يتفرد بحكم “الداخل”،
الخشية أن يتسبب هؤلاء في الاساءة إلى وثيقة الطائف وتفريغها من مضمونها عبر تقديمهم الدفاع عن أنفسهم وتوكيد “عونيتهم” على ضرورة التصدي لميشال عون وفضحه وتجريده من “شعبيته” التي هي – بالأصل – شعبيتهم، فهم من رباها ونماها وغذاها بالشعارات والهتافات التي ترددها اليوم من موقع الضد والاعتراض عليهم.
و”الطائف” لا تحمى من موقع دفاعي، ولا الذين أقروا وثيقة الطائف يمكنهم استعادة مكانتهم وزعاماتهم في “الشرقية” بالتزام جانب الدفاع الذي سيظل ضعيفاً ومتهالكاً، بغض النظر عن الجزالة في اللغة والافاضة في الشرح.
“أنا أو الطائف. أسقط الطائف فأبقى أو يسقطني الطائف فيأخذ أهله مكاني…”
هكذا تكم ميشال عون، ملخصاً الموضوع ببساطة، مباشراً هجومه على كل من أقدم أو شارك أو ساهم أو تدخل أو قبل وثيقة الطائف،
أما الآخرون، ومعهم البطريرك الماروني و”العهد الجديد”، فقد فضلوا التعقل، وانساقوا – أو كادوا – إلى مناقصة مؤداها: إننا حمينا الطائفة و”حقوقها” بأكثر مما فعلت وتفعل يا جنرال!
ولولا بعض التورع لقالوا، ودائماً في معرض الرد الدفاعي البائس: لقد أضعت علينا رئاسة الجمهورية فاستعدناها معززة مكرمة، وبالإجماع المحلي، وبضمان عربي، على مستوى القمة، وبضمانات دولية لم نكن نحلم بها إذ قدمتها أرفع المستويات والمراجع في السياسة الدولية (مجلس الأمن)،
… ولقد هددت موقع قيادة الجيش وها هو يعرض علينا مع التمني علينا بأن نقبله،
… ولقد شغلت منصب رئيس الحكومة الانتقالية وسط موجة اعتراض واسعة وقوية، وها نحن أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة في تشكيل الحكومة الباقية والثابتة والأصلية،
فالكل الآن ينتظر كلمة جورج سعادة،
وجورج سعادة ينتظر سمير جعجع،
وسمير جعجع ينتظر ميشال عون،
وميشال عون يعمل (ولا ينتظر) لفرط جماعة الطائف.
وجماعة الطائف ينتظرون مكارثي،
ومكارثي كان يفترض أنه عائد بقوة الطائف، ولكنه قد يجد نفسه مطالباً بإنقاذ الطائف،
هل صار الطائف بحاجة إلى إنقاذ؟!
بعد بكير!
ألم يصور اتفاق الطائف على إنه “الإنقاذ” أو “بأقل تعديل المدخل إلى الإنقاذ”؟!
وهل كان اتفاق الطائف “لطرد” ميشال عون من حيث هو يحتجز “الشرقية” كرهينة، وبوصفه العائق أمام الإنقاذ، وبالتالي أمام الحل العربي، أم كان “لطرد” جورج سعادة والياس الخازن وبيار حلو ورفاقهم من “الشرقية” بوصفهم العائق أمام “دولة الجنرال” التي تكرس التقسيم وتلغي الطائف وتمد في عمر الحرب الأهلية حتى يشيب الغراب؟!
ومن قال إن ميشال عون، الماروني، مشكلة لا تخص ولا تعني إلا رينيه معوض الماروني وسليمان فرنجية الماروني وجورج سعادة الماروني وسمير جعجع الماروني وشارل حول الماروني والاباتي نعمان الماروني وصولاً إلى البطريرك الماروني؟
ميشال عون مشكلة سياسية تعطل وحدة البلاد وقيام دولتها واكتمال سلطتها الشرعية وبالتالي بسط سيادتها على كامل الأرض اللبنانية،
وهو، كمشروع تقسيمي، مشكلة للعرب جميعأً ولدول العالم أجمع، وإن بنسبة أقل.
والكل مطالب بمواجهته، وعلى قاعدة الأقرب فالأقرب،
والأقرب هم أهل الطائف ومن لولا تدخلهم ما كان لقاء الطائف ولا كانت وثيقته التي حولها الجنرال إلى هدف لمدافعه الثقيلة.
فالطائف ليست مغانم وأسلاب ومكاسب ومراتب بينها الرئاسات والوزارات والمنافع الأخرى،
الطائف هي عنوان لمعركة حماية لبنان، دولة واحدة ونظاماً جمهورياً برلمانياً ديمقراطياً برئيس شرعي واحد وحكومة شرعية واحدة ومؤسسات توحيدية تنهي عصر الانقسام والاقتسام والتقسيم المفروض.
إن عدو الطائف قد أشهر الحرب، بلا خجل وبلا وجل، جاعلاً ظهره للحائظ،
فأين أهل الطائف يحمونه بالموقف الصلب وبالتضامن وبالثبات في وجه المشروع التقسيمي؟!
والحماية تكون بالهجوم على بعبدا وليس بالهجوم على الحقائق الوزارية، وحصص الطوائف، ولاسيما الطائفة العظمى وفارسها “الطائفي الأعظم” العاصي في القصر الجمهوري المهجور؟!
وهذا ينطبق على من في بيروت، بغربها وشرقها، وعلى من هم في الجبل أو في الجنوب أو في البقاع وصولاً على إهدن في ذرى الشمال العالية..
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان