من حق المفاوض الإسرائيلي أن يستشعر زهو الانتصار وهو يعود من واشنطن بمكاسب جوهرية، تاركاً لخصمه العربي الاحساس بالخيبة والمرارة والخسارة، مرة أخرى.
ومع التقدير لجهد المفاوضين العرب فلقد كانوا – بأشخاصهم وبالوضع المفروض عليهم – أعجز من أن يمنعوا الإسرائيلي من تحقيق مكسبه الأهم: جعل المفاوضات غاية بذاتها لا وسيلة إلى غاية محددة.
وبالتأكيد فإن الموقف الأميركي هو الذي كسر ظهر المفاوض العربي، وأفقده الحد الأدنى من احتمالات التكافؤ الشكلي، بل حتى التوازن النفسي.
لقد ارتضى العربي أن يذهب مرغماً مستنداً إلى التطمينات الأميركية بأن للمفاوضات أساساً مقبولاً – ولو بالإكراه – هو مبدأ “الأرض مقابل السلام”… وهو مبدأ أسقط عمداً ولم يسقط سهواً من خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش في جلسة افتتاح المفاوضات في مدريد. وبالتالي فقد أسقط نصاب المؤتمر، وصارت المفاوضات غاية بذاتها، كما أرادها الإسرائيلي تماماً.
كان العربي يأمل بأن يعينه “الأميركي” فإذا بالإسرائيلي يستعرض قوته على الأميركي نفسه، فيخرق تطميناته، ويخالف مواعيده، ويعترض على اختيار العاصمة الأميركية ذاتها، فارضاً على “المعين” الأميركي سلسلة من التراجعات على حساب المفاوض العربي البائس الذي لم يجد أذناً تصغي إلى شكواه.
أكثر من هذا: فوجئ العربي بالضربة القاضية تأتيه من الأميركي ذاته، عبر إجبار الأمم المتحدة على تلاوة فعل الندامة والاعتذار للإسرائيلي عن قرارها الخاص باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية.
وبديهي أن المفاوض العربي، قد شعر بما يتجاوز الحرج إلى الاذلال وهو يرى الكثير من “أخوته” العرب – وفيهم المشرقي كالكويتي، والمغربي كالتونسي والمغربي – يهربون من الجمعية العامة تنفيذاً للأمر الأميركي، متخلين عن هويتهم وعن أبسط واجباتهم القومية في واحدة من أخطر اللحظات في تاريخ قضيتهم المقدسة.
إنها المحطة الأولى على طريق طويل من التنازلات والتراجعات الموجعة.
ففي الجولة المقبلة من المفاوضات سيكون الطرف العربي أضعف قطعاً، وسيكون الإسرائيلي متجبراً، خصوصاً وإن الإسناد الأميركي مستمر، فواشنطن تعلن – في لحظة إخفاق الجولة الثانية – تمسكها بالمفاوضات المتعددة الأطراف في مكانها المقرر (موسكو؟!) وفي زمانها المحدد 29 كانون الثاني المقبل.
أي إن الضربة الأميركية التالية لآخر معالم الصمود العربي جاهزة، وهذا سلاح إضافي في يد الإسرائيلي المدجج بالسلاح حتى رموش عيونه!
“من بيت أبي ضربت”،
ومن بيت أبيه سيضرب الطرف العربي المتشبث بحقوقه، في الغد القريب.
فحتى هذه اللحظة ما تزال المفاوضات بين العرب والعرب متعذرة إلى حد يقارب الاستحالة، وهم مطالبون بأن يعطوا – مجتمعين – لعدوهم ما لم يعطه أحدهم للآخر من وجوه التعاون إن على صعيد البيئة أو الاقتصاد أو الموارد الطبيعية كالمياه وصولاً إلى التطبيع الثقافي!
ولقد سقط الوهم بأن العرب إنما يذهبون ليفاوضوا الولايات المتحدة الأميركية، لا إسرائيل.
فهل أطرف من وضع هذا الطرف الذي لا يجد حقيقة من يفاوضه، لا في خانة الأخوة، ولا في خانة الأصدقاء (إذا ما احتسبنا الأميركي صديقاً) ولا في خانة الأعداء، إن كان الإسرائيلي ما يزال هو “العدو”؟!
هل من مفاوض… طالما قد تعذرت المواجهة بالصرخة العربية الأبية: هل من منازل؟!
قاتل الله الضعف. إنه يحرمك حتى شرف الخصومة!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان